الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أي خطر يشكِّله بولتون؟

أي خطر يشكِّله بولتون؟

28.05.2019
مالك ونوس


العربي الجديد
الاثنين 27/5/2019
يثير الاستغرابَ تداولُ موضوع الخطر الذي يشكله مستشار الأمن القومي، جون بولتون، على أميركا، اعتماداً على افتراضات أن الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران مفتعلة، ولبولتون بالتحديد يدٌ في تأجيجها. فتصعيدٌ من هذا القبيل لا يحتاج إلى مسؤولٍ أميركي مثله، ينتمي إلى الصقور من المحافظين الجدد، لكي تُلصق به أسباب التصعيد، وتداعياته المحتملة على الولايات المتحدة؛ إذ إنه أمرٌ يعدّ من صلب عقيدة السياسة الأميركية لزيادة سيطرتها. وإن كان بولتون لم يستطع كتْمَ نشوَته، فسارع وقام مقام البنتاغون (وزارة الدفاع) بإعلان توجُّه حاملة الطائرات أبراهام لنكولن إلى الخليج العربي، فإنه ليس سوى الوجه الذي تبدَّت فيه جميع وجوه الشرّ التي تُحكم قبضتها على قرار الحرب في واشنطن.
تعدَّد الدافعون، إضافة إلى بولتون، وتعدّدت الدوافع والأسباب التي أدت بالولايات المتحدة إلى تحريك قطعها الحربية، وخصوصاً حاملة الطائرات أبراهام لنكولن وقاذفات بي 52 الاستراتيجية إلى منطقة الخليج، تكليلاً للتصعيد اللفظي، وتحضيراً لحربٍ عسكريةٍ على إيران. وهي حربٌ لا يمكننا سوى التسليم بأنها بدأت للتوّ اقتصاديةً، مع خطوة تصفير بيع نفطها، فمِنَ الدافعين للحرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذاته، والإسرائيليون ودول في الخليج، ولا سيما السعودية التي يهجس وليّ عهدها بأن قوته واستقرار بلاده يزدادان مع إضعاف إيران وضربها. وليس الإتيان ببولتون إلى البيت الأبيض، لشغل موقع مستشار الرئيس للأمن القومي، سوى خطوة من أجل تركيز العوامل التي تؤدي إلى إضعاف الخصوم (وحتى بعض الحلفاء)، علاوة على الهدف الأهم، وهو هندسة الحروب التي يسعى ترامب إلى شنِّها.
يرى بولتون "الدبلوماسية مضيعةً للوقت". وتكفي هذه العبارة لمعرفة ما رمى إليه ترامب، حين استقدمه من مشاغله خارج السياسة، لكي يكون مروِّج حروبه، وضاغط زناد إشعالها. وهنالك انطباعاتٌ تشير إلى أن ثقل بولتون ونفوذه مكَّناه من تجاوز الصلاحيات المعطاة له، وقد تعدّى وظيفته الاستشارية لتصبح تنفيذية. يؤيد هذا الكلام أن الرجل هو من أعلن توجّه
يرى بولتون الدبلوماسية مضيعةً للوقت. وتكفي هذه العبارة لمعرفة ما رمى إليه ترامب، حين استقدمه من مشاغله خارج السياسة  حاملة الطائرات إلى الخليج لا وزارة الدفاع، فهذه الصلاحيات محصورة بالأخيرة، ولا يحق لمستشار إعلانها. وهو بذلك ربما يريد الإيحاء بأن الحرب حربه، وفيها تنفيذٌ لما يؤمن به، من موقعه واحداً من صقور المحافظين الجدد، بشأن تغيير الأنظمة التي لا يرضى عنها البيت الأبيض، فالرجل كان من أهم مروِّجي فكرة دول محور الشر التي تبناها الرئيس الأسبق جورج بوش، وضمَّت، حسب التصنيف الأميركي، كوريا الشمالية والعراق وإيران. وأضاف بولتون نفسُه إليها سورية وليبيا وكوبا. كما كان من أشد داعمي فكرة الحرب على العراق سنة 2003. وبتعيينه، إلى جانب نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، يكون ترامب قد أحاط نفسه بأهم محبي الحرب في إدارته.
لا تغيب الأيادي الإسرائيلية عن موجة التصعيد الحالية؛ إذ تسرّبَ أن الإسرائيليين زوّدوا بولتون صديق إسرائيل، في إبريل/ نيسان الماضي، بمعلوماتٍ عن سيناريوهات هجماتٍ تعدّها إيران لضرب المصالح الأميركية ومصالح الحلفاء العرب، وهو ما استدعى التحرّك العسكري الحالي. ولا يوجد جديد في موضوع الدفع الإسرائيلي نحو مواجهة إيران، وهي التي ما انفكّت تردّد كلامها حول تحوّل إيران إلى قوة إقليمية، مهدّدة لاستقرار المنطقة، بعد تمدّدها في عدد من الدول العربية، وتثبيت قدميها فيها. وربما يتضح بعد سنوات مقبلة، عدم صحة هذه المعلومات، وأن هدفها كان جرّ واشنطن لضرب طهران، وكسر شوكتها في المنطقة، إن لم يكن تغيير نظام الحكم فيها. لذلك رأى بعضهم أن أخذ بولتون بالادعاءات الإسرائيلية يمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي.
يمكن الجزم أن قادةً في دول الخليج، خصوصاً ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ليسوا على دراية بأن تداعيات الحرب على إيران ستكون كارثية عليهم بالتحديد. وهم الذين يصدِّقون الأميركيين دائماً حين يردِّدون على مسامعهم أن هدف الحرب على إيران جلب الاستقرار والأمن لبلدانهم. يواظبون على الدفع بسخاء لترامب الذي يدأب بدوره على ترديد لازمة أنه لولا الحماية التي يوفرها جيش بلاده، لسقطت عروشهم من زمن بعيد. وسيدفعون له أيضاً إن شنّ حرباً على إيران، لأنه سيجيِّرها بزعمه أنها تدخل في سياق حمايتهم. وبالنظر إلى حجم التداعيات الضخمة التي تتركها الحرب في سورية على المنطقة، والتي تركتها الحرب على العراق قبل ذلك، فإنها ستكون بسيطةً إذا ما قورنت بحجم التداعيات التي يمكن أن تخلفها الحرب على إيران، بسبب الردود الانتقامية التي قد تلجأ إليها إيران، عبر ضرب عواصم المنطقة بالصواريخ، وربما بتسيير الجيوش إليها.
من جهة أخرى، وفي إطار الرد على إيران، والوقوف في وجهها، دعا ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، إلى عقد قمتين؛ خليجية وعربية في مكة المكرمة، نهاية مايو/ أيار الجاري، لتحديد سبل مواجهة إيران. وجاءت الدعوة بعد استهداف الحوثيين مراكز نفطية سعودية، ومراكز أخرى في المملكة، بالطائرات المسيّرة عن بعد، بدلاً من دعوة الحوثيين، وغيرهم من أطراف أزمة اليمن، إلى التفاوض ووقف الحرب العبثية في هذه البلاد، فهم يرون في دعم إيران الحوثيين عاملاً مكّنهم من استهداف الأراضي السعودية، ولا يرون في الحرب على الشعب اليمني سبباً لذلك الاستهداف.
تقع على إيران مسؤولية سحب المبرّرات، التي دفعت الجميع إلى شيطنتها وتكريسها دريئةً
"إسرائيل زوّدت بولتون بمعلوماتٍ عن سيناريوهات هجماتٍ تعدّها إيران لضرب المصالح الأميركية ومصالح الحلفاء العرب" تتلقى سهامهم الكلامية والفعلية، حين يريدون تصدير أزماتهم، فليس أول تلك المبررات تبجّح مسؤولين إيرانيين بسيطرتهم على أربع عواصم عربية، وبوصول الإمبراطورية الفارسية إلى البحر المتوسط، وهو أمر يجلب العداء لإيران، عداء شعوب المنطقة وعداء أنظمتها، على السواء. وكما أن مسؤولية إيران تكمن في التقاط اللحظة التي سِمَتُها تردُّد ترامب في إعلان الحرب، هذه السِّمَة التي تبدَّت في الكلام عن تبرُّمه من مستشاره، وتبدَّت أيضاً في تركه الباب موارباً للمفاوضات بشأن النزاع بينهما، حين أعلن رقم خط هاتفي، يمكن للإيرانيين طلبه ومكالمة ترامب في حال رغبوا في التفاوض. وبدلاً من ذلك، صمت الإيرانيون، ومن ثم خرج الرئيس الإيراني حسن روحاني، وقال بلهجةٍ تصعيديةٍ في 21 أيار/ مايو الجاري: "الظروف الحالية ليست مناسبة للتفاوض مع واشنطن والمقاومة خيارنا الوحيد".
لذلك يمكن القول إن الخطر الذي يُحكى أن بولتون يشكِّله على أميركا، يشكلّه هو وفريق الحرب في إدارة ترامب على المنطقة أيضاً. وبالنظر إلى مقال كاتب في مجلة نيوزويك الأميركية، نصح فيه بأن أفضل طريقة لتجنب الحرب مع إيران هي إقالة بولتون، فإن تخفيف عدائية زعماء كثيرين في المنطقة العربية وعدائية إيران وعدائية الإسرائيليين، هي أيضاً طريقة فضلى لتجنب حربٍ كهذه. في هذه الحال، ليس من الصعب اكتشاف أن الخطر يتشاطره الجميع، وأن هؤلاء الجميع هم من سيرقصون على أنغام حربٍ لا يدفع أثمانها سوى الشعوب المصادرة الرأي، في زمن الحرب وفي زمن السلم