الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران وإسرائيل.. بين العداء التاريخي والمصالح المشتركة 

إيران وإسرائيل.. بين العداء التاريخي والمصالح المشتركة 

23.01.2021
الاستقلال


الاستقلال 
الخميس 21/1/2021 
تمهيد 
1 - العلاقة بين البلدين قبل اندلاع الثورة الإسلامية وبعدها 
2 - المصالح المشتركة 
أ - الحرب العراقية الإيرانية (الدعم العسكري والاستخباري الإسرائيلي) 
ب - إضعاف الموقف العربي وتفتيت مظاهر الوحدة العربية 
ج - إفشال ثورات الربيع العربي 
د - إرهاق تركيا 
3 - متى بدأ العداء بين إيران وإسرائيل؟ 
4 - المتنازع عليه، ولعبة الشطرنج بين إيران وإسرائيل 
أ - الوجود الإيراني في سوريا 
ب - قره باغ 
ج - القضية الفلسطينية 
د - الدعم الإسرائيلي للأكراد 
5 - هل يريد الطرفان المواجهة؟ 
الخاتمة 
تمهيد 
هل العلاقة بين إيران وإسرائيل علاقة عداء دائمة؟ وهل جمعت البلدين مصالح مشتركة قبل الثورة الإيرانية؟ وهل يمكن أن تجمع البلدين مصالح مشتركة أخرى في عهد ما بعد الثورة رغم الحرب الكلامية بينهما؟. 
ما حجم الخدمات التي يقدمها بعضهما لبعض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟ وما الاستفادة التي يحققها كل منهما من تهديد الآخر لدول جواره؟. 
ما نقاط التماس التي ينظر فيها كل طرف للآخر على أنه تهديد له؟ وهل التهديد المتبادل بينهما تهديد وجودي؟ وهل يريد أي الطرفين الانجرار إلى حرب مباشرة؟ حول هذه الأسئلة وغيرها تدور هذه الورقة. 
1 - العلاقة بين البلدين قبل اندلاع الثورة الإسلامية وبعدها 
كانت العلاقات بين إيران وإسرائيل قبل الثورة الإسلامية علاقات تعاون وثيقة ومصالح جيوسياسية مشتركة، فكلا الطرفين كان متخوفا من الحقبة الناصرية في مصر، وكان لديهما عداء للعرب وإن تفاوت حجمه عند كل طرف، إضافة إلى الحساسية تجاه الشيوعية السوفييتية. 
وفي ظل سياسة المحيط وأيديولوجية (عدو عدوي صديقي) التي تبناها دافيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي في الخمسينات من القرن الماضي، سعت إسرائيل للتحالف مع الدول غير العربية وعلى رأسها إيران بالطبع من أجل مواجهة هذه التهديدات. 
ورغم عدم اعتراف إيران في ظل حكم الشاه محمد رضا بهلوي بإسرائيل اعترافا رسميا إلا أن التعاون بين البلدين كان وثيقا للغاية في كافة المجالات، من ذلك مثلا أن المخابرات الإسرائيلية (الموساد) والإيرانية (سافاك) كانتا تنسقان معا لمساعدة أكراد العراق في صراعهم ضد النظام العراقي في ستينيات القرن الماضي. 
وتجاريَّاً أسست الدولتان معا شركات للطاقة في بنما وسويسرا عرفت باسم "Trans-Asiatic Oil" التي كانت بمثابة الشراكة السرية بين إسرائيل وشركة النفط الوطنية الإيرانية في السبعينيات، وفي نهاية السبعينيات اشتركت الدولتان معا في تطوير بعض أنظمة الصواريخ.[1] 
هذا التعاون الذي كان قويا قبل الثورة الإسلامية ظل مستمرا بعدها، حيث كانت إيران ترى إسرائيل ثقلا مفيدا في مواجهتها ضد حزب البعث العراقي، وكانت إسرائيل ترى إيران بالمثل أيضا ليس ضد العراق فحسب، بل ضد العالم العربي كله ومن هنا استمرت العلاقات البراجماتية بين البلدين طوال الثمانينيات.[2] 
لقد كانت إسرائيل في عام 1987 تشير إلى إيران على أنها "صديق جيواستراتيجي"، ثم تحولت في 1992 لتصنفها إلى "تهديد دولي"، وكان صانعو السياسة في تل أبيب ينظرون إلى الخميني على أنه مجرد ظاهرة عابرة، وكانوا يركزون على إبقاء العلاقة السياسية مع طهران في فترة ما بعد الخميني، حيث إن إسرائيل كانت تستثمر استثمارا سياسيا كبيرا في إيران، ولم تكن مستعدة لتخسرها كشريك جيوإستراتيجي في مواجهة العرب.[3] 
ورغم ما جاء من إدانة حادة لسياسة طهران على لسان إسحاق رابين وشمعون بيرس في أوائل التسعينيات، إلا أن نفس الشخصين كان لهما توجها مختلفا في عام 1987، فقد كان رابين يرى أن إيران ستظل حليفا جيوسياسيا لإسرائيل، أما بيرس فكان يدعو لعلاقة إستراتيجية أوسع مع إيران، وكان يحث الرئيس ريجان على الحوار مع طهران.[4] 
2 - المصالح المشتركة 
أ - الحرب العراقية الإيرانية (الدعم العسكري والاستخباري الإسرائيلي) 
كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدرك قيمة إسرائيل كثقل مهم ضد جيرانها العرب، ومن هنا كانت حرب صدام حسين ضد إيران مثالا لقمة التعاون الإسرائيلي الإيراني، حيث كانت إسرائيل مهتمة بهزيمة صدام حسين اهتماما كبيرا،[5] وكانت تخشى من أن انتصار العراق في هذه الحرب سيكون في صالح العرب – الذين كانوا يدعمون صدام حسين - ويضعف إسرائيل، حتى أن وزير الخارجية الإسرائيلي حينها إفرايم عفرون سعى لأن تقوم الولايات المتحدة بمد إيران بالأسلحة في أوج أزمة الرهائن. 
بعد أيام فقط من اندلاع الحرب، وفي 28 سبتمبر/أيلول 1980، عرض مردخاي تسيبوري نائب وزير الدفاع الإسرائيلي حينها مد يد العون إلى إيران، وبعدها بثلاثة أيام فقط حث موشيه ديان الولايات المتحدة على نسيان الماضي ومساعدة إيران دفاعيا ضد العراق. 
هذه الوعود لم تكن وعودا فارغة، بل إنها كانت مصحوبة بمساعدة حقيقية، حتى أن إسرائيل – حسب مسئولين إيرانيين سابقين - ساعدت إيران في محاولتها لضرب المفاعل النووي العراقي الذي كان ينشئه صدام حسين وقدمت دعما استخباريا لإيران لأداء هذه المهمة التي لم يكتب لها النجاح. 
كانت إسرائيل ترى أن أي مساعدة لإيران تخدم سياستها في تشتيت العرب، وأن استمرار الحرب العراقية الإيرانية يصرف العرب عن الاهتمام بالصراع العربي الإسرائيلي، ويوجه إنفاقهم المالي إلى العراق بعيدا عن الفلسطينيين.[6] 
في ذلك الوقت كان التسليح العراقي تسليحا حديثا متنوع المصادر (أميركية وروسية)، بينما كانت إيران في أمسِّ الحاجة إلى السلاح، ومن هنا كان اعتمادها الكبير على مساعدة إسرائيل التي لم تتأخر. 
وفي مطلع الثمانينيات أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن على نقل إطارات مقاتلات الفانتوم وأسلحة أميركية أخرى لإيران، وكرد للجميل سمح الخميني لأعداد كبيرة من اليهود الإيرانيين بالهجرة إلى الولايات المتحدة أو إسرائيل، كما تم تحرير الرهائن الأميركيين الذين كانوا تحت يد حزب الله التابع لإيران في لبنان فيما عرف لاحقا بفضيحة إيران كونترا. 
أصبحت إسرائيل – التي حققت مكاسب مالية كبيرة من هذه الصفقات - القناة التي من خلالها تنقل الأسلحة الأميركية إلى إيران، وظل هذا التعاون مستمرا رغم ما كان يصدر علنا من خطاب عدائي إيراني مكثف ضد إسرائيل، والمفارقة هنا أن المقولة الإيرانية "الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء" قد نشأت في هذه الأجواء في ظل التعاون بين البلدين.[7] 
ب - إضعاف الموقف العربي وتفتيت مظاهر الوحدة العربية 
حققت إيران وإسرائيل فوائد كثيرة من تفتت الموقف العربي، فقد استفادت إيران من حالة الضعف هذه بأن شكلت هلالا شيعيا في شمال الجزيرة العربية يصل من إيران إلى البحر المتوسط، كما أن دعمها للحوثيين كمليشيا تابعة لها في اليمن جعلها تحيط بالجزيرة العربية من الشمال والجنوب. 
يضاف إلى ذلك أن الحالة التي وصل إليها مجلس التعاون الخليجي وحصار قطر، أخرج إيران من تصدر قائمة المهددين لأمن قطر والكويت، في مقابل جعل إسرائيل تتطلع إلى فتح طريق لها يصل من إسرائيل إلى الخليج العربي عبر الأردن والسعودية والإمارات،[8] بعد أن أصبح تحالفها مع بعض دول الخليج رسميا. 
صحيح أن كلي الطرفين الإيراني والإسرائيلي – كما هو معلن – لا يريد الطرف الآخر على حدوده لمساسه بالأمن القومي لكل طرف، لكن الشاهد هنا أن الطرفين لعبا على تضارب المصالح بين الدول العربية، الذي يصل أحيانا لدرجة العداء، واستفادا من حالة الضعف العربي استفادة كبيرة. 
ج - إفشال ثورات الربيع العربي 
مثلت ثورات الربيع العربي مصدر قلق كبير بالنسبة للإسرائيليين، لكن الأمر كان مختلفا إلى حد ما بالنسبة لإيران التي كانت منحازة للثورة المصرية في أول الأمر، لأنها كانت تأمل أن تؤدي لتغيير أيديولوجية النظام الجديد بما يخدم المصالح الإيرانية، وكانت مواقف كبار الخطباء الإيرانيين على رأسهم علي خامنئي المرشد الأعلى تسير في هذا السياق.[9] 
هذا الموقف تغير لاحقا نتيجة للموقف المصري الذي كان يمثله الرئيس محمد مرسي في ذلك الوقت والذي ندد مرارا بالتدخل الإيراني في سوريا ودعا لخروجها منها. 
فإيران التي أيدت الثورة المصرية في أول الأمر كان لها شأن آخر في سوريا، حيث قدمت دعما غير محدود لنظام بشار الأسد لقمع الثورة في 2011. 
وفي 2013 بدأت دعما عسكريا بتأسيس قوات تعبئة رديفة لجيش النظام تحت مسمى "الدفاع الوطني" ولاحقا عملت على تكوين مليشيات محلية واستقدام أخرى من بلدان عديدة إلى جانب قواتها من الحرس الثوري حتى أصبح مجموع قواتها والمليشيات التي شكلتها أكثر من 100 ألف مقاتل.[10] 
كان غريبا أن رفض إسرائيل للتدخل الإيراني بدا باهتا، لقد كانت إسرائيل تفضل بشار الأسد على نجاح الثورة التي كان من أهدافها إقامة حياة ديمقراطية وما قد يؤدي إليه ذلك من تغيير إستراتيجي ونهضةٍ سوريَّةٍ محتملة وتعزيز لقدراتها في المنطقة وربما السعي لاحقا لتحرير الجولان الذي يدعي النظام السوري العمل على تحريره، لكنه في الحقيقة لا يفعل شيئا في هذا الشأن، بل إن التجربة أثبتت منعه لأي عمليات مقاومة تنطلق من سوريا عبر الجولان. 
من هنا اكتفت إسرائيل برفض ظاهري للتدخل الإيراني في سوريا في أول الأمر على الأقل، ولعل التدخل الروسي لاحقا في الساحة السورية عام 2015 كان من أهدافه سرعة إنقاذ نظام الأسد، وفي نفس الوقت كبح جماح إيران في سوريا. 
بالنسبة لإسرائيل كان تخوفها من الربيع العربي - خاصة في مصر وسوريا - يفوق التخوف الإيراني لأن هذه الثورات خلقت نقاط ضعف لها سمحت بإمكانية التأثير الإيراني خاصة على البيئة المجاورة لإسرائيل في لبنان وغزة.[11] 
لقد تكفلت إيران بمهمة قمع الثورة في سوريا وانضمت لها روسيا لاحقا، أما في مصر فقد نسقت إسرائيل مع محور الثورة المضادة في الخليج ومصر لخنق الثورة. 
د - إرهاق تركيا 
تمثل تركيا منذ صعود الرئيس رجب طيب أردوغان للحكم صداعا دائما بالنسبة لإسرائيل، فسياسات أنقرة في عهده غالبا ما تكون ضد المصالح الإسرائيلية سواء في شمال سوريا وما يتعلق بالأكراد، أو في دعمه المعنوي للقضية الفلسطينية عامة ولحماس بشكل خاص، أو في دعمه لحكومة فايز السراج في ليبيا، أو بسبب موقفه فيما يتعلق بغاز شرق المتوسط، وبسبب هذه المواقف استخدم المحللون الإسرائيليون الوصف الذي أطلقه برنارد لويس على تركيا بعد وصول أردوغان للحكم، إذ رأى لويس أن تركيا قد تتحول لتصبح إيران القادمة.[12] 
يبدو الأمر أكثر تعقيدا حين ننتقل لعلاقة إيران بتركيا، فمن ناحية تعد تركيا منفذا مهما تتمكن إيران عبره من التغلب على الحصار الاقتصادي الأميركي المفروض عليها، إذ تهدف طهران للوصول إلى عتبة 30 مليار دولار من صادراتها لتركيا من النفط والوقود والغاز الطبيعي. 
أما أنقرة فقد أدى سعيها لتعزيز المشاريع المشتركة وجذب الاستثمارات الإيرانية إلى تركيا بهدف تخفيف الضغط على الليرة (العملة المحلية)، إلى أن أصبح الإيرانيون في المرتبة الثانية على قائمة مشتري العقارات من الأجانب في تركيا. 
واحتلت الاستثمارات الإيرانية - نتيجة لهروب رأس المال الإيراني من إيران - في تركيا المرتبة الثالثة بعد ألمانيا وهولندا، لكن نتيجة للأزمة التي يمر بها الاقتصاد التركي فقد حدث انخفاض حاد في الصادرات الإيرانية لتركيا في عامي 2019، 2020، كما انخفض استيراد تركيا للغاز الإيراني بين مارس/آذار 2019، ومارس/آذار 2020  بنسبة 33% نتيجة لهجوم حزب العمال الكردستاني على خط أنابيب الغاز الطبيعي بين البلدين، وتأخر تركي في إصلاح الجزء المتضرر – في ظل استياء إيراني - واستعاضت عنه بالغاز المسال من قطر والولايات المتحدة. 
من ناحية أخرى فإن ما سبق من علاقات اقتصادية لا يخفي ما بين الدولتين من مصالح متضاربة في سوريا،[13] وأذربيجان، يضاف لذلك أن تركيا أصبحت تستحوذ على تعاطف واسع في الشارع العربي في مقابل تراجع إيران نتيجة وقوفها في صف الثورة المضادة لطموحات الشعوب العربية. 
ومنذ ثورات الربيع العربي في 2011 ازدادت الخلافات حول ما تعتبره كل من تركيا وإيران مناورة عدائية ضد بعضهما البعض في سوريا والعراق لما لهذين البلدين من أهمية إستراتيجية كبيرة لأنقرة وطهران. 
فكلا الطرفين ساعد في تقوية وكلائه المحليين في الموصل وتلعفر وحلب والرقة، وكلاهما يحاول السيطرة على ما ينتج عن ذلك من حطام، وتبدو المشكلة في الشكوك العميقة حول طموحات كل طرف للاستفادة من الفوضى الواقعة في المنطقة، وكثيرا ما يصل التوتر بين الطرفين إلى مستويات مرتفعة مثلما حدث حين قتلت طائرة إيرانية بدون طيار 4 جنود أتراك شمال سوريا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.[14] 
كما أن تركيا كثيرا ما تنزعج من أنشطة إيرانية مع الأكراد المناوئين لأنقرة وترى وجود تواطؤ بين إيران وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي المعادي لتركيا من أجل إقامة منطقة حكم ذاتي كردي في شمال سوريا على الحدود السورية التركية وهو ما يعد تهديدا مباشرا لأنقرة.[15] 
وبين الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بمحاولة إعادة الأمجاد القديمة، يرى الأتراك أن إيران تحاول إعادة الإمبراطورية الفارسية القديمة في أراض كانت مناطق نفوذ تركية في العصر العثماني.[16] 
صحيح أن البلدين لا ينظر أحدهما للآخر على أنه تهديد وجودي له، لكن ما بينهما من اختلافات اجتماعية وسياسية ودينية وعرقية وضعتهما في مواجهة بعضهما البعض. 
3 - متى بدأ العداء بين إيران وإسرائيل؟ 
أدت هزيمة العراق في حرب الخليج وإخراجها من الكويت إلى زوال العدو المشترك لإيران وإسرائيل، وتراجع التهديد العربي في ظل حالة التشتت التي مرت بها الدول العربية نتيجة لهذه الحرب.[17] 
كما أن هزيمة طالبان في أفغانستان التي كانت تمثل تهديدا كبيرا لإيران أيضا أدى لشعور بتعاظم القوة الإيرانية، وبالتالي قفزت إيران لتتصدر قائمة أعداء إسرائيل الأكثر تهديدا لها.[18] 
لكن إسرائيل بالغت في حجم التهديد الإيراني، فطبقا للمحلل الإسرائيلي إفرايم عنبر، فإن إسحاق رابين كان يدرك أن قبول العرب السلام مع إسرائيل مرتبط بجعلهم يشعرون أن الأيديولوجية الإيرانية المتشددة تمثل لهم تهديدا أكبر من التهديد النووي الإسرائيلي. 
ومن ثم فقد استخدمت إسرائيل إيران كفزاعة وروجت لهذا الأمر إقليميا وعالميا، بل إن إسرائيل في أوائل التسعينيات عرضت على دول الخليج الحماية ضد أي تهديدات إيرانية محتملة، وهذا يسلط الضوء على السبب الذي أدى لتحول إسرائيل من رؤيتها لإيران كصديق جيوإستراتيجي منذ الثورة الإسلامية وحتى نهاية الثمانينيات، إلى تهديد دولي مع مطلع التسعينيات.[19] 
تعمقت هذه الرؤية أكثر بالطبع مع سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، ليس بسبب قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي فحسب، بل لتخوف إسرائيل من أن يؤدي ذلك إلى أن تسعى الدول العربية هي الأخرى إلى امتلاك سلاح نووي من باب مواجهة التهديد الإيراني.[20] 
4 - المتنازع عليه ولعبة الشطرنج بين إيران وإسرائيل 
الصراع بين إيران وإسرائيل يشبه تماما رقعة الشطرنج بين لاعبين لا يريد أحدهما إنهاء اللعبة، فإذا وضعت إيران قدما في سوريا ولبنان، تضع إسرائيل قدمها في أذربيجان، وإذا دعمت إيران المقاومة في غزة، عقدت إسرائيل معاهدات السلام مع دول الخليج.. وهكذا. 
هكذا تبدو علاقة الدولتين كمن يستفيد بالآخر، فكلا الطرفين رابح من شكل هذه العلاقة والنتائج في صالحهما، تمزق عربي لصالح الطرفين، إفشال الربيع العربي وقمع الشعوب العربية بالتدخل الإيراني المكبوح في سوريا، والتعاون الإسرائيلي مع الثورة المضادة وداعميها في الخليج لإفشال الثورة في مصر، وفي اليمن بمشاركة إيران من خلال الحوثيين. 
أ - الوجود الإيراني في سوريا 
تشكل القوات الإيرانية عصب القتال الرئيس ضد قوات المعارضة السورية منذ منتصف 2013،[21] وهناك تقارير إسرائيلية بأن إيران تمكنت خلال سنوات وجودها في سوريا من نقل كميات كبيرة من الأجهزة العسكرية المطورة إلى سوريا، وأنها قامت بتشييد بنية تحتية لصناعات عسكرية تابعة لها في سوريا ولبنان لإنتاج صواريخ بعيدة المدى، إضافة إلى إنشاء ورش لتجميع الشحنات العسكرية القادمة من إيران وتفريغها، كما قامت ببناء مجمعات عسكرية إيرانية على الساحل شمال غربي سوريا تستخدم لتطوير صناعات الأسلحة وتخزين المواد العسكرية،[22] يضاف إلى ذلك تمكن إيران من بناء قواعد صواريخ تحت الأرض، ونشر صواريخ مثل زلزال وفاتح هناك. 
سكوت إسرائيل عن التدخل الإيراني في سوريا، أو بالأحرى رفضها الباهت، لم يكن يعني قبول إسرائيل بالوجود الإيراني على حدودها بما يشكل تهديدا لها، لكنها بدت وكأنها تأخذ بأقل الضررين، أي أنها فضلت ندا يعرف قواعد اللعبة بدلا من لاعب جديد مجهول قد يغير القواعد كلها. 
يدل على ذلك التنسيق الذي يتم بين روسيا وتل أبيب بما يضمن سلامة إسرائيل، فالتدخل الروسي في سوريا كان من أهدافه – كما ذكرنا من قبل – تقييد حركة إيران، يؤكد على ذلك تأكيد إسرائيل أنها راضية عن موقف روسيا إزاء الوجود العسكري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السورية.[23] 
صحيح أن الوجود الإيراني في سوريا يمثل تهديدا لإسرائيل، لكن ما لوحظ خلال السنوات الماضية أن إيران لم تقم بالرد على الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت قواعدها في سوريا، لكي لا يمكن لإسرائيل تحويل سوريا لجبهة ضدها، ولكي لا تقع إسرائيل في نفس الخطأ حين سمحت بأن يصبح لدى حزب الله ما يصل إلى 140 ألف صاروخ طبقا للواء الاحتياطي عاموس جلعاد،[24] ما يعني أن إسرائيل حتى اللحظة لم تكن على خطأ حين اختارت الرفض الأشبه بالسكوت. 
ب - قره باغ 
يعود الصراع بين أذربيجان وأرمينيا حينما منح ستالين حكم إقليم قره باغ (الذي كان تابعا للاتحاد السوفييتي حينها) ذي الأغلبية الأذرية للأرمن، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانفصال الدولتين قامت أرمينيا باحتلال الإقليم، ولم تكتف بذلك بل شقت طريقا بريا إليه باقتطاع أجزاء أخرى من أذربيجان، وتحول جزء كبير من الأراضي الأذرية إلى دولة أرمينية مستقلة على الصعيد الدولي، وأصبح حوالي مليون أذري لاجئين وأصبح الصراع دائما بين البلدين.[25] 
ولكي تكون الصورة أوضح فإن لهذا الصراع أبعادا مؤثرة على الوضع الإستراتيجي بين إيران وإسرائيل وحالة العداء بينهما، فإيران - المجاورة لأذربيجان - التي يتكون حوالي نصف سكانها من أقليات غير إيرانية (أذريون وأكراد وتركمان وعرب وبلوش) تعيش في المناطق الحدودية وتحافظ كل منها على علاقات وطيدة مع عائلاتها عبر الحدود في العراق وأفغانستان وباكستان وتركيا وأذربيجان،[26] تعد الأقلية الأذرية فيها أكبر الأقليات هناك (بين 14 إلى 16 مليون تقريبا).[27] 
ويعتقد الإيرانيون أن أذربيجان في الأصل كانت جزءا من إيران العظمى التي أسست على يد الصفويين من مئات السنين، بينما يرى الأذريون أن مستقبل إيران هو التفكك وأن تبتلع من قبل أذربيجان، ويزعم الأذريون أن الصفويين كانوا أتراكا وأن إيران تحولت إلى المذهب الشيعي بسبب حكامها الأذريين الأتراك، أي أن كل طرف يرى أنه سيسيطر يوما ما على الطرف الآخر ومن هذا المدخل كانت العلاقة القوية بين أذربيجان وإسرائيل.[28] 
بالنسبة لإسرائيل فإنها تولي اهتماما إستراتيجيا كبيرا لعلاقاتها مع أذربيجان، وبالمثل كانت أذربيجان مهتمة للغاية بإقامة علاقات قوية مع إسرائيل للحصول على الأسلحة المطورة، والدعم الاستخباري والسياسي الإسرائيلي. 
ومن ناحية أخرى فكون أذربيجان بلدا غنيا بمصادر الطاقة جعلها محط اهتمام إسرائيل للحصول على الطاقة، كما أنها مركز ضخم لنقل الطاقة لأوروبا والشرق الأوسط، يضاف إلى ذلك أن أذربيجان ساعدت إسرائيل من خلف الكواليس في دعم العلاقات مع دول الخليج وغيرها من الدول الإسلامية. 
وقد جرت لقاءات بين شخصيات إسرائيلية ومسئولين عرب كبار قبل سنوات من تحول علاقة بعض الدول العربية بإسرائيل لتصبح رسمية، ليس هذا فحسب، فنتيجة للعلاقات السيئة بين أذربيجان وإيران استفادت إسرائيل بإمكانية جمع المعلومات الاستخبارية عن إيران،[29] وعززت أذربيجان علاقتها بإسرائيل باستثناء الإسرائيليين (والأتراك بالطبع) من قرار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في 2010 بوقف استخراج التأشيرة الإلكترونية لمواطني الدول المختلفة الراغبين في زيارة أذربيجان ووجوب حصولهم عليها عبر القنصليات الأذربيجانية.[30] 
يؤكد الإسرائيليون على متانة العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان، وأن من أسباب تطور العلاقة بينهما أن إسرائيل كانت من بين أولى الدول التي اعترفت بسيادة أذربيجان، ونتيجة لذلك يحظى اليهود الذين يعيشون في أذربيجان بعلاقات ودية من قبل الدولة هناك، ونتيجة للأسباب السابقة كان من الطبعي أن تقدم إسرائيل تقنيات عسكرية إسرائيلية إلى أذربيجان.[31] 
وصلت العلاقات الإسرائيلية مع أذربيجان لذروتها منذ 4 سنوات عندما تم توقيع صفقة ضخمة لتصدير الأسلحة الإسرائيلية لأذربيجان، وفي الأيام الأخيرة من سبتمبر/أيلول 2020، تم توثيق حركة طائرات نقل بين البلدين، وسجل هبوط طائرة نقل أذرية وإقلاع أخرى من قاعدة عوفداه الإسرائيلية يوم 24 سبتمبر/أيلول 2020. 
ورغم ميل إسرائيل المعتاد إلى إخفاء صفقاتها العسكرية مع دول الشرق خاصة تلك التي تدخل في صراع مع جيرانها (كحالة أذربيجان مع أرمينيا) إلا أن الرئيس الأذربيجاني كان قد أعلن عن حجم الصفقة العسكرية مع إسرائيل في عام 2016 ما أثار الدهشة في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية. 
وتبلغ قيمة الأسلحة التي اشترتها أذربيجان من إسرائيل 5 مليارات دولار، ويبدو أن جزءا كبيرا منها أسلحة جوية وبرية، إلى جانب مئات الطائرات بدون طيار متقدمة. 
ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، فقد هاجم الأذريون في السنوات الأخيرة أهدافًا أرمينية في قره باغ باستخدام طائرات بدون طيار من نوع "هاروب" وهي طائرات انتحارية تحلق لمسافات طويلة في مجموعات وفي لحظاتها الأخيرة تستخدم كصواريخ. 
وقد احتجت أرمينيا لدى إسرائيل على بيعها أسلحة لأذربيجان ما رفع كفاءة الجيش الأذربيجاني إلى مستوى لا يمكن التعرف عليه في السنوات الأخيرة.[32] 
نتيجة لذلك استدعت أرمينيا سفيرها من إسرائيل يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وعبرت عن استيائها من مد أذربيجان بأسلحة متقدمة خاصة الطائرات بدون طيار، التي يستخدمها الجيش الأذري ضد القوات الأرمينية في إقليم قره باغ، فضلا عن دعمها الاستخباري ووجود الخبراء العسكريين الإسرائيليين في أذربيجان. 
وتحولت إسرائيل بذلك لتصبح رسميا طرفا في الصراع الطويل في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، إلا أنها بررت مساعدتها لأذربيجان بأن ما تفعله ليس تدخلا في الصراع بل هو بسبب اتفاقيات قديمة بين البلدين تسبق هذا الصراع، وأن إسرائيل ملزمة وفق هذه الاتفاقيات بعقود قانونية لا يمكن مخالفتها.[33] 
من المفارقات هنا أن العامل العرقي ربما يكون قد لعب دورا في انحياز الأطراف، فالإيرانيون والأرمن ينتمون لما يسمى بالجنس الآري، مقابل أن الأذريين فرع من القبائل التركية ويتحدثون بلهجة تركية وهو ما يفسر صلتهم الوثيقة بتركيا وامتداد صلتهم بالشرق الأوسط وإسرائيل بالطبع. 
ولعل هذا ما يفسر كيف أن دولة شيعية كإيران تدعم دولة مسيحية وهي أرمينيا ضد أذربيجان الشيعية أيضا، وكيف تدعم إسرائيل دولة شيعية (أرمينيا) ضد دولة شيعية أخرى (إيران). 
ما يزيد من حدة الصراع كذلك أن معظم المناطق الإيرانية الغنية تقع بالقرب من حدودها مع أذربيجان، أي أنها تحت التهديد الأذري والعكس أيضا صحيح.[34] 
ج - القضية الفلسطينية 
أدى دعم إيران لحزب الله وحماس في مواجهاتهما ضد إسرائيل إلى رفع مستوى التهديد الإيراني في تحليلات الإستراتيجيين الإسرائيليين، ولم يعد قادة إسرائيل ينظرون إلى عملية السلام على أنها السبب الأساسي في كبح جماح التأثير الإيراني في المنطقة، وأصبحوا يعتقدون أن وقف التأثير الإيراني هو المفتاح لحل نزاع إسرائيل مع جيرانها العرب.[35] 
الدعم الإيراني الكبير لحركات المقاومة الفلسطينية في غزة والذي طالما اعترفت به هذه الحركات يأتي في إطار سياسة الإرهاق والتهديد التي يمارسها كل طرف ضد الآخر، كما أنه بالنسبة لإيران مدخل للتأثير في العالم السني الذي فقدت كثيرا منه بموقفها من الثورة السورية ودعمها لجماعة الحوثي في اليمن. 
د - الدعم الإسرائيلي للأكراد 
يتوزع الوجود الكردي على 4 دول (تركيا، إيران، العراق وسوريا) لكن الوجود الكردي في كل دولة يختلف في أيديولوجياته وحساباته الجيوإستراتيجية. 
بالنسبة لإيران فإنها تعد موطن ثاني أكبر أقلية كردية في المنطقة بعد تركيا، وقد واجهت إيران حركات التمرد الكردية منذ فترة طويلة، وما يميز حركات التمرد الكردية في إيران أنها كانت أقل حدة من نظيرتها في تركيا، كما أنها كانت عابرة ومتقطعة. 
في أعقاب الثورة الإسلامية قام الحزب الديمقراطي الكردي (KDPI) بتمرد مسلح لكن تم قمعه في عام 1982، وواصل الحزب تمرده بشكل أقل حدة وانضمت إليه حركة كومالا الكردية حتى عام 1996 حيث ألقوا أسلحتهم، ثم ظهر حزب الحياة الحرة في كردستان (PJAK) واتبع قيادة حزب العمال الكردستاني وأيديولوجيته لكنه اختار وقف إطلاق النار في 2011 مع استمرار اشتباكات طفيفة ضد السلطات الإيرانية. 
وفي منتصف عام 2016 شهدت المنطقة الكردية في إيران تمردا طفيفا ربما بتحريض سعودي، مع احتمالية تلقيهم دعما طفيفا من أكراد شمال العراق.[36] 
أما بالنسبة لإسرائيل فإنها ومنذ خمسينيات القرن الماضي لم تنقطع علاقتها بالأكراد، خاصة في شمال العراق، ولطالما كانت علاقة الموساد بالقادة الأكراد موصولة طوال الوقت. 
كان التنسيق بين إيران وإسرائيل وأكراد العراق يجري على قدم وساق قبل الثورة الإسلامية في ستينيات القرن الماضي، وكانت إسرائيل تقوم بتدريب القوات الكردية المقاتلة، وتمدهم عسكريا بالأسلحة المطلوبة عبر إيران. 
لكن العلاقة بين إسرائيل والأكراد أصبحت متذبذبة بعد عام 1975 لأسباب مختلفة، بعضها يتعلق بتعهد إيران بوقف مساعدتها للمتمردين الأكراد، وبعضها يتعلق بحساسية المسألة الكردية لدى تركيا وهي الدولة المسلمة الوحيدة حينها التي كانت قد اعترفت بإسرائيل. 
لكن مع توتر العلاقات التركية الإسرائيلية في 2010 أصبحت إسرائيل تصرح رسميا وعلى لسان رئيس وزرائها بأن من حق الأكراد إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق وأن هذا يخدم المصلحة الإسرائيلية. 
لم يكن هذا مزعجا لتركيا فقط بل لإيران أيضا، ففي 2016 نشر 3 باحثين إيرانيين مقالا شاملا بعنوان "التواجد الإسرائيلي في كردستان العراق والتحديات الأمنية للأمن القومي الإيراني" كانت خلاصته أن الإستراتيجية الإسرائيلية تقوم على دعم الأقليات الإثنية في إيران من خلال كردستان العراق، وأنها بذلك تشكل تهديدا محتملا لإيران.[37] 
وفي يناير/كانون الثاني 2012، ذكرت صحيفة لوفيجارو أن عملاء استخبارات إسرائيليين يقومون بتدريب أكراد إيرانيين في قواعد سرية تقع في كردستان العراق. 
بعدها بعام كشفت صحيفة واشنطن بوست عن أن تركيا كشفت للمخابرات الإيرانية عن شبكة من الجواسيس الإسرائيليين يعملون في إيران بينهم 10 جواسيس أكراد، والواضح أن إسرائيل والمنظمات الكردية التي لازالت في حالة تمرد ضد سلطة الجمهورية الإسلامية تجمعهم المصلحة المشتركة في إضعاف النظام الإيراني ويتعاونون معا في سبيل ذلك.[38] 
صحيفة نيويوركر أشارت إلى أن واشنطن ومعها إسرائيل أعطيا بعض المجموعات الكردية قائمة بأهداف داخل إيران لزعزعة الاستقرار في الشمال والشرق، وإن كان المتحدثون باسم الحكومة الإسرائيلية ينكرون تورط إسرائيل في الأمر.[39] 
لم يكن هذا النفي يعني شيئا لإيران التي طالما أعلنت أن أطرافا دوليين، بينهم إسرائيل هم من يقفون خلف العمليات التي يشنها أحيانا مقاتلو حزب كردستان إيران (حوالي 2000 مقاتل) ضد الدولة الإيرانية.[40] 
5 - هل يريد الطرفان المواجهة؟ 
يعتقد الميجر جنرال جرشون هاكوهين أن المواجهة بين إسرائيل وإيران ستستمر في المستقبل المنظور لأسباب مختلفة ومتعمقة مع اهتمام إيران بالحفاظ على الوضع الحالي، ويرى هاكوهين "أن في إسرائيل وكذلك في إيران، حقيقة السلام والحرب موجودة في وقت واحد مما يسمح بالاستقرار". 
ويرى هاكوهين أن كون القدس في قلب اهتمام العالم الإسلامي، وكون إيران تدعم الحركات الإسلامية التي تقاوم إسرائيل (الحركات الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي) فإن ذلك يساعد على هيمنة إيران وتطلعاتها الإقليمية، وفي هذا السياق فإن إسرائيل تعرف أن المواجهة بينها وبين إيران تخدم الأخيرة وتساعدها لتحقيق مصالحها خاصة وإسرائيل تعلم أن الولايات المتحدة لا تخطط لإلحاق الأذى بإيران.[41] 
في سياق مشابه يقول العميد الاحتياطي يوسي كوبرفاسر (من مركز القدس للشؤون العامة والدولة) إن تكثيف الأنشطة الإيرانية ودعم مليشياتها في العراق وسوريا ولبنان ومناطق أخرى يهدف لتوجيه رسالة للأميركان بأننا نستطيع الرد عليكم وعلى حلفائكم، لذلك يجب أن نتوصل إلى اتفاق حول مشروعنا النووي الإيراني. 
إيران إذن لا تريد أي مواجهة كبيرة مع إسرائيل لأن هذا ليس جيدا لمصالحها، ولذلك فإنها تمارس أنشطتها بما لا يجرها لمواجهة شاملة مع إسرائيل،[42] وكذلك فإن الأخيرة بالمثل لا ترغب في أي مواجهة ضد إيران.[43] 
العلاقة بين إيران وإسرائيل كما يقول الصحفي الإسرائيلي آلوف بن تبدو في العلن كقطيعة كاملة، وتهديدات وإدانات متبادلة فقط، لكن في الغرف المغلقة تدور أحيانا مباحثات سرية بين ممثلين رسميين من البلدين.[44] أو كما وصفها مثنى عبد الله في مقاله في القدس العربي، وترجم للعبرية في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 15 سبتمبر 2019 هي صيغة من التعايش النفعي والتخادم الإستراتيجي بينهما.[45] 
الخاتمة 
العلاقة بين إيران وإسرائيل علاقة معقدة، يصعب تصنيفها في خانة العداء فقط، أو التعاون الخفي الدائم، فهي علاقة أنداد يلعب فيها كل طرف على تناقضات السياسة الإقليمية والدولية، فيستفيد كل منهما من الآخر وقت الحاجة، ويناور أحدهما الآخر أحيانا ليصبح قوة إقليمية ودولية كبيرة. 
وبين هذا وذاك بيئة عربية تعيش حالة اللاهوية والفراغ يسعى من خلالها أحد الطرفين لإعادة أمجاد الماضي الفارسي وعهد كورش في هيئة شيعية، بينما يبحث الآخر عن تحقيق موعود توراتي قديم ليقيم مملكة داود فيكون لعاملي التاريخ والدين دورهما في صناعة مستقبل البلدين.