الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اتفاق سوتشي… خريطة جديدة في الشمال الشرقي من سوريا

اتفاق سوتشي… خريطة جديدة في الشمال الشرقي من سوريا

06.11.2019
درويش خليفة


القدس العربي
الثلاثاء 5/11/2019
من يقرأ اتفاق بوتين اردوغان الأخير في سوتشي يتبادر إلى ذهنه أن هندسة المنطقة وتوزيع القوى العسكرية بات وبشكل مطلق بيد الروس، ولا أحد ينازعهم على ملك أهداهم إياه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد قرار انسحابه من سوريا وترك حلفائه الكرد في مواجهة مطلقة أمام الجيش التركي وحلفائه من الجيش الوطني السوري المعارض.
وعلى ما يبدو أن الروس يحاولون عبر الاتفاق الأخير شرعنه وجود القوى المتداخلة في سوريا وعبر اتفاقات تساهم بمد يد المتداخلين لمصافحة بشار الأسد ولو على المدى المتوسط، على غرار اتفاق قسد – الأسد. كما أن صياغة الاتفاق توحي بأن الروس قاموا بخطوة استباقية عبر صياغة البنود التي ناقشوها، قبل هبوط طائرة الرئيس التركي طيب رجب اردوغان إلى أرض مطار سوتشي الدولي.
وهذا ما جعل الاجتماع يستغرق ست ساعات متواصلة، أغلب الظن هناك نقاط استعصى حلها، وهذا ما استدعى تركها للفرق الفنية في الأيام المقبلة.
من وجهة نظري كل ما يحصل من تفاهمات واتفاقات ثنائية، بدأت منذ قمة هلسنكي بين الرئيسين ترامب – بوتين الذي جمعهما في يوليو/تموز 2018 وقد كان اللقاء الأول بينهما رسميا، إذ إن كل ما سبقها من لقاءات كانت على هامش اجتماعات أو مؤتمرات دولية يكون الطرفان جزءا منها.
كان الملف السوري حاضرا وبقوة في هلسنكي آنذاك من ضمن الملفات الأكثر أهمية مع ملفي إيران وأوكرانيا واللذين تناولهما الرئيسان ووضعا الخطوط العريضة لحل أزماتهم المتواصلة والمعقدة. كما أن فنلندا ليست عضواً في حلف الناتو وبالتالي تعتبر "محايدة". وهذا ما أعطاها دورا تاريخيا لاحتضان لقاءات عدة مصيرية بين الأمريكان والروس. بدءاً من لقاء الرئيس الأمريكي جيرالد فورد والأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي ليونيد بريجينف عام 1975 في مرحلة الانفراج الدولي، وقمة هلسنكي والتي بموجبها وافق قادة 35 دولة بينها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على إنهاء عملي لـ "لحرب الباردة" وبتهدئة الأوضاع في أوروبا عبر اتفاقية تعاون بين دول القارة.
وقبل انهيار الاتحاد السوفييتي بأشهر قليلة، ناقش جورج بوش (الأب) والرئيس السوفييتي الأخير ميخائيل غورباتشوف، أزمة الخليج في العاصمة الفنلندية أيضاً.
وفي عام 1997 ناقش بيل كلينتون والرئيس بوريس يلتسين محادثات مهمة في مقر الرئيس الفنلندي آنذاك ميانتيونيم.
وفي العودة لقمة سوتشي التي وصفت بالتاريخية، من حيث بنودها ستكون ملحقا لاتفاق أضنة الأمني الذي تم التوافق عليه بين حكومتي دمشق وانقرة في عام 1998 والذي يمنح الأتراك التحرك على طول شريطهم الحدودي مع سوريا بعمق 5 كلم لملاحقة ميليشيا PKK المصنفة إرهابية في تركيا، المدعومة من حافظ الأسد آنذاك. وهذا ما يشرعن التواجد التركي في سوريا أيضا ويلزم الأطراف الرافضة له بالصمت وغض البصر مترقبين سير الأحداث في الطرف الشرقي من سوريا.
وبالتالي إنهاء حلم الإدارة الذاتية "روج أفا" لميليشيا PYD في شمال شرق سوريا، الذين طالما انتظروها كجائزة على قتالهم تنظيم "الدولة" (داعش). ليعودوا أدراجهم إلى حضن النظام من جديد.
ليأتي نص الاتفاق المبرم بين طرفي جولات استانا بغياب الضلع الثالث إيران، على تراجع ميليشيا قسد ثلاثين كلم على طول الحدود البالغ شرقي الفرات 440 كلم، تستثني مدينة القامشلي من تسيير الدوريات الروسية التركية ويترك ملف إدارة المنطقة خدميا – أمنيا غامضا للمتابعين.
من الواضح أن الميليشيا الكردية خسرت كل ما تملك من نقاط قوة بعد تسليم مراكزها الحساسة كعين العرب/كوباني وعين عيسى والطبقة وقريبا الرقة للنظام، ليبقى مصير منبج وتل رفعت عالقا بين الروس والأتراك مع غياب نفوذ ميليشيا قسد في المنطقتين. أما الخسارة المطلقة فكانت في منطقتي رأس العين وتل أبيض لصالح القوات التركية وحلفائها في المعارضة السورية المسلحة (الجيش الوطني).
حقيقةً بعد الانسحاب الأمريكي، باتت روسيا القوة الخارجية المهيمنة في سوريا بدون منازع وهذا ما جعل فرص القوى الأخرى تتضاءل في تحقيق مصالحها منفردة أو تذهب اضطراريا لعقد تفاهمات مع الروس!
وهنا علينا الإشارة إلى أن الموارد النفطية لا زالت خارج سيطرة حكومة دمشق وحلفائها الروس والإيرانيين. وهذا ما يبقي الأعباء الاقتصادية قائمة على النظام وورقة ضغط بأيدي الأمريكان ليفرضوا ما يناسبهم إن أرادوا ذلك.
أما ملف اللاجئين ذو المصلحة المشتركة الروسية التركية، فالأولى تطمح لإعادتهم لتحظى بملف إعادة الإعمار، الذي يقربها من الأوروبيين والخليج العربي، والثانية ترى في عودة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها تحت مسمى ضيوف أو حماية مؤقتة، مصلحة داخلية خارجية.
وبهذه الحالة تكون العملية العسكرية "نبع السلام" قد حققت حراكا سياسيا بخطوات عسكرية.
ومن الواضح أن أطرافا عدة استفادت من الخطوة العسكرية التركية بدءاً من إدارة البيت الأبيض عبر تنفيذ وعود الرئيس ترامب بسحب قواته من سوريا كي لا يصطدم وشركاؤه الأتراك، مرورا بالروس الذين أعادوا مناطق لم يجرؤون يوما ما على الدخول عليها، لينتهي المطاف عند تركيا التي أبعدت الميليشيا الإرهابية حسب تصنيفهم على طول الكريدور الحدودي بعمق اختارته هي ضمن توافق مع القوى الدولية المتنفذة في الملف السوري.
وتبقى مخاوف السوريين قائمة في الشمال الشرقي من سوريا في إعادة سيناريو الجنوب السوري (درعا – القنيطرة) حيث تخلى الأمريكان عن فصائل الثوار المسلحة هناك على حساب دخول الشرطة عسكرية الروسية وبالتالي إعادة انتشار النظام وفتح معبر نصيب البري مع الأردن.
وهنا الحالة مشابهة من حيث الخطوات التي تجري أمام أعين السوريين المناهضين لنظام الأسد بدون أن يحركوا ساكناً، مكتفين بتأمين مصالح حلفائهم على أمل أن تبقى مساحة خضراء تحميهم غدر الأسد وحلفائه مستقبلاً.