الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استفزاز الأكثرية في المنطقة وما بعده

استفزاز الأكثرية في المنطقة وما بعده

19.12.2016
ياسر الزعاترة


الدستور
الاحد 18/12/2016
خلال الأيام الماضية كان هناك مشهدان متناقضان؛ الأول يعاني من قهر من العيار الثقيل تبعا لما كان يجري في حلب، فيما كان الثاني يقيم الاحتفالات، ولا يتورع عن الاستفزاز بكل أشكال الخطاب الطائفي، وال”النكائي” والشماتة الرخيصة، من دون أن ننسى أن الأول قد بات يتحدث لغة طائفية أيضا، الأمر الذي لا يبدو يسيرا عند من قطاعات الإسلاميين المسيّسين، لكنه أكثر وضوحا بكثير عن قطاعات الناس البسطاء، والمتدينين العاديين.
سيقول البعض إن المشهد لم يكن على هذا النحو من الثنائية، وإن هناك أصنافا اخرى من الطرف الأول لا تنتمي للمذهب الشيعي، بعضها بهوية يسارية وقومية، وبعضها الآخر بهوية طائفية من خارج الدائرة الإسلامية، وهذا صحيح إلى حد كبير. أما الرد فهو أن السياسة لا تعرف الثنائيات الحدية، وحتى في حالات الاحتلال المباشر، سيتوفر من أبناء البلد الواحد من يصطفون إلى جانب المحتلين، ويؤمنون بالتصالح معهم، بل لا تعدم من يراهم مخلصين أيضا، ولا تسأل بعد ذلك عن وجود حساسيات طائفية أخرى تنحاز لهذا الطرف أو ذاك، لكن ذلك كله لا يغير من حقيقة وجود معسكرين كبيرين. وفي الحالة الراهنة؛ معسكر يشكل الغالبية الساحقة من المسلمين السنّة، فيما يشكل المعسكر الآخر غالبية الشيعة أيضا، من دون أن نعدم من بينهم من يرفضون المغامرات الإيرانية ويرونها خطرا على التعايش في المنطقة، فضلا عن معتبر من الإيرانيين ممن لا يرون في مغامرات المحافظين الخارجية سوى استنزاف لبلدهم وتبديد لمقدراتهم دون جدوى.
والحال أن كل مبررات الانحياز الإيراني للنظام السوري، مثل حكايات المقاومة والممانعة، قد تساقطت كأوراق الخريف خلال الأعوام الأخيرة، ليس بالتحالف مع قوة أجنبية أخرى (روسيا) لتركيع شعب ثائر وحسب، مع ما يعرف من علاقة حميمة لهذه القوة مع الكيان الصهيوني، ولا لأن قتال أدوات إيران في العراق يتم بغطاء من طيران “الشيطان الأكبر”، بل أيضا لأن اللعبة الطائفية المفضوحة ما لبثت أن امتدت لليمن بدون أي مبرر، إذ لا مراقد هناك، ولا مقاومة، بل تحالف مفضوح ضد ثورة شعب بتحالف مع طاغية.
في ضوء ذلك، من الطبيعي أن يترسخ اعتقاد الغالبية في المنطقة بأنها تتعرض لهجمة عاتية تلبس ثوبا طائفيا، وتريد تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا في المنطقة، ومن الطبيعي أيضا أن يترسخ العداء لإيران وأذنابها، الأمر الذي سيُرتب ردودا على كل المستويات، وبأشكال لا يتوقعها أحد في زمن العنف الرخيص، إن جاز التعبير.
لا سوريا ستستقر، ولو سيطروا على كل الأراضي، ولا العراق سيتسقر ما لم يأخذ العرب السنّة وضعهم الطبيعي، وتنتهي وصاية سليماني على الدولة العراقية، ولا اليمن سيقبل بوصاية الحوثيين، وحتى لبنان لن يستقر تماما باختطاف حزب الله للدولة بقوة السلاح.
هذه معركة طويلة ومريرة، ستنتهي على الأرجح بتسوية إقليمية لن يظهر دخانها الأبيض، قبل أن يقتنع خامنئي بعبثية أحلامه في الهيمنة واستعادة ثارات التاريخ، وهو سيقتنع عاجلا أم آجلا، وإن بعد ثمن باهظ يدفعه الجميع، مع فوائد جمّة لأعداء الأمة. والأيام بيننا