الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران: إلى العسكر دُر 

إيران: إلى العسكر دُر 

01.09.2020
مهند الحاج علي



المدن 
الاثنين 31/8/2020 
فيما ينشغل لبنان واللبنانيون بزيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت، ونتيجة الاستشارات النيابية يوم الاثنين، والحكومة أو اللاحكومة المنبثقة عنها، من الضروري بدء التفكير في التاريخ الأهم لمسار لبنان والمنطقة، أي الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما تعنيه للسياسة الإيرانية. 
ذلك أن في أوساط الإصلاحيين من يُحذر من استلام "الحرس الثوري" السلطة في ايران، وأخذ المواجهة مع الولايات المتحدة إلى مزيد من التصعيد، في حال فاز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولاية ثانية. صحيح أن هناك غايات سياسية محتملة وراء هذا التضخيم لتمدد الحرس وانعكاسات ذلك على أمن المنطقة وربما العالم. لكن هناك سياقاً ومؤشرات الى تبدل في توازنات النظام لمصلحة العسكري. 
في مقال لمجلة "فورين أفايرز" الأميركية تحت عنوان "الحرس الثوري على وشك السيطرة على إيران"، كتب خبيران إيرانيان هما علي رضا إشراقي وأمير حسين مهدوي أن المقولة السائدة في طهران اليوم هي أن النفوذ ينتقل في ايران من الرأس حيث العمامة، إلى القدمين حيث الجزمة العسكرية. والتركيبة الجديدة لمجلس الشورى في ايران، منذ انتخابات شباط (فبراير) الماضي، تعكس هذا التبدل الجديد. ثلثا المجلس إما أعضاء سابقون في الحرس أو على ارتباط حالي معه من خلال مؤسساته العديدة. محمد علي قاليباف، وهو قائد سابق في "الحرس" استلم منصب رئيس مجلس الشورى. 
يرسم هذا المقال الأميركي صورة قاتمة لتمدد الحرس باتجاه المؤسسات المنتخبة في النظام الإيراني (في موازاة المؤسسات غير المنتخبة الخاضعة مباشرة لولاية الفقيه). لكن الإصلاحيين المعارضين لهذا التمدد يربطون بينه من جهة، وبين صعود الرئيس ترامب وسياساته وعلى رأسها الاتفاق النووي الإيراني والعقوبات ضمن حملة الضغوط القصوى من جهة ثانية. الإصلاحيون وحلفاؤهم في واشنطن وعواصم أوروبية، يُصورون الوضع في ايران، وعسكرته، بصفته خطراً داهماً يُهدد أمن المنطقة وقد يخرج عن السيطرة، مع التركيز على مسؤولية ترامب في ما آلت اليه الأمور. عملياً، يحسم هؤلاء الإيرانيون في الخارج، أن فوزاً ثانياً لترامب يعني فوزاً لمرشح "الحرس الثوري" في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2021. 
لكن هذا الاستنتاج يقوم على فرضية أن بايدن سينتهج سياسة أوباما في ايران دون أي تغيير. المؤشرات في واشنطن مختلفة، ذاك أن هناك في أوساط المرشح الديموقراطي من يرى أن المطلوب أخذ إيجابيات وسلبيات الادارتين في سياستهما الإيرانية. وهذا يعني أن بايدن سيطلب التفاوض قبل العودة للاتفاق، ولن يسلم أوراقه فور الفوز بالانتخابات. في نقاشات مراكز الأبحاث (القريبة من الديموقراطيين)، تبرز طروحات مثل رفع خُمُس عقوبات ترامب مقابل التفاوض بشأن برنامج الصواريخ الإيراني، ودور طهران وحلفائها في المنطقة. 
لا بد أن مثل هذه الشروط ستُواجه رفضاً ايرانياً، وقد تؤدي إلى المزيد من التصعيد والجمود والأهم من ذلك، الخيبة التي بإمكان المحافظين استثمارها في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. سياسة بايدن ستكون أكثر حذراً من أوباما، وقد تخلط الأوراق مجدداً. بيد أن الولايات المتحدة لا ترفع العقوبات بهذه السهولة، وتُحاول استثمارها في تنازلات سياسية، كما يحصل في السودان حيث ما زالت عقوبات من زمن الرئيس المخلوع عمر البشير قائمة، وتُستخدم من أجل دفع الخرطوم إلى التطبيع  مع إسرائيل. 
المهم أن انعكاسات الانتخابات الأميركية والسياسات الناجمة عنها، على الداخل إيراني خلال الشهور المقبلة، ستتسرب الينا هنا بوصفنا ساحة من الصنف الأول. 
ذلك أن لدى "الحرس"، وتحديداً الجيل الجديد فيه من القادة، اتجاهاً أكثر راديكالية في مواجهة الولايات المتحدة إما عسكرياً من خلال الوكلاء على الأرض، أو عبر تعزيز أواصر العلاقة مع الشرق، كما يحصل في الاتفاقية الإيرانية-الصينية. وهذه الاتفاقية تنص في أحد بنودها المُسربة على دعم "تعدد الأقطاب" في النظام الدولي، بما يجعل ايران لاعباً رئيسياً في المنطقة مع التراجع المستمر للولايات المتحدة فيها. 
تبقى مشكلة لبنان في ارتفاع احتمالات استخدامه عسكرياً لبعث رسائل إلى إسرائيل والولايات المتحدة، في ظل محاولة ايران تحديد موقعها في المنطقة. عملياً، سيكون البلد مُعلقاً في أزماته بين موسمي انتخابات أميركي وايراني.