الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إصلاح مؤسسات المعارضة السورية أم التخلص منها؟ 

إصلاح مؤسسات المعارضة السورية أم التخلص منها؟ 

15.04.2021
عقيل حسين



المدن 
الاربعاء 14/4/2021 
لم يكن إعلان الفنان السوري المعارض جمال سليمان تعليق عمله السياسي سوى آخر النداءات المطالبة بإصلاح المؤسسات المعارضة الرسمية، التي يُجمع الكل على أنها تعاني، وعلى ضرورة التحرك لإصلاح الواقع غير المرضي الذي تعيشه. 
ومنذ سنوات يطالب الجميع بإصلاح بُنى هذه المؤسسات وأنظمتها الداخلية لتصبح أكثر فعالية وأقل تبعية، وبما يضمن أن تكون ممثلة بالفعل لمختلف قوى وتيارات الثورة والمعارضة، ورغم حصول بعض المحاولات، إلا أنها بقيت بعيدة عن مستوى التطلعات، وغالباً ما اعتُبرت عمليات تجميلية دافعها ضغط خارجي وليس استجابة لاحتياجات المصلحة الوطنية. 
ورغم أن جمال سليمان كان قد اعتذر عن عدم حضور أعمال الجلسة الخامسة من مفاوضات اللجنة الدستورية، التي عُقدت في جنيف نهاية كانون الثاني/يناير، في موقف كان واضحاً فيه عدم رضاه عن مسار عمل اللجنة، إلا أن إعلانه تعليق نشاطه السياسي في جميع مؤسسات المعارضة السورية أمر لافت للانتباه. 
ويشغل سليمان ثلاثة مواقع مسؤولية في ثلاث مؤسسات، الأول أمين عام منصة القاهرة، والثاني نائب رئيس هيئة التفاوض، بالإضافة إلى عضوية الوفد المصغر للمعارضة في اللجنة الدستورية. 
ورغم نفيه أن يكون اعتكافه السياسي "طعناً بالمعارضة" التي أكد أنه لا يزال "جزءاً منها" محملاً التنافس الإقليمي والصراع الدولي على الملف السوري المسؤولية الرئيسية عن واقع حال المعارضة السورية، إلا أن سليمان كان واضحاً في نقده لمؤسساتها والطريقة التي تعمل بها، داعياً إلى "مراجعة كاملة لبنية المعارضة والسماح للشباب بأخذ فرصتهم فيها". 
ويتفق ذلك مع مضمون التصريحات الإعلامية الأخيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء الأسبق المنشق رياض حجاب، الذي دعا إلى "إعادة تشكيل وترتيب هيكلية مؤسسات المعارضة من جديد لتقويتها وتوسيع تمثيلها السياسي، مع الحفاظ على هذه المؤسسات كونها معترفاً بها، والعمل على إتاحة الفرصة لوصول أشخاص فاعلين إليها". 
ورغم التقاطعات العديدة بين تصريحاتهما، لكن المؤكد أن هناك اختلافات في مرامي كل منها حول الأولويات، فسليمان غالباً ما أراد التركيز على هيئة التفاوض، بينما الواضح أن حجاب يريد أن يشمل الإصلاح الائتلاف (الذي سبق وأن كان رئيسه) والمؤسسات التابعة له، بالإضافة إلى بقية الهياكل التنظيمية التي تضم مختلف قوى المعارضة، وعلى رأسها هيئة التفاوض. 
ومع كل حدث أو صعود لكيان سياسي معارض جديد، يشعر القائمون على الائتلاف أو الداعمون له، أو المعارضون الذين يعتبرون أنه يمثل الثورة حالياً رغم كل ملاحظاتهم عليه، أن المستهدف هو هذه المؤسسة، ومع ذلك لا يبدو أن إصلاح الائتلاف أمر سهل رغم المحاولات التي جرت، وآخرها إضافة ستة أعضاء جدد وتعليق عضوية أكثر من عشرة آخرين "بسبب عدم فعاليتهم". 
لكن المحلل السياسي حسن النيفي يعتبر أن تحويل الائتلاف من كيان وظيفي إلى مؤسسة وطنية ثورية يستدعي التماهي بينه وبين الشعب، وهو الرهان الحقيقي الذي يتطلع إليه السوريون من وراء دعواتهم لإصلاح الائتلاف. 
ويضيف في تصريح ل"المدن"، أنه "على الرغم من المحاولات الأخيرة التي ربما توهم بوجود خطة إصلاحية تقوم به قيادة الائتلاف، وكذلك على الرغم من أهميتها، إلا أنها لا تعدو أن تكون لعباً على الهامش، لأن أي مشروع إصلاحي للائتلاف ينبغي أن يبتعد عن الارتجال والتوافقات البينية التي يُراد منها مراعاة مصالح الجماعات المسيطرة داخله، كما ينبغي التحرر من المصالح والتبعية للدول". 
وعليه، يتابع النيفي، "فإن الحاجة للإصلاح توجب الابتعاد عن الحلول الترقيعية والبدء بخطوات إجرائية لا تخضع للإرادات غير الوطنية، بل تأخذ بعين الاعتبار مصالح السوريين، ولئن كان هذا الأمر ليس بالسهل ضمن الظروف الحالية التي تشهد استحكام التبعية، لكن مواجهة الصعوبات أجدى من القفز فوقها أو التعامي عنها". 
لكن الناشط السياسي محمد قنطار يرى استحالة إصلاح مؤسسات المعارضة القائمة "بسبب تحولها إلى أدوات وظيفية بيد الآخرين، بعد أن فقدت ملكيتها لنفسها"، بجانب عدم امتلاكها أي مشروع سياسي أو استراتيجية وطنية شاملة، و"غياب إرادة الإصلاح عن القائمين على هذه المؤسسات التي تدهورت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الخمس الماضية". 
ويضيف ل"المدن"، أن "هيمنة قوى المعارضة التقليدية، بكل مشاكلها، على هذه المؤسسات يجعل من الصعب إصلاحها، وإذا كان هناك توجه للإصلاح فيجب أن يتم العمل عليه من خارج هذه المؤسسات، وأن يرتكز على المبادئ الوطنية الجامعة وشعارات الثورة الأولى قبل حرفها من قبل هذه القوى ذاتها، والتي عملت باستمرار على ايهام الجميع بأنها تمثل الشارع السوري، وهو أمر غير صحيح"، معتبرا أن "الشعب السوري غير قادر اليوم، تحت سلطات الأمر الواقع وفي جميع أنحاء البلاد، على التعبير عن إرادته بشكل حر، ولو امتلك هذه الحرية لرفض هذه القوى والمؤسسات كلها". 
ولا يخفي قنطار قناعته بأن كل دعوات الإصلاح الحالية، خاصة تلك التي تصدر عن شخصيات فاعلة في المعارضة، سواء من داخل مؤسساتها الرسمية أو من خارجها، "لا تعدو أن تكون تهرباً من المسؤولية، ورمياً للكرة في ملعب الآخرين، ليقين هذه الشخصيات باستحالة إصلاح المؤسسات الحالية"، وبالتالي فهو يرى "أن المطلوب هو أن ينظم الناشطون من الثوار والمعارضين من خارج هذه البنى أنفسهم، ويطلقوا مشاريعهم السياسية الوطنية بعيداً عن هذه المؤسسات، لكسب الخبرة والوقت بهدف مواجهة التحدي القادم الذي يتمثل في فرض المجتمع الدولي، الذي سيعيق باستمرار انتاج السوريين كيانات تمثلهم بالفعل، قوى وشخصيات لا تمثل إرادة السوريين في أي حل سياسي قادم، وهو أمر متوقع". 
بين الدعوة لإصلاح مؤسسات المعارضة الرسمية، وبين المطالبة بتجاوز كل ما هو قائم حالياً، وبين الإيمان بإمكانية تحقيق هذا الإصلاح بالفعل، أو استحالة الوصول إلى ذلك، تبقى معاناة قوى الثورة والمعارضة السورية الأساسية في غياب استراتيجية متكاملة ومشروع شامل تعمل من أجله، ولعل هذه المشكلة هي النقطة التي يلتقي عندها الجميع من مختلف التوجهات والقناعات، ما يدفع كل المختلفين إلى الاتفاق على أن الاستراتيجية والمشروع أهم من المؤسسات التي يفترض أنها تنفذهما، والتي لن تكون ذات قيمة مهما طرأ عليها من تغيير، طالما أنها من دون هدف واضح تعمل من أجله، سوى شعارات تحتاج إلى خطط واضحة من أجل تحقيقها.