الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران: ازدواجية معكوسة!

إيران: ازدواجية معكوسة!

29.05.2018
علي نون


المستقبل
الاثنين 28/5/2018
كأنه سباق استثنائي: مزدوج لكن باتجاه "هدف" واحد! وتراجعي إلى الخلف على العكس من البديهة التي تقول إن السباقات في جملتها و"طبيعتها" تجري إلى الأمام.
وحتى الآن (؟) لم تتّضح بعد النتائج الأولية لذلك السباق المزدوج، وأي مسار فيه يتقدّم الآخر: الضرب شبه اليومي لمواقع "النفوذ" الإيراني في سوريا عسكرياً، وفي العراق سياسياً (ومرجعياً)، وفي اليمن ميدانياً. أم عودة التظاهرات الداخلية المعبّرة عن فيضان التبرّم من تردّي أحوال العملة الوطنية وكل شأن تنموي حياتي معيشي ثقافي بعد أربعة عقود على قيام "الجمهورية" على أنقاض امبراطورية الشاه محمد رضا بهلوي!
أي بمعنى ما: إيران اعتمدت ازدواجية أيديولوجية رسمية، وراحت بعيداً في الاستثمار فيها والبناء على تبعاتها، وارتاحت في كل حال، إلى المردود الذي ادّعته طوال المرحلة الماضية، والذي سمح لها بالاستعراض الطاووسي بالنار والشعار والمزايدة وما شابه.. لكن هذه الازدواجية ذاتها، (وتكراراً) القائمة على اعتماد منطقين متناقضين هما "الثورة" الدائمة! و"الدولة" الملتبسة! أثمرت نتاجاً شوكياً في آخر المطاف، وعلقمياً طافح المرارة!
من ذلك الجنى يجيء "السباق" الراهن تحت سقف شديد الانخفاض: بين الانسحاب من الخارج قسراً وغصباً، والانهيار في الداخل قسراً وغصباً أيضاً.. والفرادة الكامشة بالمشهد الراهن هي أن صاحب الشأن الإيراني يجد نفسه للمرّة الأولى في تاريخ "الجمهورية الإسلامية" مضطراً لاعتماد ازدواجية مختلفة تماماً مفادها، أن تنقل وكالة "رويترز" بالأمس عن متحدث باسم السلطة القضائية "أن قوات الأمن ستواجه بحزم الاضطرابات (الداخلية) التي يمكن أن تستغلها أميركا" (كذا) في وقت يتابع كل مَن عليها المواقف الرسمية المتهاطلة من كبار المسؤولين في طهران، الرافضة للإجراءات والخطوات والمطالبات الأميركية، والمتوعّدة بالردّ على استراتيجية ضرب النفوذ الخارجي، والعمل "الدؤوب" على قصقصة أظافره الطويلة!
أي أن صاحب الشأن في طهران وجد نفسه في غرفة عملياته يقود حربَين دفعة واحدة! بعدما كان يقود من غرفة يقينياته سياستين متناقضتين دفعة واحدة! كأن صادراته رُدَّت إليه! وكأن ما أطعمه لغيره بدأ هو في تذوّقه! والوليمة الأمرّ هي تلك المنكّهة بالتوابل المحلية! حيث التظاهرات والاحتجاجات عادت لتزعزع يقينياته السلطوية! وتهدّد دوامها واستقرارها وادّعاءاتها! تماماً مثلما فعل وأراد أن يفعل من خلال تهديد استقرار دول ومجتمعات مجاورة، سوى أنه اعتمد على أدوات ميليشيوية مسلّحة ومؤطّرة ومنظّمة في الخارج، فيما يواجه في الداخل حراكاً مدنياً سلمياً.. حتى الآن؟!
أيام مفصلية تواجه إيران، وأخطر ما فيها أن التراجع الخارجي يبدو صنو التراجع الداخلي، وكأن فرصة القدرة على الفصل بين الشأنين، ضاعت لصالح منطق الازدواجية ذاته الذي لطالما كان عنوان الأداء الرسمي ولبّه وجوهره!