الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب:خيارات النصرة بوجه تركيا..أحلاها مرّ

إدلب:خيارات النصرة بوجه تركيا..أحلاها مرّ

04.05.2020
خالد الخطيب



المدن
الاحد 3/5/2020
تواجه "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام) في إدلب شمال غربي سوريا ضغوطاً غير مسبوقة تهدد وجودها كتنظيم يطمح إلى الاستمرار مع الاحتفاظ بالمكتسبات المفترضة والتي حققها في الناحيتين الإدارية والعسكرية. وتشير التطورات الميدانية المتسارعة إلى إمكانية خسارة الهيئة لهيمنتها في إدلب لصالح الجيش التركي والفصائل المعارضة التي يدعمها.
الضغط على "النصرة" سيتواصل خلال الفترة القادمة وصولاً إلى تطبيق سيناريو إضعافها، وهي مسألة وقت لا غير، تعتمد على سلوك الجبهة وتعاطيها مع مستجدات المرحلة الراهنة، والتي شهدت تواجداً عسكرياً تركياً هو الأكبر من نوعه في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا.
فرض الانتشار العسكري التركي في إدلب خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل، واقعاً ميدانياً جديداً لا يمكن إنكاره، وقد اعترف منظرو "النصرة" وقادتها بأن الميدان قد اختلف خلال الشهرين المنصرمين، وسينعكس تواجد الجيش التركي الكثيف على موازين القوى ويؤثر في قرارات الجبهة و "حكومة الإنقاذ" التابعة لها.
مستقبل درع الربيع
تريد تركيا أن تطبق في إدلب السيناريو المطبق في مناطق نفوذها الأخرى شمال غربي سوريا، في "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام" من الناحيتين الإدارية والعسكرية، أي أن تصبح جميع التشكيلات المسلحة تحت إمرتها، وتشرف بشكل مباشر على الإدارة المدنية، أي لا مكان لمنافس يتعامل معها بندية، كما تطمح "النصرة" مثلاً، وخيار الحكومتين في مناطق المعارضة مرفوض أيضاَ.
لم يعلن حتى الآن عن انتهاء العملية العسكرية التركية في إدلب، "درع الربيع"، ولا يعني توقف المعارك ضد قوات النظام والمليشيات الموالية لها أن العملية قد انتهت، حتى وإن تم تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتم تجميد الجبهات لوقت أطول فإن ل"درع الربيع" كما كان للعمليات العسكرية التركية الثلاث الأخرى برنامج عمل من المفترض أن يعمل الجيش التركي على تطبيقه، ويتضمن تطويع جميع القوى المسلحة وسلبها قدرة التحكم في الإدارة المحلية.
الهيئة تخسر مواردها
يبدو أن الدوريات الروسية-التركية المشتركة على الطريق "أم-4" ستزيد من مسافة مسيرها خلال الفترة القادمة من شهر أيار/مايو الحالي، بعد أن انفض العدد الأكبر من المعتصمين المدعومين من "جبهة النصرة" عن الطريق. نجاح الدوريات المشتركة في إكمال مهماتها يعني بالضرورة خسارة "النصرة" جزءاً كبيراً من نفوذها العسكرية والإداري، وحشرها مع "الإنقاذ" في مساحة صغيرة في حين ستتمتع الفصائل المعارضة بميزات الانتشار الأوسع، كما أنها ستحمي الطريق الذي سيتحول لاحقاً إلى ممر تجاري يصل مناطق المعارضة والنظام، وذلك سيشكل خسارة أخرى ل"النصرة"، على شكل واردات مالية ضخمة كانت تجنيها من المعابر الداخلية مع النظام.
بدا الاعتصام على الطريق "أم-4" ورقة ضغط لإشراك "النصرة" في مختلف مراحل تشغيل الطريق وما يتبعه من بنود يجب تطبيقها بموجب التفاهمات التركية-الروسية. الأهم بالنسبة لها بطبيعة الحال، الاحتفاظ بالمعابر الداخلية واستمرار تدفق الأموال التي تجنيها من ضرائب العبور، والتي يتم تسخير الجزء الأكبر منها في دعم ذراعها الإدارية المدنية "الإنقاذ".
اهتمام "جبهة النصرة" بالواردات من المعابر الداخلية بدا أكبر مؤخراً لأن معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لم يعد مهماً كما كان من حيث الواردات المالية وذلك بعد انحسرت الحركة التجارية بسبب خسارة مناطق واسعة في إدلب لصالح قوات النظام منذ منتصف العام 2019 وحتى بداية العام 2020، كما أن الحركة التجارية تتأثر بشكل مباشر بحركة العبور في المعابر الداخلية، لأن الحصة الأكبر من البضائع يتم توريدها نحو مناطق النظام.
وبعد أن عجزت "النصرة" عن منع الدوريات بسبب جدية الجيش التركي الذي هدد بمحاربتها حاولت الالتفاف وافتتاح معبر يصلها بمناطق النظام، لكنها واجهت رفضاَ شعبياً لم تكن تتوقعه، وهذا ما يفسر تعاملها الوحشي مع المحتجين بداية الأحداث قرب المعبر. وبعد أن تخلت عن الفكرة مؤقتاً وجهت "النصرة" أصابع الاتهام للفصائل المعارضة وجهات لم تسمها بأنها تقف خلف تجييش الشارع ضدها، وتشويه سمعتها. وقال قادة في الجبهة إن سياسة التجييش تندرج في إطار الضغوط الممارسة عليهم، وتهدف إلى التضييق على الجبهة وإجبارها على القبول بما تمليه الإرادة التركية.
الخيارات الصعبة
الضغوط التي تتعرض لها "النصرة" مؤخراً في إدلب تضعها أمام تحديات وخيارات محدودة، وهي مجبرة على اختيار واحد منها برغم المخاطرة، والنتائج غير المضمونة. الخيار الأول، أن تندفع الجبهة بوتيرة أسرع في نهج التحولات البراغماتية التي اتبعتها في العامين 2018 و2019، وبالتالي التعاطي الإيجابي مع متغيرات المرحلة الحالية، والتنازل التدريجي عن هيمنتها، واستعدادها للاندماج في وقت لاحق تحت مظلة عسكرية يدعمها الجيش التركي، وذلك يعني تخليها عن التفرد في الإدارة المدنية المتمثلة في "حكومة الإنقاذ".
التعاطي الإيجابي المفترض وفق الخيار الأول سيدفع تياراً متشدداً كاملاً إلى الانشقاق عن صفوف "النصرة" ومن ثم وقوفه إلى جانب التنظيمات الراديكالية الأكثر تشدداً في إدلب، وهذا يفرض على الجبهة لاحقاً الانضمام إلى أي تحرك عسكري تركي يهدف إلى القضاء على هذه التنظيمات، كما أن الخيار الأول يعني خسارة "النصرة" مشروعها الخاص وتحولها من تنظيم حركي إلى تشكيل مسلح مثله مثل باقي الفصائل المدعومة من تركيا.
أما الخيار الثاني، فهو مواجهة الضغوط والالتفاف على التحركات التركية، وتحريك أوراق جديدة في إدلب تشبه إلى حد ما الاعتصامات على "أم-4"، لعرقلة المساعي التركية، والحفاظ على المكاسب الإدارية والعسكرية، وبالتالي العمل على تأخير المواجهة والاستفادة من الوقت بانتظار تغيرات أكبر تخرجها من الواقع الصعب الذي تعيشه على مستوى التنظيم. وفي الغالب سيكون ل"النصرة" أنصار كثر من التنظيمات والتيار المتشدد داخل صفوفها في حال اختارت الخيار الثاني وأصرت على رفض المطالب غير المعلنة.