الرئيسة \  تقارير  \  إيران حقّقت "الاختراق النوويّ"؟

إيران حقّقت "الاختراق النوويّ"؟

20.06.2022
جورج عيسى


النهار العربي
جورج عيسى
الاحد 19-6-2022
ثمّة احتمال كبير في أن تكون إيران قد حقّقت "الاختراق النووي" أي جمعها ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي. في الأول من حزيران (يونيو) الحالي، ذكر "معهد العلوم والأمن الدولي" أنّ إيران اجتازت "عتبة جديدة" و"خطيرة" حيث وصل الجدول الزمني لتحقيقها "الاختراق النووي" إلى "الصفر". وأضاف أنّ لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة أو اليورانيوم العالي التخصيب للتأكد من أنها قادرة على صناعة متفجر نووي. ولو أرادت تخصيب نسبة الـ60 في المئة إلى نسبة عسكرية أي 90 في المئة فسيكون بإمكانها فعل ذلك في غضون أسابيع قليلة.
وأضاف المعهد أنّ إيران قادرة على جمع ما يكفي من المواد الانشطارية لصناعة خمسة أسلحة نووية في ستة أشهر. وأوضح أيضاً أنّها قادرة على اختبار متفجّر نووي تحت الأرض خلال ستة أشهر بشكل مؤكد، كما يمكنها نشر هذه الأسلحة على صواريخ بالستية خلال عام أو عامين على تحقيق "الاختراق". أعدّ التقرير ديفيد أولبرايت مؤسّس ورئيس المعهد، وهو أيضاً عالم فيزياء ومفتّش سابق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعاونته الباحثة في المعهد نفسه ساره بوخارد.
"إيران لا تأخذ أميركا على محمل الجد"
صدر تقرير المعهد قبل نحو أسبوع على قرار مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية توجيه لوم رسميّ إلى إيران بسبب عدم تعاونها مع المفتشين الأمميين بخصوص مواد نووية بشرية المنشأ عثر عليها في ثلاث منشآت غير مصرّح عنها. قرار اللوم الصادر بغالبية 30 صوتاً من أصل 35 يعدّ تحوّلاً نوعيّاً بالنسبة إلى إدارة تجنّبت (مع حلفائها الأوروبيين) فرض الضغط على إيران في كلّ اجتماعات المجلس الدورية خشية انهيار المحادثات النووية. لكنّ هذا التحوّل النوعيّ قد لا يدوم. حين سئل عن سياسة واشنطن تجاه إيران بعد خلافاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إنه "من وجهة نظرنا، يجب علينا أن ننظر إليها وفقاً لمسارات منفصلة".
تُذكّر هيئة التحرير في صحيفة "الوول ستريت جورنال" المراقبين بأنّ سوليفان حذّر في كانون الأول (ديسمبر) من أنّ الموعد النهائي لإعادة إحياء الاتفاق النووي سيأتي خلال أسابيع. وأضافت الصحيفة: "لا عجب في أنّ طهران لا تأخذ واشنطن على محمل الجدّ". في اليوم التالي على تصريح سوليفان، أعلنت إيران وقف 27 كاميرا للمراقبة عن أربع منشآت نووية والعمل على وضع المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة في منشأة فوردو. قد لا تكون الخطوة الإيرانية مرتبطة بكلام سوليفان، لكنّ الأكيد أنّ تصريح الأخير لم يدفع طهران للتفكير مرّتين قبل الإقدام على هذه الخطوة.
تقييم سوليفان في غير محلّه
في جميع الأحوال، لم توافق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا "معهد العلوم والأمن والدولي" على إمكانية فصل المسارات بحسب رؤية سوليفان. المدير العام للوكالة رافاييل غروسي توقع أن يوجّه إطفاء الكاميرات "ضربة قاضية" للاتفاق النووي. حتى قبل صدور قرار الوكالة، قال غروسي إنّه مع إخفاق إيران في التعاون مع الوكالة، سيكون "صعباً تخيّل" إنجاز تقدّم في تنفيذ الاتفاق النووي.
 وإذا كان المدافعون عن العودة إلى الاتفاق النووي سيسارعون إلى القول إنّه السبيل الوحيد لإطالة فترة "الاختراق"، يردّ معهد العلوم بأنّ إيران قادرة على إعادة جمع ما تفكّكه بسرعة مستنداً في تحليله إلى ما أثبتته الأحداث منذ سنة 2018 وحتى اليوم. في الواقع يمكن وضع نقطة بداية تسريع إيران برنامجها النووي في كانون الثاني (يناير) 2021 حين قرّرت زيادة نسبة التخصيب إلى 20 في المئة وهي النسبة التي كانت قد توصلت إليها قبل التوقيع على الاتفاق النووي. يؤكّد ذلك السرعة التي تتمكّن إيران من خلالها في تطوير تخصيب اليورانيوم وتخزينه.
ماذا عن نوايا إيران؟
في تعليق على تقرير "معهد الأمن والعلوم الدوليّ"، رأى الباحثون البارزون في مؤسسة "هريتدج" بيتر بروكس وجيمس فيليبس وغريس هرمانسون أنّ إيران هي الدولة الوحيدة التي طورت صواريخ يصل مداها إلى ألفي كيلومتر ولم يكن لديها أسلحة نووية. هذه الملاحظة مهمّة لأنّ كلفة بناء هكذا صواريخ تفوق الفائدة العسكرية لتسليحها برؤوس حربية تقليدية، خصوصاً إذا كانت تفتقد أجهزة توجيه دقيقة كما هي الحال مع الصواريخ الإيرانية. بالتالي، إنّ استثمار إيران الضخم في هكذا صواريخ لن يكون منطقياً جداً إلا إذا كانت النية في نهاية المطاف هي أن يتم تسليحها برؤوس نووية وفقاً لرأيهم.
 تطوّر آخر... وأعصاب هادئة
على الرغم من أنّ الأنظار لا تزال متوجّهة بشكل كبير إلى التطورات في أوكرانيا، يبقى شهر حزيران (يونيو) لافتاً على مستوى التقارير عن تطوّرات البرنامج النووي في إيران. منذ يومين، أشارت صحيفة "النيويورك تايمز" إلى أنّ الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية كانت تراقب طهران وهي تحفر شبكة أنفاق واسعة جنوب منشأة نطنز النووية، حيث تعتقد الاستخبارات أنّه أكبر جهد إيراني لبناء منشأة نووية جديدة تحت الجبال يمكنها تحمّل القنابل الخارقة للتحصينات والهجمات السيبيرانية.
 وقال مسؤولون في إدارة بايدن إنّهم كانوا يتبعون عملية بناء المنشأة الجديدة لأكثر من عام، لكنهم ليسوا قلقين بشكل خاص. فهي لا تزال بعيدة بمقدار سنوات عن الإنجاز وهم يشتبهون في أنّ هدفها المباشر هو استبدال منشأة لجمع أجهزة طرد مركزيّ فجّرتها إسرائيل في نيسان (أبريل) 2020.
 ليس مؤكّداً ما إذا كانت إيران تراقب التطوّرات المتعلّقة بالقدرات التخصيبية لإيران بالمقدار نفسه من هدوء الأعصاب الذي تتّسم به مراقبتها للمنشأة الجديدة. أن تكون إيران على بعد أسابيع من "الاخترق النوويّ" أو أن تكون قد اجتازت تلك العتبة فعلاً يفترض انتقال الإدارة من الرهان على إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة إلى العمل على رسم "خطة باء" للتعامل مع إيران. والدعوة إلى تلك الخطّة تقدّم بها مشرّعون من الكونغرس ومراقبون للشأن الإيراني من بينهم بروكس وفيليبس. لكن كما تقول "الوول ستريت جورنال"، بالنسبة إلى إدارة بايدن، العودة إلى الاتفاق النووي "حلم لا يموت".