الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدارة المياه في العالم العربي... مصدراً للنمو

إدارة المياه في العالم العربي... مصدراً للنمو

28.08.2018
أندرز جاغرسكوغ وباسكال ستيدوتو


الشرق الاوسط
الاثنين 27/8/2018
طعم مياه الشرب في قطاع غزة كطعم مياه البحر. فقد أدت سنوات من الإهمال وسوء الإدارة، وذلك بسبب النزاعات المتكررة إلى حد كبير، إلى استنفاد طبقة المياه الجوفية الطبيعية في القطاع بشكل مطرد، لتحل محلها مياه البحر ومياه الصرف الصحي غير المعالجة، وهو ما يثير القلق الشديد بشأن الصحة العامة.
وفي سوريا، دمرت سلسلة من موجات الجفاف التي ضربت البلاد منذ عام 2006 سبل العيش لملايين السوريين الذين اعتمدوا على الزراعة. وقد قدرت الأمم المتحدة أنه بين عامي 2008 و2011، أثر الجفاف على 1.3 مليون شخص في البلاد، منهم 800 ألف تضرروا بشدة، حيث اضطر الناس إلى ترك أراضيهم، وارتفعت مستويات الفقر، وعانى جزء من السكان من انعدام الأمن الغذائي.
لم تكن أزمات المياه القاسية هذه هي سبب عدم الاستقرار الذي تعيشه غزة وسوريا، لكن النزاع في غزة جعل الوضع السيئ أسوأ، إذ منع إدارة مورد طبيعي حيوي، مما أدى إلى كارثة بيئية، وكان يمكن لبعض السياسات الرامية إلى تخفيف آثار الجفاف في سوريا أن تبقي الناس في أراضيهم، وتحميهم من الوقوع في براثن الفقر. ورغم أن أياً من هاتين الأزمتين لم تكن السبب المباشر للنزاع، فإنهما تغذيان الإحباطات التي تؤدي إلى عدم الاستقرار.
إن ندرة المياه وعدم الاستقرار أمران يغذي أحدهما الآخر؛ الأزمات المائية تحد من قدرة الأفراد والمجتمعات على الحفاظ على سبل عيشهم واستقرارهم السياسي. فالأوضاع الهشة - التي تتسم بوجود مؤسسات ضعيفة غير فعالة، وتاريخ من الصراع، ونظم سبل عيش غير مستدامة، وبنية أساسية متدهورة أو متضررة - تعمل كمضاعِف للتحديات التي تواجهها الإدارة المستدامة للمياه. وتؤدي هذه الطبيعة المركبة للماء والهشاشة إلى حلقة مفرغة، بحيث تعزز كل منهما الأخرى ضمن دوامة خطرة.
لكن الخبر السار هنا هو أن هذه الحلقة المفرغة يمكن كسرها. لن يكون ذلك سهلاً أو سريعاً، لكن الإجراءات الرامية إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية المستنزفة في المنطقة، وتحسين إدارتها، ستساهم أيضاً في بناء أسس الاستقرار. ويجب على صانعي السياسات والممارسين والباحثين في المنطقة تركيز الاهتمام على دور المياه كعامل خطر في النظم الهشة، واعتماد السياسات التي تحول إدارة وتخصيص الموارد المائية إلى قوة تربط المجتمعات بعضها ببعض.
ولقد أدى تزايد السكان في المنطقة، والتوسع الحضري السريع، إلى زيادة الطلب على المياه، في حين أن الأضرار المناخية تجعل ندرة المياه أشد قسوة. وبالتالي، ليس هناك مجال لإضاعة الوقت.
يتطلب الأمن المائي في المنطقة الذهاب إلى ما هو أبعد من زيادة الإمدادات المائية المباشرة، إذ يستلزم التركيز على ضمان إدارة مستدامة للموارد، وتقديم خدمات فعالة وبأسعار معقولة. إن مثل هذا النهج المتوازن يعزز القدرة على تحمل الصدمات والأزمات الممتدة، مثل الجفاف أو النزاع أو تدفق اللاجئين، مع معالجة الاحتياجات الفورية، مثل الأمن الغذائي.
وسوف تعالج محطة لمعالجة المياه تم الانتهاء من بنائها أخيراً في شمال قطاع غزة، بتمويل من البنك الدولي، التهديد الذي تتعرض له الصحة العامة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة. وستستخدم المياه المعالجة لتجديد طبقة المياه الجوفية في غزة، وإنشاء موارد مائية للزراعة. وينبغي أن تركز التدخلات المتعلقة بإدارة المياه على زيادة الدخل، وبناء نظم غذائية مرنة، وتعزيز الوصول إلى الأسواق، حتى يتمكن الناس من الحصول على أغذية آمنة ومغذية، حتى لو منعتهم الأزمة من زراعة ما يكفي من الغذاء بأنفسهم.
في الأردن، دعمت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تحسين سبل المعيشة الريفية للمجتمعات التي تعاني من مشكلات البيئة وندرة المياه، وذلك من خلال مشروع يهدف إلى زيادة حصول صغار المنتجين والمجتمعات والمهجرين على سبل العيش وفرص العمل القائمة على الزراعة. وساعد المشروع على تعزيز التلاحم الاجتماعي، وبناء علاقة إيجابية بين السكان المحليين واللاجئين.
بما أن مشكلات المياه والزراعة كلها مشكلات محلية بالأساس، فإن التشاور والمشاركة المجتمعية والملكية هي أمور حيوية، كما العمل مع أي حكومة محلية قد تكون موجودة على الأرض. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في السياسات والممارسات المبتكرة سيكون مفيداً للغاية. ويمكن أن يوفر البحث وتطوير التكنولوجيا ونقلها مزيداً من التحسينات في كفاءة المياه وإنتاجية المحاصيل في المنطقة.
وبالنظر إلى حجم التحديات التي تواجه كثيراً من البلدان في المنطقة، وكون هذه التحديات مشتركة، وبالنظر إلى الطبيعة العابرة للحدود للقضايا المهمة، مثل تغير المناخ والموارد المائية المشتركة، فإن العمل الجماعي والشراكات أمران ضروريان، حيث يساهم كل منهما في الاستقرار المحلي والإقليمي.
هذه الروابط بين إدارة المياه والهشاشة والنزاعات يتم مناقشتها جميعاً في تقرير "الفاو" والبنك الدولي، الذي صدر أخيراً بعنوان "إدارة المياه في النظم الهشة"، والذي يناقش كيف يمكن للاستثمارات في المياه أن تساعد في تحقيق الاستقرار من خلال تلبية احتياجات سبل العيش على المدى القصير، ومعالجة تحديات الاستدامة على المدى الطويل.
* أندرز جاغرسكوغ مسؤول أول إدارة موارد المياه في البنك الدولي
* باسكال ستيدوتو منسق البرامج الاستراتيجية الإقليمية في المكتب الإقليمي لـ"الفاو" في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا