الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران ليست هي المشكلة

إيران ليست هي المشكلة

11.06.2018
إبراهيم الزبيدي


العرب
الاحد 10/6/2018
من مئات السنين والعراق لا يخرج من احتلال فارسي إلا ليدخل في احتلال عثماني بديل، ولم يكن يرى فسحة من راحة النفس أو هدوء صليل السيوف إلا حين تنشغل العاصمتان الإيرانية والعثمانية بهمومهما حين يحتدم الصراع الداخلي فيهما على السلطة والقوة والمال.
ورغم أن الشاه رضا بهلوي لم يكن أقل طمعا بالعراق ممن جاء بعده، إلا أن بريطانيا، وهي سيدة المنطقة الأولى يومها، كانت تمنعه من المساس بدولتها العراقية، وتكبح جماح أطماعه القومية التي كانت تحدثه باحتلال العراق.
ويذكر التاريخ والوطنيون العراقيون الشيعة أنه فشل في تضليل الشيعة العرب العراقيين ولم يستطع جرّهم ليكونوا طابوره الخامس في العراق، رغم كل ما كان يصدّره لهم من جواسيس وقامات وسلاسل حديد.
ولكن المطامح الاحتلالية الفارسية لم تنتعش ولم تعد إلى سابق عهدها إلا يوم عاد الخميني إلى طهران، حاكما، في العام 1979، ليصبح (الجهاد) من أجل احتلال العراق مُعلنا دون تقية ولا نفاق.
ورغم أنه فشل في احتلال العراق بحرب دامت ثماني سنوات وكلفت البلدين والشعبين، معا، مئات الألوف من القتلى والمشوهين والمفقودين والأسرى، ومليارات الدولارات، ومن خراب البيوت والمساجد والحسينيات والمدارس والمستشفيات والموانئ والمطارات، إلا أنه جعل احتلال العراق هدف جمهوريته الإسلامية المقدس الذي لا حياة لدولته دونه، لكونه البوابة اللازمة لعبور جيوشه وميليشياته إلى ما وراء حدوده، وصولا إلى شواطئ البحر المتوسط والبحر الأحمر، تحت راية الإمبراطورية الفارسية العائدة بعد غياب طويل.
ثم حدث أن غزا الأميركان العراق فأهدوا نظام الخميني، بعلمهم أو بجهلهم، فرصة مواتية ليحقق، بالخديعة والتقية، ما عجز عن نوله بالحروب التقليدية المباشرة. ولا يشك اثنان في أن إحكام قبضته على العراق ساعد النظام الإيراني على الاستقواء في سوريا ولبنان، وعلى التمدد نحو اليمن وتهديد أمن دول الخليج العربي واستقرارها.
وهنا تأتي الفكرة التي تقوم عليها هذه المقالة. إن أغلب الكتاب والمحللين والسياسيين العراقيين والعرب، وحتى الأجانب، يعتقدون بأن خلاص المنطقة متوقف على خروج إيران من سوريا، لتخرج بعده من العراق، ثم تعجز، بعد ذلك عن العبث بأمن اليمن ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا والبحرين، وعندها، في رأيهم، يسود السلام، وتنصرف الحكومات والشعوب العربية والإيرانية إلى إرساء التفاهم والتعاون والانسجام، وتتفرغ لمشاريع الإعمار والتطوير والتحديث في جميع الميادين، بعد أن يكون قد اختفى تجار الطائفية والعنصرية والدين.
هذا أشبه ما يكون بـ”عشم إبليس في الجنة”، لأن المسألة أبعد من ذلك بكثير. فحتى لو خرجت إيران من سوريا والعراق واليمن، وسيحصل هذا عاجلا أم آجلا، فلن تتنفس المنطقة الصعداء، أبدا، لأنها ستجد نفسها أسيرة لطوابيرها الخامسة ووكلائها الذين تحركهم متى تشاء وكما تشاء.
ولنا في داعش أسوة غير حسنة. فقد هُزم عسكريا في شهور، ولكن أذنابه وأفراخه باقون يقتلون هنا ويحرقون هناك، ولا نهاية لشروره في زمن قريب.
لا أحد يجادل في أن إيران لم تدخل العراق بقوة جيوشها وشطارة قادتها العسكريين والسياسيين والاقتصاديين، بل دخلته على ظهور نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وعبدالعزيز الحكيم وهادي العامري وقيس الخزعلي، وبأنانية مسعود البارزاني وجلال الطالباني، وانتهازية السياسيين السنة الذين وافقوا على العمل تحت وصايتها وبقيادة أحد وكلائها.
وهي لم تدخل لبنان وتتربع على عرشه تأمر وتطاع لولا جيوش حسن نصرالله الذي يباهي بأن سلاحه وذخيرته وأكله وشربه ورواتب جنوده من إيران.
كما أن أقدامَ جنود حرسها الثوري وضباطه لم تجرؤ على أن تطأ تراب سوريا لولا بشار الأسد الذي قايض كرسيّه المهزوز بدماء الآلاف من أبناء شعبه، وبدمار المئات، وربما الآلاف، من مدن وقرى كانت آمنة ذات يوم.
وفي اليمن قام الحوثيون، وهم وكلاء علنيون لإيران، بتدمير الدولة اليمنية، وتمزيق وحدة شعبها، وتقتيل أبنائها، بأمر من الباب العالي في طهران.
فحين لا تكون العمالة للأجنبي محرمة، ولا يعاقِب عليها قانون، ويكافأ المدان بها بتنصيبه رئيسا للجمهورية، أو رئيسا للوزراء، أو وزيرا أو نائبا في البرلمان، فليس لأي دولة ولأي شعب أمنٌ وسلام.
وتعالوا نتصفح تاريخ المنطقة في قرنين من الزمان، وليس لقرون عديدة سابقة، لنجد أن النخب العميلة للأجنبي دائما كانت هي التي تجيء بالاستعمار والاحتلال، من أيام السلطان العثماني، ثم البريطاني والفرنسي والإيطالي والبرتغالي والإسباني والبلجيكي. ومازالت جاهزة ومتحفزة لتفتح أبواب عواصمها لأي غاز من أي نوع ما دام سيحمي مصالحها ومناصبها ورواتبها ومكاسبها، ويمنع جماهير شعبها الغاضب من المساس بأحد من فرسانها أو أولادهم وأحفادهم الذين سوف يرثونهم، بعد عمر طويل.