الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب والحسابات المعقدة

إدلب والحسابات المعقدة

11.10.2018
نبيل سالم


الخليج
الاربعاء 10/10/2018
على الرغم من الاتفاق الروسي التركي الإيراني بشأن محافظة إدلب، والتفاهمات الروسية التركية بشكل خاص حول هذه المنطقة، وآلية إقفال ملفها الساخن، إلا أن ثمة تعقيدات كبيرة تعترض سبيل أي حل، أو تسوية سلمية لهذه الأزمة، فكما هو معروف فإن التفاهمات الروسية التركية، جاءت لتلبية مصالح الطرفين، إلا أن هذا لا يلغي وجود تناقضات بينهما، وإن كانت مؤجلة حالياً، كما لا يلغي وجود أطراف أخرى قد ترى في هذه الأزمة فرصة لها لطرح مخاوفها، أو الإدلاء بدلائها، بحجة الحفاظ على مصالحها، مع اقتراب الأزمة السورية من نهاياتها المأمولة، بما يحمله ذلك من تحديات جديدة على المستويين المحلي والإقليمي.
ولو نظرنا بإمعان إلى التفاهمات الروسية التركية، لوجدنا أن هناك بالفعل، مصلحة للطرفين في إقفال ملف إدلب، فتركيا التي وجدت نفسها مع مرور الوقت متورطة في تفاصيل الأزمة السورية، لا تريد في الواقع موجات نزوح جديدة، قد تتسبب بها أي عملية عسكرية جديدة يمكن أن تشنها الحكومة السورية، بدعم حليفها القوي روسيا، وذلك بعد أن فقدت ورقة اللاجئين قيمتها، وبات من الصعوبة بمكان استثمارها للضغط على أوروبا، بل وحتى ابتزاز بعض الدول بها، كما أن تركيا تسعى لتوفير الإمكانيات لعودة مئات آلاف السوريين الذين نزحوا إليها إلى سوريا، وهو موقف أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً، زد على ذلك أن تركيا التي تمتلك حضوراً عسكرياً في محافظة إدلب، لا تريد للفصائل المحسوبة عليها أن تقع بين نيران القصف الروسي، وزحف القوات السورية الذي قد يخلف حسب وجهة النظر التركية، تداعيات أمنية وديموغرافية على تركيا، خاصة أن المسلحين الموجودين في إدلب حالياً، لا خيارات واسعة أمامهم، مع عدم إمكانية إرسالهم إلى مناطق أخرى، كما جرى بالنسبة لمسلحي الغوطة الشرقية، أو درعا، أو غيرهما من المناطق التي أبعد المسلحون عنها بعد اندحارهم إلى محافظة إدلب.
في المقابل، نلاحظ أن روسيا التي باتت تعتبر اللاعب الأقوى في سوريا، معنية وقبل كل شيء بتصفية آخر معاقل المسلحين، ولا سيما تلك التنظيمات المصنفة إرهابية، وتمكين النظام من بسط سيطرته الكاملة على هذه المحافظة، زد على ذلك أن موسكو تبدو معنية أيضاً، بوضع حد، مرة واحدة وإلى الأبد، للتهديدات التي تتعرض لها قاعدة حميميم بالطائرات المسيرة التي تطلقها "النصرة"، وبعض من حلفائها، بين حين وآخر، كما أنها ترى في معركة إدلب مواجهة للإرهاب الذي يمكن أن يطال روسيا نفسها، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً. ومع أن الهدف المعلن، كان منع وقوع المزيد من الضحايا في معركة إدلب المتوقعة، وأن هذا الهدف قد تحقق على الأقل في هذه المرحلة، إلا أن ذلك لا يلغي أبداً إمكانية فتح معركة إدلب في أي وقت، خاصة أن مصير إدلب يتشابك أيضاً مع مصير مناطق أخرى لا تزال تقع تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، وأن حسم هذه الجولة المتعلقة بإدلب من شأنه أن يمهد الطريق أمام توجيه الجهود لمواجهة مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي في شرق الفرات، وبعض المناطق السورية الأخرى التي ما زال التنظيم موجوداً فيها، وهو أمر أشار إليه وزير الخارجية السوري وليد المعلم مؤخراً .
ومع وجود أطراف إقليمية ودولية، قد لا تتطابق مصالحها مع مصلحة الصديقين المرحليين روسيا وتركيا، وإصرار بعض الفصائل المسلحة على المكابرة، وعدم الاعتراف بالأمر الواقع، وقبولها بالشروط الروسية، أو التركية، وتلك التي تضعها الحكومة السورية، يبدو بوضوح أن معركة إدلب تم تأجيلها فقط، ولم تحذف من قائمة الخيارات، سواء بالنسبة إلى روسيا، أو سوريا ، لاسيما وأن كل التقارير تشير إلى استمرار الحشد العسكري في هذه المنطقة لمعركة يبدو أنها آتية لا محالة.