الرئيسة \  تقارير  \  إلغاء مقام الإفتاء في سوريا: الخطوة الأخطر نحو تغيير العناوين المعبرة عن الهوية

إلغاء مقام الإفتاء في سوريا: الخطوة الأخطر نحو تغيير العناوين المعبرة عن الهوية

18.11.2021
هبة محمد


القدس العربي
الاربعاء 17/11/2021
دمشق – “القدس العربي” : أثار مرسوم رئيس النظام السوري بشار الأسد التشريعي القاضي بإلغاء مقام مفتي الجمهورية السنيّ، وإسناد أمر الفتوى إلى المجلس الفقهي الأعلى في وزارة الاوقاف وتعزيز دوره وتوسيع صلاحياته، انتقادات لاذعة من السوريين لما يحمل من خطورة بسبب التعديلات التي أنهت مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا، وألغت مقام الإفتاء عبر إزالة عضوية “مفتي الجمهورية” من المجلس، مع توكيل هذا المجلس الذي يضم سبعة أعضاء من المراجع الشيعية، بإدارة المهام التي كانت موكلة للمفتي سابقاً.
ونصّ المرسوم على إجراء تعديلات تتعلّق بفقرات ومواد المرسوم 31 لعام 2018 “الناظم لعمل وزارة الأوقاف” والذي أُعلن فيه عن استحداث “المجلس العلمي الفقهي” وحدّد القائمين عليه، ودوره وصلاحياته، كما ألغى فصلاً من المرسوم السابق يتعلق بـ”تسمية مفتي الجمهورية وتحديد مهامه واختصاصاته بمرسوم بناء على اقتراح الوزير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد”. وأشعل إلغاء مقام الإفتاء في سوريا، موجة انتقادات وغضب عارمة، حيث رأى الكثيرون أن إلغاء منصب المفتي العام يستهدف المسلمين السنة بالدرجة الأولى، والمجتمع السوري بشكل عام، كما أن الغرض الأبعد هو تقزيم حضور الغالبية السنية في سوريا إلى حدود عضوية في مجلس طائفي.
 
خطورة الإلغاء
 
وحول خطورة إلغاء منصب المفتي العام لسوريا، قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري الشيخ مطيع البطين “ليس المهم الآن أحمد حسون، وهل لعب الدور أم لعبوا به ودارت عليه الدوائر. لكنّ المهم وبالخط العريض أن نقرأ الحقيقة التي يتضمنّها إلغاء مقام الإفتاء في سوريا”. واعتبر البطين في تصريح لـ “القدس العربي” أن إلغاء منصب الإفتاء هو “الخطوة الأخطر سيراً بسوريا نحو مخطط الولي الفقيه، وهو مضيّ في تغيير العناوين المعبرة عن هوية سوريا وانتمائها. إنه بمنتهى الوضوح استمرار في إضعاف المسلمين السّنّة وتحويلهم إلى أقليّة مهمّشة ضعيفة الحضور في المشاهد والمواقع كافة”.
 
“الغرض الأبعد هو تقزيم حضور الغالبية إلى حدود عضوية في مجلس طائفي”
 
وينص المرسوم القاضي بتشكيل المجلس الفقهي التابع لوزارة الأوقاف على إعطاء الصلاحية للوزير في إدخال عناصر سورية أو من جنسيات أخرى للمجلس وهو ما يسمح وفق البطين “للإيرانيين بدخول المؤسسة، وهذا استهداف للمكون السني في سوريا، خاصة أن عدد الشيعة في سوريا نسبتهم قليلة جداً”. مشيراً إلى أن “إلغاء المنصب له بعد رمزي، ومرتبط بخطة سابقة عملت على تغيير التركيبة السكانية، وتهجير المسلمين على أساس طائفي، وبناء سوريا المتجانسة التي تحدث عنها بشار الأسد”. كما تكمن الخطورة حسب البطين في أن “المرسوم يشمل الحديث عن إدخال القاضي الشرعي إلى المجلس، وهذا له اتصال بقانون الأحوال الشخصية”. وقال “إنّ إلغاء منصب الإفتاء في سوريا ليس عدواناً على المسلمين وعلى السّنّة في سوريا فقط، فهذا تبسيط وتهوين كبير لهذا الإلغاء، إنّه تمهيد لرؤية عمائم الولي الفقيه تعتلي منبر عمر بن عبد العزيز في مسجد بني أميّة الكبير في دمشق عاصمة أكبر حضارات الإسلام وأوسعها امتداداً، ولذلك فإنّ هذا العدوان يستهدف المسلمين والعرب جميعاً بدينهم وثقافتهم وتاريخهم ومستقبلهم”.
وحول ما إذا كان المجلس الإسلامي سيقدم على خطوة تسمية مفتي عام للبلاد، لتعويض إلغاء منصب الإفتاء في سوريا قال مطيع البطين لـ “القدس العربي”: سنبحث الأمر بشكل دقيق، وأضاف “سيكون للمجلس قرار يتخذه بهذا الشأن بعد بحث، وثم سيصدر عن المجلس بيان لما يراه مناسباً بهذا الخصوص”. ويقضي المرسوم الذي أصدره رأس النظام السوري، أمس بتعزيز دور المجلس العلمي الفقهي وتوسيع صلاحياته، عبر “تشكيل مجلس في الوزارة على النحو الآتي: الوزير رئيساً، تسمية عضوين بمنصب معاون الوزير، وعضو بمنصب رئيس اتحاد علماء بلاد الشام، وقاضي الشرع الأول في دمشق، وثلاثون عالماً من كبار العلماء في سوريا ممثلين عن المذاهب كافة، وممثل عن الأئمة الشباب، وخمس من عالمات القرآن الكريم، وممثل عن جامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية، ومُمثِّلان اثنان عن كليَّات الشريعة في الجامعات الحكومية”.
وفي المادة 2- تضاف إلى مهام المجلس العلمي الفقهي الواردة جملة من المهام، أولها تحديد مواعيد بدايات ونهايات الأشهر القمرية والتماس الأهلة وإثباتها وإعلان ما يترتب على ذلك من أحكام فقهية متصلة بالعبادات والشعائر الدينية الإسلامية. وإصدار الفتاوى المسندة بالأدلة الفقهية الإسلامية المعتمدة على الفقه الإسلامي بمذاهبه كافة، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها.
 
ثلث أعضاء المجلس شيعة
 
وتعقيباً قال المحامي السوري عبد الناصر حوشان إن المفتي السابق أحمد حسون، أسقط مع سقوطه، مقام المفتي “الديار الشامية السنية” الذي يُفترض به الاستقلالية وعدم الخضوع لأي سلطة إلا للشريعة الإسلامية. وأسند أمر الفتوى إلى المجلس الفقهي الأعلى في وزارة الاوقاف والذي يضم سبعة أعضاء من المرجعيات الشيعية العشر التي تدين بالولاء لإيران”.
وتابع حوشان متحدثاً عما وصفه بـ “خطورة إلغاء مقام مفتي الجمهورية” حيث تكمن بأنه لم يعد هناك مفتي “السنة والجماعة” في سوريا، كما تم إلحاق مهمة الفتوى للمجلس الفقهي في وزارة الأوقاف، مما يجعل الفتوى من أعمال السلطة التنفيذية وبالتالي خرجت عن استقلالية مقام الإفتاء واستقلال المفتي وهما شرطان شرعيان أساسيان لسلامة الفتوى ومصداقيتها، كما أن المجلس الفقهي يضم ممثلين عن مرجعيات شيعية تتبع إيران ويشكلون ثلث أعضاء المجلس وتدين بالإمامة كأصل من أصول العقيدة يكفر من لا يعترف بها، ويكفِّرون الصحابة، ويتعبّدون بلعنهم وشتمهم، كما ورد في تعديل النص التالي “إصدار الفتاوى المسندة بالأدلة الفقهية الإسلامية المعتمدة على الفقه الإسلامي بمذاهبه كافة، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها” . وتكمن الطامة الكبرى في هذا النص حينما اشترط إصدار الفتاوى على “المذاهب كافة” وكافة تعني ضمناً المذهب الشيعي والمرجعيات الشيعية المرتبطة بها في سوريا، كما أصبح الشيعة سواء كانوا مجنسين او حجاجاً أو غيرهم شركاء أهل السنة في إدارة أملاك الوقف والانتفاع بها واستثمارها وشرائها وهذا ايضاً تكريس لجريمة التغيير الديموغرافي”.
وعقب المعارض السوري محمد خير موسى على مرسوم إلغاء منصب الإفتاء في سوريا وكتب “شمت كثيرون بإقالة بشّار الأسد لأحمد حسون من منصب الإفتاء وتعاملوا مع الخبر بسخرية وشماتة، لكنهم لم ينتبهوا أنّهم وقعوا في عين ما أراده النّظام وهو الانشغال بصورة المشهد الظّاهرة وهي إقالة أحمد حسون عن حقيقة القرار. المرسوم في حقيقته ليس إقالةً لأحمد حسون بل إنّ إنهاء عمل أحمد حسون هو لازم من لوازمه، فالمرسوم لم ينص على إقالة حسون ولا إنهاء تكليفه”.
وأضاف “المرسوم ينص على إلغاء منصب الإفتاء في سوريا بما في ذلك منصب المفتي العام للجمهوريّة ومفتي المحافظة والمدينة، فسوريا بعد اليوم ليسَ فيها مفتٍ عام ولا في المحافظات مفتون. لا بدّ من التفريق بين إلغاء منصب المفتي العام وبين إقالة المفتي المنافق المنحرف، فهذه تبعث على الشماتة نعم؛ أما إلغاء منصب المفتي العام فتستدعي التوقّف مليًّا، كما أن المرسوم ينصّ على أن يتولّى المجلس الفقهي مهام الإفتاء في سوريا، وهذا يعني أنّها المرة الأولى في تاريخ سوريا منذ أن دخلها الإسلام يمارس فيها ممثلون لطوائف غير مسلمة وأخرى من غير أهل السنّة مهمة الإفتاء الرسميّ فيها، فمهمة الإفتاء بناء على المرسوم الجديد يشارك فيها ممثلون عن الشيعة الإماميّة، والعلويّة النصيريّة، والدّروز، والإسماعيليّة؛ فهل وصلت الرّسالة”.
كما عقب الباحث السياسي محمد منير الفقير بالقول “ليست إقالة المفتي مجرد انقلاب عليه، وليس إلغاء منصب المفتي مجرد إجراء بيروقراطي ، القصة يجب أن توضع في سياقها الزماني وهو اكتمال فصول تأميم المشيخة السنية وصولا إلى هضمها ضمن خليط طائفي هو المجلس الفقهي والذي لا يسمح ( لايسمح النظام لنفسه ولا يسمح له) في المقابل بهضم أي من مكوناته الطائفية، أما السياق المكاني فتهجير أكثر من نصف سنة سوريا وإصدار القوانين والمراسيم لمصادرة ملكياتهم وتجريدهم من حقوقهم بعد تدمير حواضرهم وصولا إلى تفكيك أطرهم الاجتماعية (حتى ولو كانت شكلية في هذه المرحلة) عبر التأميم المطلق والمبرم ، عملية ابتدأها الأسد الأب بإلغاء منصب نقيب السادة الأشراف مطلع السبعينيات ولن يختتمها الأسد الإبن بإلغاء منصب المفتي بل ربما ينتهي الأمر بإلغاء منصب القاضي الشرعي كما أشار إلى ذالك أستاذنا محمد مجير الخطيب الحسني حيث تم ابتداءا تضمين مجموعة من مهامه ضمن مهام المجلس الفقهي التابع لوزارة الأوقاف”.
واعتبر الفقير أن “منصب المفتي هو منصب اجتماعي وحكومي في نفس الوقت ومرسوم البارحة يلغيه حكوميا واجتماعياً، مبدئيا لا مشكلة بالإلغاء الحكومي وإنما بالإلغاء الاجتماعي للمنصب، أتحدى بشار الأسد أن يلغي مثلا منصب شيخ عقل الموحدين الدروز الذي هو منصب اجتماعي غير حكومي”.