الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب بين تصعيد النظام السوري واحترام الاتفاقات الدولية

إدلب بين تصعيد النظام السوري واحترام الاتفاقات الدولية

25.02.2019
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 24/2/2019
تتمسك روسيا باتفاق خفض التصعيد في إدلب، رغم تصريحات وزير خارجيتها سيرجي لافروف عن نفاد صبرها من وجود “كمّ هائل من الإرهابيين” هناك، ورغم سماحها لقوات النظام، خلال العشرة أيام الأخيرة، بتكثيف القصف الممنهج على ريف إدلب الجنوبي والشرقي.
لا تفكّر موسكو في خرق اتفاق إدلب الذي عقدته مع الأتراك في سبتمبر الماضي في سوتشي، لأنّ الاتفاق جاء تحت التهديد الأميركي لمنع حصول كارثة إنسانية في إدلب، وجاء بضغوط أوروبية تمثّلت بمباركة ألمانيا وفرنسا له بعد تلبية دعوة تركيا لحضور قمة إسطنبول إلى جانب روسيا في أكتوبر الماضي.
وبالتالي فإن توسّع التصعيد في إدلب سيعرّض روسيا للمزيد من الضغوط الدولية لفرملة رغبة النظام في السيطرة على المدينة، خاصّة مع وجود امتعاض أميركي وأوروبي من استمرار روسيا في الاعتماد على النظام، وعدم القبول بتغيير سياسي ملموس في الملف السوري.
ويرغب النظام الذي يسيطر فقط على 60 بالمئة من الأراضي السورية، في استكمال “انتصاراته” المزعومة والسيطرة على إدلب، إضافة إلى منبج وشرق الفرات، تدعمه في مسعاه هذا إيران، غير الشريكة في اتفاق سوتشي حول إدلب؛ لكنه يعلم أيضا أن فتح المعركة مستحيل، وهو يتحيّن الفرص التي يسمح بها الروس لتصعيد القصف ما أمكن.
لذلك ظل القصف العشوائي وبالصواريخ والمدفعية، يستهدف المدنيين وهو يتركز على خان شيخون ومعرة النعمان، أي بالقرب من الطريق الدولي؛ ولم يستنفر النظام قواته البشرية في كل النقاط المحاذية لفصائل المعارضة، في حين أن محاولاته القليلة للاقتحام حين سنحت له الفرصة في غربي حلب، قوبلت بصدّ من المعارضة.
وفي حين فشلت قمّة سوتشي الأخيرة للدول الضامنة في تحقيق تغيير ملموس في أي من الملفات السورية الشائكة، دون أن يعني ذلك انهيار التحالف الروسي التركي مع إيران، فإن القصف الذي بدأ قبيل القمة بموافقة روسية للضغط على تركيا لتقديم تنازلات، يتوسّع بعدها ليشمل 56 قرية وبلدة في ريف إدلب وريفي حماة الشمالي والغربي، وما رافق ذلك من قتل وتدمير ونزوح لأكثر من 7 آلاف عائلة من تلك المناطق.
والسماح للنظام بتوسيع القصف وتصاعده هو دلالة على استمرار الضغط الروسي على الأتراك، لتسريع حلّ عقدة هيئة تحرير الشام، ولتسريع استكمال الجزء الثاني من الاتفاق حول فتح الطرق الدولية، حيث يتركز القصف حول المناطق المحيطة بطريق دمشق – حلب الدولي.
تركيا لم تقدّم تنازلات حول إدلب في قمة سوتشي الأخيرة، مدعومةً بموقف أميركي – أوروبي رافض لفتح معركة شاملة هناك. وبالتأكيد فإن تكثيف قصف النظام الأخير يربكها، رغم أنه يتجنّب نقاط المراقبة الـ12 التي أقامتها في إدلب، وفي المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل، حيث تتم إضاءتُها بالكشافات، لمنع استهدافها، ورغم أن الصواريخ تمر فوق نقاط المراقبة، وتجتاز المنطقة العازلة إلى بلدات في العمق، مسببة نزوحا شبه تامّ في تلك البلدات.
النظام لا يملك من القرار سوى قصف المدنيين عن بعد؛ ربما هدفه إحداث هذا الإرباك لتركيا، التي تضطر للصمت، طالما أنّ القصف يظل محدودا ولا يستهدف نقاط مراقبتها، وهو ما سيعرّضها لضغوط من الأهالي والفصائل على حدّ سواء، بسبب عدم القيام بدورها المزعوم في حماية المدنيين، أو السماح للفصائل بانتهاك الاتفاق وفتح معركة ضد قوات النظام.
ومن زاوية أخرى، يمكننا قراءة التصعيد العسكري الأخير في إدلب من قبل قوات النظام، بأنّه استغلال روسي للخلاف التركي-الأميركي، حول تراجع ترامب عن وعوده لأردوغان في المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، واستمرار دعمه لوحدات الحماية الكردية، وحول رفض تركيا لصفقة الصواريخ الأميركية “الباتريوت” بسبب عدم ملاءمتها للمعايير التركية، والمضي في صفقة “أس-400” مع روسيا، رغم التهديدات الأميركية لأنقرة بالعقوبات على الدول التي تعقد صفقات مع الصناعة العسكرية الروسية.
روسيا تستعجل تركيا للمضي في تقدم جديد في اتفاق إدلب، وهي تقترح نشر قوات حفظ سلام روسية في المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل، في خطوة منها لانتزاع تقدّم في الملفّ، وهي تضغط على أنقرة لتقديم التنازلات، ربما بمقايضة مع الشريط الحدودي لها مع سوريا شرقي الفرات، وبالتالي عودة سيطرة النظام على إدلب.
إن المضي في سيناريو المقايضة هذا مرهون أولا بإنهاء ملفّ الجهاديين في إدلب العالق بين تواجد تنظيمات إرهابية غير سورية، وهما مجموعتا حراس الدين والحزب الإسلامي التركستاني، وبين محاولات هيئة تحرير الشام تغيير حلّتها الجهادية، وقد يتطلب الأمر عملية عسكرية روسية – تركية مشتركة ضد تلك التنظيمات.
وثانيا مرهون بالاستراتيجية الأميركية التي لا يبدو أنها ترغب في ترك المنطقة كليا للروس، وتفضّل إدارتَها حتى بعد الانسحاب، بالإبقاء على 200 جندي أميركي، واستدعاء الفرنسيين والبريطانيين كقوات فصل في المنطقة، وبالتالي ليس من صلاحيات موسكو مقايضة تركيا بالشريط الحدودي مقابل إدلب، ولا حتى أن تفرض عليها العمل باتفاقية أضنة القديمة، حيث لا يرغب الأميركان بعودة قوات النظام، التي ما زالت تتحكم بها إيران، إلى المناطق الحدودية، ويفضّلون الإبقاء على تحالفهم مع قوات محلية لإدارة المناطق التي سينسحبون منها.
وإذا كانت وسيلة الروس للضغط على الأتراك السماح للنظام بقصف موسع على الأماكن السكنية، وكانت مصلحة تركيا تتمثل في الصمت عن استهداف المدنيين، ومصلحة الفصائل في الولاء لتركيا، فإنّ المدنيين هم الخاسر الأكبر في لعبة المناوشات هذه؛ وهي لعبة لن تستمر طويلا، حيث يتوجب على الأتراك التسريع في حل ملف الجهاديين، والقبول بفتح الطرق الدولية، كما يتوجب على روسيا القبول بإبقاء إدلب منطقة نفوذ تركي، خارجة عن سيطرة النظام، إلى حين أن تأتي التوافقات على حلّ سياسي. ويبدو أن الأميركان يميلون إلى حلول لا مركزية بإدارات ذاتية، تلبية لرغبة حلفائهم المحليين شرق الفرات، الأمر الذي سيدعم رغبة تركيا في أن يشمل فصائل المعارضة في إدلب وريفها أيضا.