الرئيسة \  تقارير  \  أي دور مستقبلي لأمريكا في العالم؟

أي دور مستقبلي لأمريكا في العالم؟

09.10.2021
لور ماندفين


لوفيجارو : لور ماندفين  
أخبار الخليج
الخميس 7/10/2021
أي دور مستقبلي لأمريكا في العالم؟ ذلك هو السؤال الذي يُطرح الآن بعد أن خرجت الولايات المتحدة الأمريكية تجر أذيال الخيبة من أفغانستان، بقرار من الرئيس جو بايدن، وبعد كارثة التدخل العسكري في العراق؟ تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية إذًا من أفغانستان تحت أنظار الروس والصينيين والعالم الذي يتساءل عن مستقبل الدور الأمريكي على الساحة السياسية الدولية.
ما القوة التي يجب أن تكون عليها أمريكا؟ يتصاعد الجدل على قدم وساق في واشنطن، حيث يمكن أن يتحول مشهد مغادرة الأمريكيين أفغانستان من دون طبول أو أبواق في أواخر أغسطس إلى هزيمة جيوسياسية لجو بايدن بعد أن أحكمت حركة طالبان قبضتها في النهاية على العاصمة كابول.
عشرون عاما من العمليات العسكرية والاستثمارات الضخمة للوصول إلى هناك؟ إذن الأمريكيون لم يتعلموا شيئًا من الكارثة السوفيتية التي دمرت الإمبراطورية السوفيتية التي تفككت وانهارت مع نهاية الحرب الباردة سنة 1989؟ تساءل مراقب روسي مذهول وتساءل معه الكثيرون في العالم.
في الحقيقة، يعكس القرار الذي اتخذه الرئيس جو بايدن بالانسحاب من أفغانستان الحالة الذهنية العامة لمواطنيه الأمريكيين، الذين سئموا الحروب التي لا تنتهي وباتوا يدعون إلى إعادة بناء الأمة الأمريكية. لكن الرئيس بايدن كان قد أعلن أن أمريكا قد عادت” إلى المسرح العالمي. إذن ما هذه العودة؟
يقول السفير دان فريد، الذي كان مساعدًا لوزير الخارجية للشؤون الأوروبية والروسية في عهد بوش: لا يشك أحد من الدبلوماسيين في واشنطن في تجربة فريق السياسة الخارجية لبايدن. وزير خارجيتها، أنتوني بلينكين، دبلوماسي محنك، تدعمه شخصيات محترمة”.
في الحقيقة، رغم أن هذه التعيينات قد أشاعت كثيرا من الارتياح في واشنطن، فإنها لم يزيلوا تبدد الشكوك حول مستقبل القيادة الأمريكية. لأنه إذا ادعى الرئيس دورًا رئيسيًا لبلده، في حديثه عن معركة قادمة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية”، فإن المرء يشعر بفجوة بين الكلمات والقدرة على الفعل الحقيقي.
يعزى هذا الأمر في المقام الأول إلى القيود الداخلية. لم يقض رحيل الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب على الأزمة الداخلية العميقة التي قسمت الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما لاحظته الباحثة الروسية فيونا هيل عندما كتبت تقول أن السياسة الخارجية قد أصبحت شديدة الحزبية، ما يمنع ما تسميه الطموحات الكبيرة” مضيفة قولها: لقد أصبحت الانقسامات الداخلية كبيرة لدرجة أن القدرة على العمل الجماعي قد بدأت تتآكل.. منذ عام 2016. أصبحت السياسة الخارجية حزبية”.
في الواقع، من اللافت للنظر أن جو بايدن اتخذ شعار الحذر”، مرددًا بذلك صدى سلفيه أوباما وترامب، وهو شعار يرمي أساسا إلى تبني سياسة خارجية للطبقات الوسطى وإعطاء الأولوية ومنح الامتيازات لحماية المصالح الصناعية والتجارية الأمريكية للبلاد، وهو ما يعكس أيضا رغبة إدارة جو بايدن في مراعاة التيار الشعبوي” القوي الموالي لدونالد ترامب، مع تقليص حجم الوجود الأمريكي في الخارج والتركيز على إعادة بناء الأمة الأمريكية وسد الانقسامات المعوقة.
كان الرئيس جو بايدن قد وافق على استئناف الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن نزع السلاح، بعد أن وصف الأخير بـ”القاتل”. كما فاجأ البولنديين والأوكرانيين ودول البلطيق بالتنازل عن العقوبات المفروضة على خط أنابيب الغاز نورد ستريم” الروسي، لإعادة علاقته مع ألمانيا إلى مسارها الصحيح.
موقف اعتبره البعض، مثل المحلل أندرو ميتشتا، بمثابة اعتراف بـ”الضعف” في اللحظة التي أعلن فيها الرئيس عودة أمريكا” إلى أوروبا. إن هذا الأمر يراوح ما بين الحزم والصرامة من ناحية والسياسة الواقعية من ناحية أخرى، وهو ما يعكس أيضًا مقاربات متباينة بين صقور وزارة الخارجية و”الواقعيين” في مجلس الأمن القومي الأمريكي.
أما في أوروبا الشرقية، فإنه يخشى أن تستغل روسيا أو الصين الأزمة الديمقراطية في أمريكا لاختبار صرامة واشنطن. فقد اعتبر القرار الأمريكي بشأن مشروع نورد ستريم” على أنه يمثل تخليا عن أوكرانيا.
 
يؤكد السفير الجورجي السابق تيموري ياكوباشفيلي أنه بالنسبة إلى العديد من دول ما بعد الشيوعية، فإن الارتباك الغربي والانسحاب الأمريكي الكارثي من أفغانستان والفشل الذي حصدته واشنطن في العراق، عوامل جيوسياسية تفرز مشهدًا مربكًا، ما قد يدفعان نحو الصين.
أما الموضوع الرئيسي الثاني فهو يتعلق بالقوة الصينية الصاعدة بسرعة، حيث حمل بايدن شعار منافسة القوى العظمى، الذي كان قد أطلقته إدارة ترامب في موقفها من الأمن القومي في عام 2018. ملتزمًا بمبدأ الدفاع عن تايوان وكبح صعود بكين التكنولوجي.
يقول السفير دان فريد: يريد بايدن تقوية القواعد الدولية لإجبار الصينيين على ممارسة قواعد اللعبة. إنه يمثل نسخة حديثة من التقليد التقدمي لتيدي روزفلت، وودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت، فكرة أن الإصلاح ضروري في الداخل لدفع أقصى اليمين واليسار إلى الوراء”.
رغم أن هذا النهج قد لقي قبولاً جيدًا في أوروبا، حيث كانت هناك حركة محددة” لتشديد القواعد تجاه بكين، فإن الأوربيين يعتبرون أن الفصل الاقتصادي، الذي تريده واشنطن لإضعاف الصين، يعد مسألة غير واقعية.
ومن اللافت أيضا أنه بإيعاز من وزيرة الخزانة جانيت يلين، تستعد حكومة الولايات المتحدة لإزالة التعريفات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على السلع الصينية من أجل تقليل معدلات التضخم المتفاقمة والمقلقة.
أما راش دوشي، المسؤول عن الملف الصيني في مجلس الأمن القومي الأمريكي، فهو يقول في كتاب صدر مؤخرًا إن الصين تهدف إلى تشكيل عالم القرن الحادي والعشرين بنفس الطريقة التي صاغت بها أمريكا القرن العشرين”.
في معرض حديثه عن فكرة الانفصال الاقتصادي وإبرام صفقة كبيرة” مع سلطات بكين، يرى هذا المسؤول في كتابه الجديد أن المخرج الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية من أزمتها الحالية يكمن في تكريس المنافسة الشديدة، والتي تتضمن إعادة بناء اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وتجديد نظامها التعليمي، إضافة إلى إنشاء نظام من التحالفات والمؤسسات الدولية القوية (مع الهند واليابان وأستراليا وأوروبا... إلخ).
أشار الخبير الاستراتيجي ويس ميتشل مؤخرًا إلى أن حكومة بايدن أدركت أن حلفاءها الفرنسيين والألمان واليابانيين والكوريين الجنوبيين لا يريدون الدخول مع واشنطن في أي حملة عنيفة معادية للصين أو لروسيا تتعارض مع مصالحهم الاقتصادية.
بعد الإصرار على فكرة صدام ما بين النظام الديمقراطي و”النظم الاستبدادية”، يبدو أن جو بايدن قد تخلى، ولو جزئيًا عن نهجه في التقسيم الأخلاقي والسياسي، والذي من شأنه أن يقيد ويضر بالمصالح الأمريكية، ليضع رجليه بالتالي على أرض الواقع.
تقول فيونا هيل: لسوء الحظ بالنسبة إلى بايدن، نظرًا إلى حالة الضعف التي تعاني منها الولايات المتحدة، والموقف الواضح غير الديمقراطي والمعرقل للجمهوريين، يجب أن تكون طموحات سياسته الخارجية متواضعة إلى حد ما”.
تشير فيونا إلى تهديدين وجوديين” يتمثلان في التهديد المناخي والوباء، والتي من الملح العمل بشكل جماعي بشأنهما، لا سيما مع الصين وروسيا. لو كنت أنا بايدن، لكنت سأركز على هذا ولا أحاول خوض معركة كبيرة مع الصين، حتى لو اضطر المرء إلى إضعاف قدراتها الاقتصادية وصد أي عدوان عسكري ضد تايوان”،
تعد فيونا هيل خبيرة متمرسة في العالم الروسي وفي الرئيس فلاديمير بوتين على وجه الخصوص، وقد عملت مدة عامين مستشارة للرئيس الملياردير دونالد ترامب في البيت الأبيض مكلفة بكل من روسيا” و”أوروبا” داخل مجلس الأمن القومي، وهي تؤكد اليوم وجود علاقة وثيقة اليوم بين الأزمة الديمقراطية الأمريكية والعقدة التي تعاني منها السياسة الخارجية لإدارة جو بايدن.
ينتظر أن يصدر لفيونا هيل كتاب مهم في شهر أكتوبر القادم بعنوان لا شيء يهمك هنا” وهي تركز فيه على تحليل اللحظات الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن.
كانت هذه الخبيرة تشغل في الماضي منصب المديرة السابقة للبرنامج الروسي والأوروبي في معهد بروكينغز وهي تعتبر أن أكبر تحدٍ في السياسة الخارجية لأمريكا يتمثل في أزمتها الداخلية وهي تتساءل في هذا الصدد قائلة:
كيف يمكن لواشنطن أن تكون مؤثرة على المسرح العالمي عندما يكون الأمريكيون في حالة حرب مع بعضهم البعض؟ مشكلتنا الرئيسية هي نحن وانقساماتنا الحزبية”، مضيفة أن حالة الانقسام بين النخب وأمريكا المنسية قد أصبحت تمثل أزمة أمن قومي” في الولايات المتحدة الأمريكية.
رغم أن هذه الخبيرة البارزة قد شهدت ضد دونالد ترامب في مجلس الشيوخ فقد عبرت عن وجهة نظر أساسية بقيت تقريبًا من دون صدى في الصحافة الأمريكية. فقط قالت فيونا هيل إنها على ثقة ومقتنعة تماما بأن دونالد ترامب لم يكن أبدًا عن قصد” رجل الروس. فالفكرة التي تقول أنهم هم الذين نصبوه خاطئة تماما”والأهم من ذلك كله، حسب فيونا، أن ترامب كان يريد عقد صفقة كبيرة مع روسيا بشأن نزع السلاح على غرار رونالد ريجان الذي كان قد تفاوض مع ميخائيل جورباتشوف، آخر رئيس سوفيتي.
=========================