الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "اتفاقية أضنة".. ما لها وما عليها

"اتفاقية أضنة".. ما لها وما عليها

03.02.2019
محمد نور الدين


الخليج
2/2/2019
فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجميع عندما تحدث في مؤتمره الصحفي مؤخراً، في موسكو مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، عن اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا في العام 1998 كأساس ومرجعية لتنظيم العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وكانت المفاجأة الأكبر أن أردوغان قد قابل بانفتاح الحديث عن الاتفاقية، داعياً إلى طرحها للنقاش على الطاولة. ومن ثم قال إن الاتفاقية تعطي لتركيا الحق في دخول سوريا.
* أولاً- في الاتفاقية نفسها:
وقّعت الاتفاقية في أضنة في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 1998 بعدما هددت تركيا على لسان مسؤوليها الكبار، السياسيين والعسكريين، الرئيس السوري حافظ الأسد باجتياح سوريا إذا لم تسلم، أو تطرد زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من أراضيها. وقد تم إخراج أوجلان فعلاً في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد تدخل الرئيس المصري حسني مبارك، وكانت الاتفاقية بعد ذلك. وتضمنت خمسة بنود، وخمس ملاحظات، والمشترك فيها التعاون لمنع أي نشاط لعناصر حزب العمال الكردستاني من الأراضي السورية تجاه تركيا.
وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول 2010 وقّع وزيرا خارجية سوريا وليد المعلم، وتركيا أحمد داود أوغلو، على اتفاقية أمنية اعتُبرت، في مقدمتها، على أنها "تطوير" لاتفاقية أضنة، وذلك بتشديد الإجراءات وتوسيع التعاون لمحاربة حزب العمال الكردستاني، والتنظيمات الإرهابية عموماً.
لذلك يمكن اعتبار الاتفاقيتين كلاً واحداً والمرجعية لتنظيم العلاقات الأمنية بين البلدين.
* ثانياً - في بعض الأضاليل الخاصة باتفاقية أضنة:
لا تشير أي من اتفاقيتي أضنة وأنقرة إلى أي حق لتركيا أو سوريا في التدخل العسكري، أو الأمني الآحادي في أراضي الدولة الأخرى. بل إن اتفاقية أنقرة تشير إلى البحث في إمكانية القيام بعمليات عسكرية مشتركة ضد الإرهابيين، من دون تحديد أراضي أي دولة. وتتكرر كلمة مشتركة في أكثر من موضع في اتفاقية أنقرة.
أما الحديث عن وجود ملاحق سرية لاتفاقية أضنة تعطي تركيا الحق في القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية بعمق 5 كلم، أو أكثر، فليس في النصوص الرسمية العلنية لاتفاقيتي أضنة وأنقرة ما يشير إلى وجود هذه البنود السرية. وتنقل صحف تلك الفترة في العام 1998 عن مصدر تركي رفيع في وزارة الخارجية أنه لا وجود لأي بند سري. كذلك يكرر ذلك الجنرال إسماعيل حقي بكين، رئيس دائرة الاستخبارات في الجيش التركي، حين توقيع اتفاقية أضنة، والذي رأس الاجتماعات الدورية للجنة الأمنية المشتركة بين البلدين خمس سنوات. بل يقول بكين إنه لا وجود لأي بند يحدد عمق 5 كلم، أو غير ذلك، وإن لتركيا الحق في القيام بعمليات ضد الإرهابيين داخل سوريا، ليس وفقاً لاتفاقية أضنة، بل وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بالدفاع عن النفس تجاه أي تهديد.
وفي التحليل السياسي فإن تركيا في عهد أردوغان، ومنذ بدء ما يسمى ب"الربيع العربي" عملت جاهدة على إقامة منطقة أمنية وآمنة داخل سوريا. ولو كانت اتفاقية أضنة، أو اتفاقية أنقرة تعطي أردوغان هذا الحق ولو في بنود سرية لما "نام" عليه حتى الآن، ولكان اتخذه حجة قانونية للدخول إلى سوريا، وهو الباحث دائماً عن قشة لتبرير عدوانه على سوريا منذ سنوات.
ولوضع حد للشائعات فإنه مطلوب من المسؤولين السوريين والأتراك مكاشفة الرأي العام عما إذا كان هناك بنود سرية أم لا.
* ثالثاً- في أسباب استحضار بوتين للاتفاقية:
إن أي تطبيق لاتفاقية أضنة اليوم يوجب سيطرة الجيش السوري على كامل حدود سوريا مع تركيا. وهذا يعني انسحاب الجيش التركي من مناطق درع الفرات، وعفرين، وإدلب، كما عودة الجيش السوري إلى مناطق سيطرة قوات الحماية الكردية.
وهذا يستدرج،في خطوة بوتين، التنسيق بين أنقرة ودمشق، وفتح قنوات تفاوض رسمية بينهما، وبالتالي الاعتراف الضمني والعلني بالنظام السوري. وفي حال حصل ذلك كله، فهو انتصار واضح لدمشق، وهزيمة واضحة لأنقرة. لكنه يضمن انتفاء أي تهديد من داخل سوريا للأمن القومي التركي.
الانفتاح التركي على دعوة بوتين لا يعني القبول باتفاقية أضنة، وربما هو مجرد مراعاة خاطر بوتين إمعاناً في المماطلة لعدم الانسحاب من إدلب ومناطق الاحتلال التركي.
وفي جميع الأحوال، وفي ضوء التهديدات والاحتلالات التركية لأراض سورية، فإن العودة لتطبيق الاتفاقية تلقائياً ليس كافياً، بل المطلوب وضع اتفاقية جديدة تراعي المصالح السورية، ومنع تركيا، بأطماعها المباشرة في الأراضي السورية وبآلاف المرتزقة الذين استقدمتهم من كل العالم، من أن تشكل تهديداً للأمن القومي السوري والعربي كلما سنحت لها الفرص والظروف والمتغيرات.