الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب بين ضامن وقاتل

إدلب بين ضامن وقاتل

03.08.2019
أحمد عيشة


سوريا تي في
الخميس 1/8/2019
تتعرض محافظة إدلب والريف الشمالي من حماة – وهي منطقة خفض التصعيد الأخيرة- منذ توقيع اتفاق سوتشي بين الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران)، إلى عملية تهديد يومي بالاجتياح تحت ذريعة التخلص من "الإرهابيين".
مؤخراً، ومنذ آواخر شهر نيسان، ازدادت حدة العمليات العسكرية التي تشنها روسيا والنظام بمختلف صنوف الأسلحة وخاصة الطائرات، حيث تمكنت من قتل المئات وتهديم منازل عشرات القرى وتسويتها بالأرض وتهجير مئات الألوف منهم نحو المجهول، حيث لم يتبق مكان آمن لهم سوى الاقتراب من الحدود التركية بقصد النجاة بأرواحهم يخيمون بين أشجار الزيتون على طول المناطق القريبة من الحدود.
تواجه تركيا، وهي الضامن لأطراف المعارضة والداعم لها، مشكلة كبرى من جراء استمرار عمليات القصف التي يقوم بها "الضامن" الآخر، فمن ناحية لا تريد تركيا أن يتكرر سيناريو المنطقة الشرقية من حلب، حيث لم يتبق ثمة مكان يذهب إليه المدنيون والمقاتلون، ومن جهة أخرى، لا تريد تحمل عبء أزمة موجة جديدة من النزوح، وهي التي يعيش فيها اليوم حوالي 3,5 مليون سوري. ولذلك فهي تقدم الدعم النوعي للفصائل العسكرية المعارضة بحيث تعيق تقدم القوات البرية رغم فظاعة وكثافة الغارات الجوية، لدرجة صار من الممكن القول إن ثمة حرباً غير مباشرة بين طرفي أستانا.
الولايات المتحدة منشغلة مع إيران بقصد فرض اتفاق جديد وفق الشروط الأميركية بعد الانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015، وإدارة معركة العقوبات الجديدة والتحرشات المتبادلة، وبالتالي بعد هزيمة داعش، التي كانت هدفها الوحيد في سوريا مع شركائها - وحدات حماية الشعب- يبدو أن هدفها الحالي هو محاولات الحد من النفوذ الإيراني من خلال التنسيق
الروسي الأميركي الإسرائيلي، حيث روسيا طليقة اليدين في إخضاع السوريين، ويقوم الإسرائيليون بدورهم تجاه المواقع الإيرانية برضى الطرفين، أما قتل السوريين وتهجيرهم بشكل يومي فليس موضع اهتمام لها.
تدرك روسيا جيداً حالة العلاقات الأميركية التركية المتوترة بسبب دعم الولايات المتحدة لميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي -الفرع  السوري لحزب العمال الكردستاني- ومن جهة أخرى نتيجة لصفقة صواريخ إس 400 مع روسيا التي تعدّها الولايات المتحدة اختراقاً لأنظمة حلف الناتو العسكرية، وهو ما يجعل من تركيا عرضة أكثر للضغط الروسي في هذه الفترة بقصد تقديم تنازلات بخصوص علاقتها بفصائل المعارضة السورية.
ومن الناحية السياسية، تعاني روسيا من مأزق سياسي في سوريا، بمعنى لم تحصد أياً من نتائج عملها العسكري المستمر منذ أربع سنوات سوى أنها دمّرت وما تزال تُدمّر البلاد، فاتفاقات أستانا وسوتشي وما نتج عنها لم توصل لما يبتغيه الروس منها وهو أن تكون بديلاً بحكم الأمر الواقع لاتفاقات جنيف وهو الأمر الذي ترفضه أميركا وتطالب بضرورة العودة إلى جنيف، على الأقل كورقة ضغط على روسيا وإيران، كما لم تنجح جهودها في إعادة اللاجئين حتى من لبنان -البلد الخاضع للوصاية السورية- كما أنها لم تستطع إقناع الغرب بالمساهمة في إعادة الإعمار المنشود، وحتى إقناع الدول العربية بإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية.
وبالتالي، فإن ما يجري في محافظة إدلب، عدا عن كونه أولاً عملية قتل وإبادة جديدة للسوريين، فهو بشكل من الأشكال محاولة ضغط من روسيا على تركيا، وقبله والأكثر أهمية، محاولة فتح الطرق الدولية، التي تشكل منفذاً تجارياً مهماً للنظام، مما يؤمن لروسيا أوراق تفاوض أقوى مع تركيا، ومع الولايات المتحدة بشكل نهائي.
يدفع المدنيون والمهجرون فاتورة التصارع على سوريا من دمهم ولحمهم، كما تدفع الفصائل العسكرية الثمن أيضاً جراء تشرذمها ونزاعاتها، وأيضاً المعارضة السياسية التي لم تتعامل مع اتفاقات أستانا وسوتشي بكونها نتاج هزيمة عسكرية للمعارضة العسكرية (حلب نهاية 2016)، ستفرض روسيا فيها ما تشاء كونها الطرف الأقوى بشكل سياسي، وإلا ستفرضه بالقوة، فهي أبداً لم تكن ضامناً ومنذ البداية، وإنما شريك في القتل.
بعد ثلاثة شهور من القصف الهمجي الذي طال المشافي والعيادات الطبية والمدارس وفرق الإنقاذ وسط وقوف العالم الغربي (أوروبا وأميركا) متفرجاً وعاجزاً عن اتخاذ موقف جدي يمكن أن يوقف همجية عمليات القصف التي تشنها روسيا والنظام، يبدو أن موقف الفصائل العسكرية المقاتلة وتركيا -داعمها الوحيد- سيكون عرضة للضعف، كما سيتمكّن الروس من فرض شروط جديدة على تركيا والمعارضة
وقوف العالم الغربي (أوروبا وأميركا) متفرجاً وعاجزاً عن اتخاذ موقف جدي يمكن أن يوقف همجية عمليات القصف التي تشنها روسيا والنظام
من خلال اتفاقات أستانا المزمع عقدها في أوائل آب المقبل، وبالتالي يصبح من الضروري على المعارضة بشقيها العسكري والسياسي مقاطعة الجولة المقبلة، والعمل مع تركيا على عدم حضورها إلى أن تلتزم روسيا -الضامن القاتل- بوقف عملياتها العسكرية.
والأمر المهم الآخر هو وقوف العالم الغربي (أوروبا وأميركا) متفرجاً وعاجزاً عن اتخاذ موقف جدي يمكن أن يوقف همجية عمليات القصف التي تشنها روسيا والنظام، هذا الموقف سيمكّن روسيا بوتين من فرض نفسها كقوة "عظمى" على الساحة الدولية منهية عصر التفرد الأميركي الذي بدأ عام 1991 مع تدمير العراق، وسيكشف زيف القيم الديمقراطية التي يزعم هذا الغرب الوقوف إلى جانبها من خلال سكوته عن الفظائع المرتكبة بحق السوريين.
لا تقل المعركة السياسية أهمية عن مثيلتها العسكرية، ويمكن للموقف السياسي الجدي أن يشكل سنداً ورافعة حتى للعمل العسكري، فالمعركة طويلة وطريق الحرية صعب، لكن ما زال هناك إمكانية لتغيير الخريطة على الأرض من خلال التلاحم السياسي والعسكري والتنسيق مع الشريك التركي، فهو الطريق الوحيد المتبقي لإجبار الروس والنظام على تغيير مواقفهما، خاصة أنهما أيضاً في مأزق، وأن بصمات اللوحة النهائية لم تُوضع.