الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إجرام نظام البعث في دمشق.. بين الإدانة والتبرير

إجرام نظام البعث في دمشق.. بين الإدانة والتبرير

27.04.2017
إبراهيم بن محمود النحاس

الرياض
الاربعاء 26/4/2017


إذا كانت المواقف الدولية التي أدانت نظام البعث في دمشق تستند لمبادئ القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان، فكيف يمكن فهم المواقف الدولية التي تبرّر إجرام وإرهاب نظام البعث في دمشق؟
تدمير الدولة السورية وإبادة شعبها سياسة انتهجها نظام البعث المسيطر على السلطة بقيادة المدعو بشار الأسد.. هذه السياسة التدميرية والهدامة التي تبناها نظام البعث والمستمرة لما يزيد على الستة أعوام (منذ مارس 2011م) استخدمت فيها أساليب متطرفة وإرهابية، وأدت إلى نتائج مأساوية على مستوى الدولة السورية وعلى مستوى الإنسان السوري. وللتذكير فقط، يمكن عرض بعض الأساليب المتطرفة والإرهابية، وجزء يسير جداً من نتائجها المأساوية لنتعرف على ماهية نظام البعث في دمشق.
ففيما يتعلق بالممارسات والأساليب المتطرفة والإرهابية، يمكن عرض بعض منها بالآتي:
أولاً: استخدام أحدث أنواع السلاح من طائرات حربية ومروحيات قتالية وقنابل وصواريخ لضرب المدن السورية واستهداف المساكن المدنية بشكل عشوائي ومتكرر. هذه الممارسات يمكن أن تتجاوز في وصفها العمل الإرهابي والمتطرف لتصل لمرحلة جرائم الحرب، لأنها ممارسات محرمة في الحروب الدولية بين الأعداء، بينما نظام البعث في دمشق يمارسها ضد أبناء الشعب السوري.
ثانياً: تكرار استخدام الأسلحة الكيماوية ضد أبناء الشعب السوري. فأول استخدام للسلاح الكيماوي تم رصده كان في أغسطس 2013م عندما تم ضرب المدنيين في الغوطة. أما الاستخدام الثاني للسلاح الكيماوي الذي تم رصده فكان في أبريل 2017م في خان شيخون حيث تم استهداف المدنيين عن طريق هجوم جوي. هذان العملان المتطرفان والإرهابيان باستخدام السلاح الكيماوي يصنفان دولياً بأنهما جرائم حرب بشكل عام، فكيف إذا كان الاستخدام ضد المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ.
ثالثاً: استخدام البراميل المتفجرة ضد المناطق المدنية المأهولة بالسكان. هذا العمل المتطرف والإرهابي يمارسه نظام البعث في دمشق بشكل شبه يومي ضد أبناء الشعب السوري في مختلف المدن السورية.
أما فيما يتعلق بالنتائج المأساوية للممارسات المتطرفة والإرهابية لنظام البعث في دمشق، فيمكن عرض جزء يسير جداً منها بالآتي:
أولاً: قتل حوالي نصف مليون سوري من المدنيين. هذا العدد المتحفظ يأتي حسب ما جاء في التقرير العالمي لمنظمة حقوق الإنسان لعام 2016م الذي نقله التقرير عن منظمة "المركز السوري لبحوث السياسات" البحثية المستقلة.
ثانياً: تهجير ما يزيد على الستة ملايين سوري وقرابة خمسة ملايين طالبي لجوء. هذا الإحصاء بحسب ما جاء في التقرير العالمي لمنظمة حقوق الإنسان لعام 2016م نقلاً عن "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، والذي أضاف أيضاً بأنه حتى "منتصف عام 2016م هناك حوالي مليون سوري يعيشون في المناطق المحاصرة ومحرومون من المساعدات الضرورية للحياة والمساعدات الإنسانية". هذا يعني أن نصف أبناء الشعب السوري تم تهجيرهم من أرضهم ووطنهم، وأيضاً هذا يعني أن هناك سياسات أعمق بكثير تهدف لتفريغ الدولة السورية من أبنائها عن طريق استخدام أشد أنواع التطرف والإرهاب ضد أبناء الشعب السوري ليهاجروا أو يواجهوا مصير من سبقهم بالقتل والتعذيب.
وإذا كانت هذه الممارسات المتطرفة والإرهابية التي يمارسها نظام البعث في دمشق أدت إلى نتائج مأساوية ترقى لمرحلة الوصف بأنها جرائم حرب، فإن هناك جانباً آخر يعتبر أكثر تطرفاً وإرهاباً والذي يتمثل في:
أولاً: الاستعانة بأعداء الأمة العربية لقتل وتهجير أبناء الشعب السوري. فنظام البعث في دمشق فتح المجال السوري كاملاً للنظام السياسي الإيراني ذي التوجهات المتطرفة والطائفية والعنصرية ليعذب ويقتل ويهجر أبناء الشعب السوري.
ثانياً: الاستعانة بالتنظيمات والجماعات الإرهابية مثل تنظيم داعش والمليشيا الإيرانية في لبنان المسماة "حزب الله" الإرهابي وغيرها من تنظيمات إرهابية لتقتل وتهجر أبناء الشعب السوري.
ثالثاً: الاستعانة بقوى دولية كالدولة الروسية وفتح المجال لها لاستخدام أحداث الأسلحة وما توصلت له تكنولوجيا الحروب لضرب أبناء الشعب السوري الأعزل.
هذا العرض الموجز جداً لما تعرض وما يتعرض له أبناء الشعب السوري الذين سُلبت حياتهم بالقتل والتعذيب وهجروا من وطنهم ودمرت مكتسباتهم التي عملوا عليها على مدى عقود وتم التعدي على كرامتهم بوجود أعدائهم على أرضهم، يطرح تساؤلاً مهماً ومتكرراً، يتمثل بالآتي: هل من إدانة لإرهاب نظام البعث في دمشق؟
يُعتقد بأن الإجابة على هذا التساؤل لا تحتاج إلى كثير من التفكير لأن المنطق يقول بأن الإرهاب وممارساته مرفوضة ومُدانة على جميع المستويات الدولية، وبالتالي فإن ما يقوم به نظام البعث في دمشق تجاوز مرحلة الإدانة السياسية إلى مرحلة الاتهام القانوني المتعلق بجرائم الحرب الدولية. ولكن هذا المنطق القانوني قبل الإنساني لم يكن هو الحاضر لدى جميع الدول حيث تباينت المواقف والرؤى بين مواقف دولية أدانت وجرمت نظام البعث في دمشق، ومواقف دولية أخرى عملت على تبرير إجرامه وإرهابه ضد أبناء الشعب السوري. وما بين هذه التباينات في المواقف الدولية استمرت معاناة أبناء الشعب السوري.
وإذا كانت المواقف الدولية التي أدانت نظام البعث في دمشق تستند لمبادئ القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان، فكيف يمكن فهم المواقف الدولية التي تبرر إجرام وإرهاب نظام البعث في دمشق؟
أعتقد أنه يمكن فهم وتقبل تبريرات بعض المواقف الدولية من إجرام نظام البعث في دمشق بمنطق واحد فقط وهو أن الإرهاب وجرائم الحرب مبدأ من مبادئ القانون الدولي التي أقرتها المنظمات الدولية وصادقت عليها الدول.. فهل هذا هو ما تم فعلاً؟!
إن إدانة إجرام وإرهاب نظام البعث في دمشق ضد أبناء الشعب السوري قرار يُشرف الدول ونظمها السياسية وتاريخ تفخر به شعوبها. وفي المقابل فإن المواقف الدولية التي تبحث عن أسباب تبرر الإرهاب وجرائم الحرب تعتبر مواقف لا أخلاقية وغير إنسانية لأنها تسعى لمكاسب سياسية على حساب المتاجرة بدماء الشعوب.
وفي الختام، من الأهمية القول إننا في مملكة الإسلام المملكة العربية السعودية نفخر بموقف دولتنا المعبر عن وقوفها التام والصريح والمباشر مع أبناء الشعب السوري سياسياً وإنسانياً خلال الأعوام الماضية. هذا الموقف السعودي أُعيد التأكيد عليه خلال القمة العربية الثامنة والعشرين التي عقدت بالأردن في مارس 2017م، حيث جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله) التالي: "ما زال الشعب السوري الشقيق يتعرض للقتل والتشريد، مما يتطلب إيجاد حل سياسي ينهي هذه المأساة، ويحافظ على وحدة سوريا، ومؤسساتها وفقاً لإعلان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن رقم (2254)." هذا الموقف المشرف يعبر تماماً عن مبادئ وقيم إسلامية ومواقف عربية أصيلة عُرفت بها القيادة السعودية تاريخياً.