الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إنتصارات إيران المقدسة

إنتصارات إيران المقدسة

13.01.2020
وجيه قانصو



المدن
الاحد 12/1/2020
من المؤكد أن الجولة الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة غيرت قواعد الاشتباك بينهما لصالح الطرف الأمريكي، الذي لم يضطر إلى خوض معارك أو جولات كثيرة ليخرج منتصراً، أو استعمال تقنية فائقة، أو استعراض كامل قوته لتحقيق ذلك،  بل لم يكن بحاجة إلى تهويل كلامي مبالغ به وتهديد ووعيد مثلما فعل ويفعل الطرف الإيراني باستمرار، بل اكتفى بضربة سريعة وخاطفة (قتل سليماني) ذات دلالة مكثفة، أظهرت حقيقة موازين القوى، وبينت الفرق الهائل في كفاءة وذكاء الآلة العسكرية التكنولجي بين الطرفين، ورسمت خطوطاً حمراً جديدة على الطرف الإيراني ضيقت عليه هامش مناورته وأفقدته الكثير من الرهانات وأوراق المواجهة التي بذل لأجلها الكثير من المال والجهد التعبوي والأيديولوجي.
جاء مقتل سليماني ليقول أن الولايات المتحدة لن تُفرِّق بعد الآن بين الأصيل والوكيل، وكل ما يصدر عن فصائل الوكيل (الحشد، حزب الله، الحوثيون...) ضدها يتحمل مسؤوليته الأصيل (إيران).  هذه الفصائل، رغم تشبثها بعناوين وطنية وصفة تمثيلية لاكتساب مشروعية سياسية داخل بلادها، فإنها لم تتوقف عن إثبات تبعيتها الكاملة للحرس الثوري وائتمارها بأوامره، ما ينفي عنها صفة المستقل أو الوكيل، ويؤكد اللحمة العضوية بينها وبين النظام الإيراني، ليس فقط في تكوينها الأيديولوجي وتطلعها السياسي، وإنما في بنيتها التنظيمية ومرجعية قرارها وحصرية ولائها.
التزم الطرف الإيراني حرفياً بمفاد الرسالة الأمريكية بطريقتين: أنه منع من جهة وكلاءه العراقيين واللبنانيين من الرد خوفاً من خطوات متهورة وغير محسوبة، ومنعاً من خروج الأمور عن السيطرة، تضع إيران أمام مغبة الرد الأمريكي المدمر ضدها، والذي يعرضها لشلل داخلي كامل. وأنه نفَّذ من جهة أخرى، بعد إعلام الطرف الأمريكي مسبقاً باتخاذ كامل احتياطاته، ضربة شكلية ضده تحفظ ماء وجهه، وسارع أثناء أو بعد إطلاق صواريخه، إلى الإعلان عبر وزيره الخارجية جواد ظريف، أن إيران نفذت رداً متناسباً مع حجم مقتل سليماني، وأن مشهد المواجهة العسكرية قد انتهى وملف الانتقام لسليماني قد أقفل.
أما الداخل العراقي، وبعد توصيات مجلس النواب العراقي بخروج القوات الأمريكية التي كان واضحاً فيها قوة الإملاء والضغط الإيرانيين، فإن الليونة الأمريكية السابقة بالإنسحاب من العراق، تحولت إلى تشدد وإصرار أمريكي على البقاء العسكري وحتى السياسي فيه، بخاصة وأن هذا الخروج يفرض على العراق دفع فاتورة كلفة مساعدة الأمريكيين للجيش العراقي في القضاء على داعش، إضافة إلى دفع الديون المتوجبة عليه لدولة الكويت جراء احتلال صدام لها. وهي ديون تضع الدولة العراقية في حالة إفلاس شبه كامل لسنوات طويلة.  هذا إضافة إلى ظهور الأمريكيين بمظهر المدافع عن الأقلية السنية والكردية، التي لم تعد تكتم قلقها وخوفها من فساد وتمذهب المكون السياسي الشيعي ومن تضخم النفوذ الإيراني داخل العراق، ما يشي بوفرة أوراق المساومة والضغط وعناصر القوة التي يملكها الأمريكيون فيه، وأنه (العراق) بات ساحة مواجهة معنوية لهم ويحظى بأهمية استراتيجية لوجودهم في المنطقة.
صار مشهد المواجهة ماضياً، لكن تبعات المشهد وتداعياته باقية ومكلفة معنوياً ومادياً للطرف الإيراني.  فإيران التي تجهزت للتعويض عن هزيمة حرب الخليج الأولى، وغسل عار العجز عن الإنتقام للطائرة الإيرانية التي أسقطها الأمريكيون حينها، إذا بها بعد ثلاثين عاماً، ورغم جسامة إنفاقها العسكري وضخامة ترسانتها الصاروخية وكثافة حملاتها الدينية والإنفاق السخي على أذرعها العسكرية في الخارج، والإستعراض الإعلامي الصاخب لقدراتها المدمرة،  إذا بها، رغم كل ذلك تخرج منهزمة بسرعة قياسية عند أول مواجهة فعلية ضد عدوها الأمريكي، وتكشف عن هشاشة أمام قدراته، وأبانت عن خلل وعطب في إيقاع ودقة آلتها العسكرية، كان إسقاط الطائرة الأوكرانية أحد مؤشراتهما.
حين يُزج بالمقدس في كل حدث سياسي أو عسكري، ويتم تصوير إرادة القادة السياسيين والعسكريين على أنها تجليات لإرادة الله، فإن في ذلك مسعى لتعميم وعي مهلوس منفصم عن إدراك ودراية وإدارة الواقع الفعلي، وجهد منسق الإيقاع لترسيخ سلطة تُمجَّد وتُعَظَّم في حالات تخبطها وأسوأ لحظات أدائها بدلا من أن تُحاسَب وتُسائَل.