الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب معقل المعارضة الأخير، ماذا ينتظرها

إدلب معقل المعارضة الأخير، ماذا ينتظرها

23.07.2018
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 22/7/2018
تتوجه الأنظار صوبَ إدلب، المحافظة التي تمَّ فيها تجميع معارضي النظام، الرافضين للتسويات معه، ومن مناطق سورية مختلفة. تمت تسوية الوضع في الجنوب بضرب فصائل المعارضة عبر “المصالحة” والعمل تحت المظلة الروسية، أو بالتهجير، وإعادة النظام إلى معبر نصيب والحدود مع إسرائيل، وبما يرضي كلا من الأردن وإسرائيل، وكذلك الحليف الأميركي.
أما مناطق شرق الفرات، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية، فقد بدأت مؤسسات النظام المدنية بالعودة إليها بالتوافق مع الاتحاد الديمقراطي، وفُتحت مكاتب له في المحافظات السورية، ويبدو أن واشنطن راغبة في الانسحاب من سوريا، إذا ما تحقق لها شرط انسحاب الميليشيات الإيرانية، بعد تأمين حدود إسرائيل في الجنوب.
تخلّى حزب الاتحاد الديمقراطي عن مشروعه الفيدرالي لصالح لامركزية إدارية موسّعة، وهو الحل الذي ترتضيه مختلف الأطراف للمنطقة، والذي اقترحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره الأميركي دونالد ترامب وفق ما سمّي بـ“نموذج شمال العراق”، ولاقى قبولا أميركيا.
إدلب هي المنطقة المتبقّية التي يتوجب على موسكو ترتيب أمورها بالتوافق مع شريكها الضامن التركي لاتفاق خفض التصعيد في أستانة. ويأتي إكمال تهجير سكان قريتي كفرية والفوعة المواليتين للنظام وإيران في هذا الإطار، أي جعل المنطقة معقلا خالصا للمعارضة وتحت السيطرة التركية.
تمّت عملية تهجير القريتين بإشراف هيئة تحرير الشام وبطلب تركي، بعد التوافق مع روسيا على ذلك. ولا يبدو أن إيران سعيدة بهذا الإجلاء، رغم أن اتفاق التهجير ليس جديدا بل هو استكمال لاتفاق تهجير البلدات الأربع، الذي تم بين إيران وهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة برعاية قطرية.
لكن إيران كانت تضغط على النظام لفتح معركة إدلب، وبالتالي كانت والنظام يحتاجان إلى منطقتي كفرية والفوعة كنقطتي ارتكاز للسيطرة على المنطقة، الأمر الذي حسمه الروس والأتراك لصالح بقاء المنطقة تحت السيطرة التركية.
هناك تحليلات كثيرة ترى أن مصير إدلب قد يكون مشابها لمصير الغوطة ودرعا، أي سيطرة النظام والتهجير، وهو حلّ مستبعد في الوقت الحالي لأسباب عديدة؛ فقد تكون لدى النظام وإيران رغبة في ذلك، لكن التوافق الروسي التركي على خلفية العلاقات والمصالح المتبادلة قبل أستانة وبعدها يحول دون التفكير في اقتحام إدلب.
موقف إيران بات ضعيفا، بسبب زيادة العقوبات الاقتصادية عليها، وحالة الغليان الشعبي في الداخل والرفض الدولي لتواجدها في سوريا، وهي تماطل في تنفيذ الطلب الروسي والأميركي- الإسرائيلي بالانسحاب من سوريا، لكنها تعمل أيضا على تقديم تنازلات لروسيا تتعلق باستثمارات واسعة على أراضيها من أجل إخراجها من مأزقها. وبالتالي مصير ميليشياتها في سوريا يصبح أكثر فأكثر بيد الروس. وأوعزت موسكو بالفعل إلى النظام السوري بحل القوى الرديفة في اللاذقية وحماة ودمشق والتي كانت تتقاضى رواتب من إيران.
تركيا ليس من مصلحتها إشعال جبهة إدلب، فقبل كلِّ شيء، هي وريف حلب وعفرين باتت مناطق نفوذ لها، بالتوافق مع روسيا، عبر سيطرة فصائل درع الفرات وغصن الزيتون التابعة لها، إضافة إلى فصائل إدلب، وبعد أن سلّمت حلب ثم الغوطة والقلمون إلى روسيا والنظام، وسلّمتهما الأجزاء الشرقية من إدلب حتى مطار أبوالظهور لتأمين الطريق الدولي. كذلك فإن تركيا لا يمكنها تحمّل عبء نزوح إضافي باتجاه حدودها، قد يتجاوز المليوني سوري.
تريد روسيا السيطرة على كامل سوريا. وتسعى لتشكيل مجلس عسكري موحد يعمل مع قوات النظام، ويتبع لها، يضمّ الفيلق الخامس المكوَّن من القوّات الرَّديفة ومقاتلي المعارضة الذين قبلوا المصالحة، وربما قوات سوريا الديمقراطية وقوّات النمر، لكن سيطرتها على إدلب لا تأتي عبر النظام بل عبر الحليف التركي، الداعم والمسيطر على فصائل إدلب، بما فيها هيئة تحرير الشام.
ليس لإدلب أهمية اقتصادية واستراتيجية بالنسبة لروسيا؛ فهي ليست سوى منطقة تجميع لفصائل المعارضة الرافضة للتسوية معها ولكنّها تقبل بالنفوذ التركي، وبالتالي روسيا تلتفّ على تلك الفصائل عبر التوافق العالي المستوى مع تركيا، لإخضاع تلك الفصائل إلى الحل الذي يعيد إنتاج النظام.
وتركيا ستجبر الفصائل على أن تَحضُرَ أستانة 10 في سوتشي أواخر الشهر الجاري، بشرط أن لا تخضع إدلب لأي تهديد من قوات النظام وإيران، الأمر الذي سيدمّر جوهر اتفاق أستانة، حسب تعبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
بات من المتفق عليه دوليا استبعادُ سيناريو التقسيم، وأن سوريا هي منطقة نفوذ روسية. فبقاء إدلب خارج سيطرة النظام يوحي بإمكانية التقسيم؛ لكن العلاقات الروسية التركية، ولا سيما حجم التبادلات التجارية الكبير والموقف من حلف شمال الأطلسي، تجعل روسيا هي من سيفرض الحل الذي يُبقي النظام مع بعض التغييرات العسكرية والأمنية، ومع إمكانية إعطاء المعارضة التابعة لتركية حصصا محدودة في التسوية الأخيرة.
استمرار تواجد هيئة تحرير الشام في إدلب، وسيطرتها عليها، يشكّل عقبة أمام أي تسوية ممكنة تخصّ المنطقة، فهي تنظيم إرهابي حسب التصنيف الدولي.
أمام تركيا تنفيذ المهمة الأصعب نسبيا، وهي إنهاء تواجد الهيئة في إدلب، عبر حلّها، وربما اندماج عناصرها بفصائل معتدلة، وبالتأكيد طرد الجهاديين والشرعيين الأجانب وتصفية العناصر الرافضة لهذا الحلّ.
في هذا الإطار يمكن قراءة مسلسل الاغتيالات التي تجتاح إدلب منذ أشهر لقياديين في فصائل مختلفة، من ضمنها هيئة أحرار الشام ولا نستبعد أن تطال هذه الاغتيالات قياديين كبارا فيها، ومنهم الجولاني لإعلان إنهاء التنظيم، على غرار ما حصل مع زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبومصعب الزرقاوي.