الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب والحرب بالوكالة في سوريا

إدلب والحرب بالوكالة في سوريا

11.05.2019
بهاء العوام


العرب اللندنية
الخميس 9/5/2019
ما يحدث في مدينة إدلب وريفها اليوم، أسقط ورقة التوت الأخيرة عن الحرب السورية. الحرب التي تخوضها أربع دول عبر وكلاء محليين، تواجهوا بعد أن حطت الحرب على الإرهاب رحاها في البلاد، وانحصر دورهم في حماية غنائم ومناطق المحتل الذي يمثلونه ويضربون بسيفه.
أربع دول تحتل سوريا وتحلم بالتنسيق في ما بينها من أجل تثبيت مصالحها هناك إلى الأبد، فتصبح الدولة السورية واحدة نظريا، ومقسمة واقعيا. لكل محتل ذراع عسكرية يضرب بها عندما يتحدث مع الآخرين بالسلاح، وأبواق تنطق بلسانه زمن السلم في المحافل الدولية والدبلوماسية.
ما يثير الدهشة في وكلاء المحتلين الأربعة، العسكريين منهم والسياسيين، هو معرفتهم بنوايا من يمثلون، وإدراكهم حقيقة أنه لا يكترث لمستقبل البلاد إلا بما يحفظ مصالحه. وعلى الرغم من ذلك يواصلون خديعة أتباعهم والترويج لضرورة تأييد هذا المحتل بحجة قضية بلادهم.
كل وكيل محتل إن جاز التعبير، يقول إن مصلحة سوريا هي ما يشغله، والحقيقة أن ثمن ولائه للمحتل هو المال أو السلاح أو المواقف المؤيدة لقضيته الخاصة. وسواء حصل عليها كلها أو بعضها، فإن إطالة أمد الأزمة في البلاد هي السبيل الوحيد لضمان استمرار تدفق المكاسب عليه.
قد تبدو مساءلة أي من الوكلاء مبالغة في وطنية لم يعرفها السوريون منذ تسلم حزب البعث للسلطة في العام 1963، ولكن بمنطق الواقعية السياسية لا بد أن يتنبه الوكلاء لحقيقة أن مصالحهم لن تسير توازيا مع مصالح المحتلين إلى الأبد، وسيأتي يوم يقامر المحتل على مصلحة حلفائه.
لقد عاش الأكراد في الشمال هذه التجربة عندما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا قبل أشهر، فسارعوا إلى دول وعواصم العالم يستجدون حماية بعد رحيل الأميركيين. صحيح أن ترامب تراجع عن قراره وأبقى على بضع مئات من جنوده هناك، ولكن دوام الحال من المحال.
قبل الأكراد اختبرت فصائل المعارضة في غوطة دمشق ودرعا والقلمون، كيف يبيع المحتلون حلفاءهم على الأرض، وها هي التجربة تتكرر اليوم في إدلب وريفها، فأنقرة تعيد تقسيم مناطق النفوذ بينها وبين موسكو هناك، ولا يوجد أمام “الجيش التركي الحر” سوى القبول أو الموت بنيران الروس.
على الضفة المقابلة باع النظام جميع خياراته للروس والإيرانيين مقابل الحصول على دعم الدولتين في قمعه للثورة الشعبية، وهو اليوم يبيع الأراضي والبنية التحتية وشبكات النقل ومصادر الطاقة والجيش والأمن. لن يتوقف الأمر هنا وإذا لم تحل الأزمة في البلاد سيبيع الوزارات ودوائر الدولة.
استغلال المحتلين لوكلائهم في سوريا لن ينتهي، فهم يدركون ضعف الوكلاء وقدرتهم المستمرة على التنازل، إما حرصا على مكاسب فردية، وإما انطلاقا من خوف الجماعات من العودة إلى أوضاع ما قبل الثورة السورية عام 2011، فيفقد الأكراد شبه دولتهم شرق الفرات، وتخسر جبهة النصرة شبه إمارتها في غربه.
بات للحرب السورية اليوم تعريف واحد فقط، هو حرب المحتلين عبر وكلائهم. لم تعد حربا عالمية على الإرهاب، ولا حربا بين الحكومة والمعارضة. ولكن الإيجابي في الأمر، أن السوريين، المؤيدين منهم والمعارضين، قد استفاقوا من وهم نصرة قادتهم والولاء لهم “ظالمين كانوا أم مظلومين”.
اليوم، عندما تقرأ في تعليقات ومقالات أبناء إدلب قبل غيرهم من السوريين، تجد نقدا مباشرا لجبهة النصرة والفصائل السورية التابعة لتركيا في الشمال، وتدرك كم تكشف من عري الحرب التي جلبها النظام إلى البلاد، وباعت المعارضة في مزاداتها أحلام الملايين من السوريين باسترداد حق لا يموت.