الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعلانُ الحرب على العرب.. بتهذيبٍ ولَياقة

إعلانُ الحرب على العرب.. بتهذيبٍ ولَياقة

27.07.2015
وائل مرزا



المدينة
الاحد 26/7/2015
إعلانُ الحرب على العرب.. بتهذيبٍ ولَياقة ثمة مقولتان تفيدان في فهم العقلية السياسية الأمريكية يجب أخذهما بعين الاعتبار على الدوام. تُنسبُ الأولى للسياسي الداهية (أوتو فون بسمارك)، يقول فيها مخاطباً رجل السياسة بشكلٍ عام: "كن مهذباً، واكتب بشكلٍ دبلوماسي. حتى في حالة إعلانك للحرب ينبغي للمرء أن يأخذ بعين الاعتبار أصول اللياقة والتهذيب"!
قد يُجادل البعض قائلاً إن السياسة الأمريكية كثيراً ماتكون أقرب إلى الوقاحة الفجة، وليس لها بالتهذيب علاقة من قريبٍ أو بعيد. لكن شيئاً من التحليل يُظهر حقيقة مانتحدث عنه. فرغم الوقاحة المذكورة الجلية في السياسات نفسِها، يَحرص ساسة أمريكا، خاصة مع من يُفترض أن يكونوا حُلفاءهم، على استخدام الكلام المعسول، والتأكيد على ادعاءات الصداقة الاستراتيجية وتقديم الوعود الفارغة في كل مناسبة.
هل يمكن اعتبار العلاقة الاستراتيجية بين أمريكا وإيران، والتي تسير قُدُماً تحت مُسمىً مُخادع هو "الاتفاق النووي"، نوعاً من إعلان الحرب على العرب؟ قلائلُ مَن يُجادلون في الإجابة بـ(نعم) على هذا السؤال .
وفضلاً عن مُعطيات الموضوع الواضحة للمراقب، فقد كُتِبَ فيها وقِيل عنها تفصيلٌ في الإعلام العربي إلى درجةٍ لم يعد فيها مجالٌ لمزيدٍ من التوضيح والإضافة. بل إن (الوقاحة) في هذه المسألة تحديداً تبلغ قمةً غير مسبوقة.
فأمريكا التي تعلمُ حجم وطريقة التدخلات الإيرانية في المنطقة، وباستخدام منظمات إرهابية رسمية وشبه رسمية، لتخلق أمراً واقعاً جديداً هنا وهناك، يرمي في النهاية إلى تحطيم الدول والمجتمعات العربية ؛ هي أمريكا التي تفتح أبواب العالم أمام إيران لتزيد من قدراتها المالية والعسكرية (التقليدية) على تنفيذ تلك العملية. وهي، نفسُها، أمريكا التي تؤكد لحلفائها ليلَ نهار أنها لن تسمح لإيران بأي تدخلٍ عسكريٍ خارجي يهدد أمن الحلفاء واستقرار مجتمعاتهم ودولهم!
هذا هو تحديداً إعلانُ الحرب، بتهذيبٍ ودبلوماسية، وبطريقةٍ تجعل (بسمارك) يتقلب في قبره انبهاراً من قدرة البعض على تنفيذ وصيته بشكلٍ لم يخطر له في بال.
أما المقولة الأخرى المفيدة في فهم العقلية السياسية الأمريكية فتعود للرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغن، قال فيها: "السياسة ليست مهنةً سيئة. إذا نجحتَ فهناك منافع وجوائزُ عديدة بانتظارك. أما إذا فشلت بشكلٍ مُخزٍ فبإمكانك دائماً أن تكتبَ كتاباً"!..
لاصوابَ في عملية التعميم، لا في أمريكا ولا في غيرها. لكن السائد في الثقافة والساحة السياسية في أمريكا أن يأخذ السياسي قراراتٍ تؤثر في مصالح الدول والمجتمعات، لأسباب تغلبُ عليها المصالح الشخصية والفئوية، وأحياناً الإيديولوجية، بمعزلٍ كامل عن حساب مصلحة الدول والمجتمعات المذكورة، وبغض النظر عن حجم الكوارث والأضرار التي ستواجهها. يفعل السياسي هذا ببساطة، لأنه يعلم أنه سيعود في نهاية المطاف، مُتقاعداً، إلى دارتهِ الواسعة في تلةٍ جميلة أو على ساحل البحر، مع مزيدٍ من المنافع المادية التي سيجنيها من (محاضراته) التي سيلقيها هنا وهناك، ثم (كتابه) الذي سيكتبه عن تجربته.. وفي جميع الأحوال، لن يتذكر جمهورُهُ المُستهدَف أسماء الدول والمجتمعات تلك، ولن يعلم شيئاً عما أصابها من كوارث، وعن نصيب السياسي العتيد في حصولها..
لهذا، يعرف العارفون أن كثيراً من الكلام الذي يسمعه العرب من المسؤولين الأمريكان، حين يكونون في مواقعهم الرسمية، هو (بَيعُ كلام) وهو (لزوم الصنعة) . ومن الخطأ أخذهُ بجدية، بغض النظر عن مُقتضيات الدبلوماسية بطبيعة الحال، من الابتسامات إلى الزيارات مروراً بالتصريحات والمُصافحات..
ماالعمل في مواجهة هذا الواقع؟ قيل كثيراً في إجابة هذا السؤال، لكنَّ عبارتين من تراثنا يمكن أن توحيا بالكثير: "لايُلدغُ المؤمن من جُحرٍ مرتين"، خاصةً مع (باعة الكلام) المتكرر هؤلاء، من الذين لاتصلح معهم إلا العبارة الأخرى: "ماحكﱠ جلدكَ مثل ظفرك.. فَتَولﱠ أنت جميعَ أمرك"