الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدارة بايدن الخارجية وسياسة تفكيك الألغام في الشرق الأوسط 

إدارة بايدن الخارجية وسياسة تفكيك الألغام في الشرق الأوسط 

25.01.2021
صادق الطائي



القدس العربي 
الاحد 24/1/2021 
التركة الملغومة التي خلفها دونالد ترامب ستتطلب جهدا استثنائيا من إدارة الرئيس بايدن لتفكيكها وإزاحة ركام السياسات التي تجمعت عبر أربع سنوات صاخبة. وقد أفادت تسريبات البيت الأبيض أن الرئيس بايدن وقع في يومه الأول 15 قرارا تنفيذيا حاول عبرها إزاحة أهم الألغام من ساحة السياسة الداخلية وإصلاح بعض النقاط المحورية في السياسات الأمريكية الخارجية. إلا ان الملفات التي حظيت بالأولوية في القرارات التنفيذية أو في مشاريع القرارات التي سترفع للكونغرس للتصويت عليها، لم تتضمن ملفات الشرق الأوسط. إذ سينصب جهد إدارة بايدن في الـ 100 يوم الأولى على مواجهة كارثة أزمة كوفيد-19 والعودة إلى بعض الاتفاقات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ، وإعادة دعم الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية، مع بعض القرارات الخاصة بتنظيم الهجرة ورفع ما شابها من خطايا في عهد الرئيس ترامب. 
الولاية الثالثة لأوباما 
عندما نلقي نظرة على الأسماء التي رشحت لتشغل الكابينة الوزارية في إدارة بايدن، نتبين أن أغلب الأسماء لشخصيات لعبت أدوارا مهمة في ولايتي الرئيس الأسبق باراك أوباما، لذلك وصف بعض المحللين الأمر على أنه يبدو “ولاية ثالثة للرئيس أوباما” وقُرأ الأمر على أن سياسات إدارة بايدن ستكون، بطريقة ما استمرارا لسياسات إدارة أوباما في ولايتيه الرئاسية. 
فمستشار الأمن القومي في إدارة بايدن هو جيك ساليفان، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي بين عامي 2013 و2014 كما شغل منصب نائب هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة الخارجية، ثم شغل فيما بعد منصب كبير مستشاريها للسياسة الخارجية أثناء حملتها الرئاسية عام 2016. أما وزير الخارجية بايدن أنتوني بلينكن فقد شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي ونائب وزير الخارجية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. ومديرة الاستخبارات المقبلة أفريل هاينز كانت أول امرأة تشغل منصب نائب مدير وكالة المخابرات المركزية “CIA” ما بين 2013 و2015 كما شغلت منصب نائب مستشار الأمن القومي بعد انتقال أنتوني بلينكن إلى وزارة الخارجية عام 2015. 
مرشح بايدن لوزارة الدفاع هو الجنرال لويد أوستن، وهو أول أمريكي من أصل أفريقي يتولى قيادة البنتاغون، وقد عمل أوستن نائب رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، وقبل ذلك كان آخر قائد للقوات الأمريكية في العراق، وتحت أمرته جرت عملية “الفجر الجديد” لسحب القوات الأمريكية من العراق في كانون الأول/ديسمبر 2011 في عهد الرئيس أوباما الذي نقله بعدها ليشغل منصب قائد القيادة المركزية الأمريكية، ويعتبر لويد أوستن المهندس العسكري الأول لحملات التحالف الدولي، الذي أنشئ لهزيمة تنظيم الدولة “داعش” وهو من صمّم الخطط الأساسية لضرب التنظيم، مع دعم القوات على الأرض. 
تحديات 
بالرغم من إن إدارة أوباما كانت قليلة الاهتمام بملفات الشرق الأوسط، ونأت بنفسها عن صراعات المنطقة لصالح تركيزها على ملفالت الشرق الأقصى والتحدي الصيني والخطر الكوري والتنافس الآسيوي، إلا إن بعض ملفات الشرق الأوسط كانت حاضرة في السياسة الخارجية لإدارة الديمقراطيين على مر التاريخ المعاصر، ويبدو أن حال إدارة بايدن لن يكون استثنائية عن ذلك، بالرغم من ان الرئيس الجديد يبدو وقد ابتدأ ولايته بهدوء ملحوظ في الشرق الأوسط. فقد أشار سيث فرانتومان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل في تقريره الذي نشرته وكالة “بلومبرغ” للأنباء، إلى إنه “مع اقتراب تولي الرئيس بايدن زمام الأمور، تقوم العديد من الأطراف المتحاربة بالتخفيف من حدة نشاطها، في توقع لدور أمريكي أكثر نشاطا في المنطقة”. 
وبالرغم من أن جوزيف بايدن، تحدث كثيرا عن ملف حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، كما تحدث عن التزامه بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير في العالم، وأكّد أنه سيطبق سياسة أكثر صرامةً تجاه الديكتاتوريات العربية، عبر الضغط عليها لاحترام حقوق الإنسان في بلدانها، ووعد بأنه سيعاقب الدول المتورّطة في جرائم حرب اليمن، بالحدّ من صفقات الأسلحة معها، وتوعد بالاسم المملكة العربية السعودية التي تقود هذه الحرب، إلا ان بعض المراقبين اعتبروا تلك التصريحات مجرد حملات للدعاية الانتخابية. 
لكن رئيس منظمة “هيومن رايتس ووتش” كينيث روث، صرح يوم 13 كانون الثاني/يناير مطالبا الرئيس الجديد بالعمل على استعادة مصداقية بلاده فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الداخل والخارج، وذلك بعد ما وصف رئيس المنظمة الحقوقية حقبة الرئيس ترامب بـ”أربع سنوات من امتهان المبادئ الديمقراطية” كما وجه روث العديد من المطالب للرئيس بايدن، من بينها إلغاء صفقات السلاح لدول مثل مصر والسعودية وإسرائيل. وقال في تصريح لوكالة “رويترز”؛ “إن الرئيس دونالد ترامب استهان بحقوق الإنسان في الداخل، وتفاوتت انتقاداته لسجلات الدول الأخرى في تلك الحقوق”. وأضاف: “إن على بايدن أن يجعل من حقوق الإنسان حجر زاوية في السياسة الخارجية الأمريكية”. 
الملف الإيراني 
الملف الإيراني يمثل عصا الرحى في سياسات إدارة بايدن الشرق أوسطية، فقد أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن في جلسة المصادقة على تعيينه في المنصب أمام مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء 19 كانون الثاني/يناير؛ أن”حكومة الرئيس بايدن مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، شرط أن تفي طهران مجدداً بالتزاماتها”. وقال بلينكن إن الرئيس المنتخب “يعتقد أنه إذا عادت إيران للتقيد بالاتفاق، فنحن أيضاً سنتقيد به” مشيراً إلى أن إدارة بايدن ستلجأ إلى ذلك “كنقطة انطلاق، مع حلفائنا وشركائنا الذين سيكونون مجدداً إلى جانبنا، سعياً لاتفاق أقوى يستمر وقتاً أطول” معتبراً أن أي اتفاق جديد يجب أن يشمل البرنامج الإيراني للصواريخ البالستية، بالإضافة إلى “أنشطتها المزعزعة” للشرق الأوسط. وقال بلينكن؛ “إيران ستكون أكثر خطورة مما هي عليه الآن في حال امتلكت السلاح النووي أو أوشكت على تصنيعه سريعاً”. 
كما صرح الجنرال المتقاعد لويد أوستن المرشح لوزارة الدفاع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ بالقول؛ “إن إيران شكلت تهديدا لحلفاء الولايات المتحدة والقوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة”. وأضاف في جلسة الاستماع “تواصل إيران دورها كعنصر مزعزع للاستقرار في المنطقة، وتشكل تهديدا بالفعل لشركائنا في المنطقة والقوات المتمركزة فيها”. وفيما يخص الملف النووي، قال أوستن؛ “إن تمكنت إيران من الحصول على قدرات نووية، فإن كل مشكلة تواجهنا ستزداد تعقيدا”. 
من قراءة التصريحات السابقة بالإضافة إلى تصريحات للرئيس بايدن حول الملف الإيراني يتضح أن موقف الإدارة الجديدة هو الرجوع إلى الاتفاق النووي كخطوة أولى يجب أن تنفذ سريعا مع الضغط على طهران لتحجيم مشروعها الصاروخي، ومطالبتها بايقاف دعم وتحريض شركائها الإقليميين في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كما تم طرح فكرة إجراء تعديل على الاتفاق النووي ليضم قوى إقليمية بينها السعودية والإمارات. 
وفي جانب ذي صلة بالملف الإيراني، رأى البعض أن المصالحة الخليجية بين قطر ودول المقاطعة الاربع خطوة استباقية لاستقبال إجراءات إدارة بايدن في الشرق الأوسط، فقد قرأها البعض على أنها محاولة سعودية لتصفير مشاكلها في المنطقة بعد أن خسرت دعم ترامب، بينما قرأها آخرون على أنها محاولة سعودية إماراتية لفتح حوار مع إيران، وهذا ما أعلنه يوم الثلاثاء 19 كانون الثاني/يناير وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني كمشروع حوار ومصالحة بين إيران ودول مجلس التعاون، ولم تظهر ردود الفعل الخليجية على الموضوع بعد، بينما رحبت إيران من جانبها بالمقترح على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف. 
ملف الصراع العربي الإسرائيلي 
 يمثل الأمن القومي الإسرائيلي خطا أحمر في الاستراتيجيات الأمريكية ولمختلف الإدارات جمهورية كانت أم ديمقراطية، إلا إن هناك بعض التفاصيل التي قد تنعكس على آليات العمل على هذا الملف الشائك، فقد سعى الديمقراطيون جاهدين منذ إدارة كارتر لتبني معاهدات السلام بين العرب وإسرائيل، وقد تبنت الإدارات الديمقراطية حل الدولتين ودعمته في إدارات كلينتون وأوباما، لكن الكثير من الجهود تعثرت وفشلت، وقد انعكس ذلك على شكل برود بين إدارة نتنياهو اليمينية المتطرفة وإدارة أوباما في آخر أيام ولايته الثانية. 
لذلك يتخوف الإسرائيليون من القادم من سياسات إدارة بايدن، خصوصا بعد المكاسب التي أغدقها عليهم ترامب من دون مقابل. إلا إن بعض المراقبين يقرأون عمليات التطبيع التي انخرطت فيها أربع دول عربية جديدة أضيفت إلى الدولتين السابقتين على أنها مؤشر قد يقود لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وقد تنضم لقطار التطبيع دول أخرى مثل سلطنة عمان قريبا. 
لكن يبدو أن إدارة بايدن تعلمت الدرس من فشل الجهود الكبيرة التي بذلتها إدارة أوباما، وتحديدا وزير خارجيته جون كيري، لحل الأزمة وتطبيق شروط السلام بين الطرفين على أساس حل الدولتين. لذا يبدو أن إدارة بايدن تنوي التعامل ببرود مع هذا الملف، وهذا ما نقرأه في تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي قال؛ إن التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في ذلك النزاع هي “حل الدولتين” ولكنه شكك في تصريحه أمام مجلس الشيوخ بإمكانية تحقيق هذا الحل على المدى القصير. وأوضح بلينكن؛ “يظن الرئيس، وأنا شخصياً، أن السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية مع إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، هو عبر حل الدولتين، واقعياً أظن أنه سيكون من الصعب تحقيق أي شيء على هذا الصعيد في المدى القصير” لكنه دعا الإٍسرائيليين والفلسطينيين فوراً “إلى تجنب اتخاذ خطوات تزيد هذه العملية تعقيداً”.