الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدارة ترامب في الشرق الأوسط

إدارة ترامب في الشرق الأوسط

25.01.2017
حميد المنصوري


الاتحاد
الثلاثاء 24/1/2017
سياسة ترامب في الشرق الأوسط ستتحدد بشكل كبير عبر الوضع الروسي وقوسه التركي والإيراني، فرغم سيطرة موسكو على هذا القوس في مسألة تسوية الثورة السورية، فإنه لا يخلو من تضارب المصالح ومشهد الصراع الإقليمي السُني والشيعي، فقد أصبح هذا القوس مرتبطاً بمعضلة أمن الخليج التي تتعدد فيها أدوار الدول الخليجية والإقليمية والدولية، لذا نركز هنا على تعاطي إدارة ترامب مع تركيا وإيران وانعكاساته السياسية والأمنية.
إيران دولة تجاور جميع دول الخليج بحرياً، ولها أطماع جيوسياسية ومذهبية في الخليج والمنطقة العربية، ومن الملاحظ أن حضور تركيا في قاعدة عسكرية بقطر- تنفق عليها كتعاون بين الطرفين- يضيف إليها بعداً في أمن الخليج مع البعد الجغرافي المجاور لإيران، ووجود حالة من التنافس مع إيران في الشرق الأوسط. وإذا أردنا وضع سيناريوهات للعلاقة الأميركية بقيادة ترامب وفريقه تجاه كل من إيران وتركيا، فمن اليسير القول إن الحيز الذي أعطته الإدارة السابقة الأميركية لإيران في انتشار صراعات الهويات المذهبية والقومية كأدوات فاعلة من غير الدول في المنطقة برعاية دول إقليمية ودولية، حيث كانت طهران بما تمثله من سياسات وقوة اقتصادية ونفوذ ومليشيات شيعية عابرة للأقطار عاملاً مهماً في تكوين أرضية مضادة لخروج المذاهب والقوميات الأخرى، والذي بدوره يقود إلى تفكيك دول الشرق الأوسط جغرافياً واستنزاف مواردها وقدراتها الاقتصادية، حقيقة هذا الحيز للدور الإيراني قد انتهى. فإيران بتعدد واختلاف قوة مراكز نظامها السياسي وتوجهاته أصبحت أسيرة التوجه الديني المذهبي، فقد أمست هناك مخاوف إيرانية من توجهات إدارة ترامب تجاه الاتفاق النووي ومستقبل نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط وخاصةً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلى جانب معضلة أمن الخليج ذات البعد التاريخي وطموح طهران بالتحكم والهيمنة عليه. يمكن القول بأن العلاقات بين واشنطن وطهران سوف تتحدد عبر تشدد أميركي تجاه الاتفاق النووي مع زيادة التعاون العسكري مع بعض دول الخليج العربية لخلق منظومة عسكرية رادعة، وهذا الأمر يدخل منطقة الخليج في حالة من الردع المتبادل مع إيران، وهي قد دخلتها فعلاً، وهذه الحالة ضرورية لكن يجب عدم الاعتماد على واشنطن بشكل كبير فهنالك روسيا والصين وبريطانيا ودول إقليمية مهمة. وإلى تصور مغاير، حيث تمتلك طهران مراكز جذب اقتصادية وأمنية نحو تغيير العلاقة مع واشنطن لصالح طهران، ومراكز الجذب الاقتصادية والأمنية الإيرانية تتعلق بالنفط والغاز الإيراني مع تحكمها في نظام وأمن حكومة بغداد الغنية بالنفط أيضاً، ناهيك عن ملف محاربة داعش، ولعل ذلك يحرك أبعاد شخصية وزير الخارجية الأميركي "تليرسون" المتعلقة بالنفط وشركاته وأهميته العالمية بما لا يتعارض مع مصالح وأمن واشنطن. وإذا لم يكن هناك تقارب بين واشنطن وطهران فإن الأخيرة ستضع هذا الصراع في دائرة روسيا وصراعها مع الغرب وواشنطن، ولكن ربما أيضاً لعب وزير الخارجية تيلرسون الذي يحمل علاقة جيدة مع بوتين دوراً في خلق تفاهمات روسية أمريكية في أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وأوربا على حساب مصالح نظام الملالي الإيراني.
نأتي إلى علاقة واشنطن مع أنقرة، لنجد أن العلاقة بينهما تميل إلى التطور لصالح دعم مصالح وأمن تركيا بعد التورط الأميركي في دعم الانقلاب العسكري وعدم تسليم "فتح الله جولن" مع دعم أكراد سوريا وعدم تعزيز دور تركيا في سوريا والعراق، فتركيا لاعب إقليمي رئيس في الشرق الأوسط. فتحسن العلاقة الأميركية - التركية لن يؤثر في العلاقة التركية - الروسية، التي تشد من روابطها علاقات الطاقة حيث تركيا في حاجة كبيرة إلى الغاز الروسي ولأنقرة دور في تصديره إلى أوروبا، إضافة إلى العلاقات التجارية الروسية - التركية الأخرى، كما أن روسيا ستكون في مناعة من احتمال إيقاف تصدير الغاز من خطوط الشمال من قبل بلجيكا وبولندا والسويد، ولتركيا أهمية من خلال الجوار الجغرافي بكل ما يحمله من علاقات ومؤثرات أمنية واقتصادية مع سوريا والعراق(حكومة بغداد - أربيل) وإيران، علاوة على القاعدة العسكرية التركية في قطر، إلى جانب كون "تركيا" تمثل السّنة بشكل رسمي في الصراع المذهبي الإقليمي مع إيران. وهذه الأهمية لتركيا، ستقود واشنطن وموسكو إلى التغاضي عن سحق تركيا للأكراد في داخلها وفي سوريا مع تأمين الجوار السوري في وجه القومية الكردية.
ثمة خلاصة في علاقة واشنطن مع تركيا وإيران، إذا كانت العلاقة تحمل أفضلية لطهران سنجد أنقرة وبعض دول الخليج تعزز من علاقتها مع روسيا في الشرق الأوسط والسياسة الدولية، وإذا كان الحال العكس توتر العلاقة بين واشنطن وطهران، ستتجه طهران إلى الاعتماد على موسكو في تلك العلاقات، وبالتالي ستكون طهران أسيرة مستجدات العلاقة الأميركية والروسية. أما تركيا، فلها وضع مختلف فواشنطن مجبرة على تحقيق مصالح أنقرة الأمنية والاقتصادية مع بقاء علاقاتها القوية مع روسيا اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، إذن تركيا هي الرابح الأكبر بين واشنطن وموسكو.
ونختم هنا بافتراض، إذا استجابت الإدارة الأميركية لدور روسيا في إنهاء الثورة السورية نحو حل سياسي لا يخلو من أبعاد أمنية ومصالح دولية وإقليمية، والذي بدوره يفسح المجالات لوجود تفاهمات في أمن الخليج، وتحييد دور إيران، وحل مسألة جزيرة القرم ومراعاة أمن أوروبا وروسيا، وتحييد خطر كوريا الشمالية في آسيا، وغيرها من المسائل الأمنية في العالم، فتلك الاستجابة ستكون الخطوة الأولى للولايات المتحدة الأميركية نحو توزيع الأدوار والمصالح مع دول كبرى تحديداً روسيا والصين في تحقيق الأمن والسلم الدوليين مع دور ريادي لواشنطن، وهو المسار الأكثر واقعية في إعادة تحقيق الأمن والاستقرار لفترة طويلة في أقاليم متعددة في عالمنا.