استقرار سوريا مصلحة لبنانية
18.08.2025
عالية منصور
استقرار سوريا مصلحة لبنانية
عالية منصور
المجلة
الاحد 17/8/2025
بعد أيام من التصريحات الإيرانية الرافضة لقرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح "حزب الله"، حلّ أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، ضيفا ثقيلا في بيروت، أعلن شفهيا احترام بلاده لسيادة لبنان وقرارات الدولة اللبنانية. ولكن في واقع الحال ما هي إلا ساعات على انتهاء زيارته حتى خرج أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم متهما الحكومة اللبنانية بخدمة المشروع الإسرائيلي، مهددا بخوض "معركة كربلائية" لمواجهة القرار، وقال إنه "لن تكون هناك حياة في لبنان إذا حاولت الحكومة مواجهة الحزب".
بينما رد رئيس مجلس الوزراء القاضي نواف سلام على تهديدات قاسم بمقابلة مع "الشرق الأوسط" بالتذكير بأن "حزب الله" وحركة "أمل" سبق ووافقا عندما كانا ممثلين بحكومة الرئيس ميقاتي على اتفاق وقف الأعمال العدائية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأنه ليس هناك أي حزب ولا أي طرف سياسي آخر مخول له أن يحمل السلاح بلبنان.
وللتذكير فقد غرد الرئيس ميقاتي يومها وبعد دقائق على إعلان الاتفاق بأنه لم يطلع على بنود الاتفاق إلا بعد أن توصل إليه ووافق عليه كل من نبيه بري و"حزب الله".
"إن هذا التفاهم الذي رسم خارطة طريق لوقف النار اطلعت عليه مساء اليوم". 26/11/2024- تغريدة ميقاتي.
يستطيع "الحزب" إعلان الحرب على لبنان، ويستطيع تخوين الحكومة، فهذه اللغة هي اللغة الوحيدة التي يجيدها "حزب الله" منذ تأسيسه إلى اليوم، ولكنه لن يستطيع تزوير الأحداث والوقائع. يستطيع افتعال حرب أهلية في لبنان أو تحديدا افتعال حرب بين من تبقى من ميليشيا "الحزب" والدولة اللبنانية ممثلة بالجيش اللبناني، ولكن السؤال: ماذا بعد؟
هناك خيار "لبننة حزب الله" وقد يبدو خيارا صعبا وخصوصا أن هذا "الحزب" تحديدا وبغض النظر عن مؤيديه من اللبنانيين، فإنه لم يكن يوما لبنانيا بالمعنى الوطني، فحتى قتاله لإسرائيل كان ضمن سياق الأجندة الإيرانية، ولو كان وطنيا ما كان ليحصر بقوة السلاح مقاومة إسرائيل بحزبه.
ليس تفصيلا أن طائرة لاريجاني لم تحلق فوق سوريا لتصل إلى بيروت، فما دامت سوريا مستقرة آمنة فشريان الحياة لـ"حزب الله" من طهران إلى بيروت سيبقى مقطوعا
من المثير للاهتمام، وتحديدا لنا نحن الذين عشنا حقبة جبروت "حزب الله" على لبنان واللبنانيين ومن ثم على سوريا والسوريين أن نراقب أفول هذا "الحزب"، ولكن من المفيد أيضا التنبيه أن طوق النجاة الوحيد اليوم ليعيد هذا "الحزب" ترتيب صفوفه هو نشر الفوضى في سوريا، وللمفارقة هنا تلتقي مصالح إسرائيل وإيران و"حزب الله" بزعزعة استقرار سوريا، وإن كان كل طرف يختلف عن الآخر بما يريده من سوريا.
الحديث عن أن استقرار سوريا اليوم يصب في مصلحة لبنان كما في مصلحة السوريين ليس ترفا ولا محاولة "ابتزاز" سياسي لفئات في لبنان تمتهن اليوم التحريض على سوريا وأمنها. والحديث عن أن استقرار الدولة الوليدة في سوريا ووقف محاولة البعض، بما في ذلك حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل، التحريض على الفتن أو شن المعارك ونشر الفوضى هو شرط ملزم لضمان عدم عودة إيران وميليشياتها للسيطرة على المشهد السوري.
ليس تذاكيا عندما نقول إن أحدا لا يستطيع أن يختار الدولة هنا والميليشيا هناك، فكما يوجد اعتراض على شكل الدولة وقدرتها هنا يوجد الأمر نفسه هناك، وقبل أن يختار العراق أي مسار يريد، فإن السد الوحيد اليوم أمام عودة نفوذ أذرع إيران في المنطقة هو سوريا. وليس تفصيلا هنا أن طائرة لاريجاني لم تحلق فوق سوريا لتصل إلى بيروت، فما دامت سوريا مستقرة آمنة فشريان الحياة لـ"حزب الله" من طهران إلى بيروت سيبقى مقطوعا.