الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أي أميركا سيحكم الرّئيس المقبل؟ 

أي أميركا سيحكم الرّئيس المقبل؟ 

10.11.2020
أسعد عبود



النهار  
الاثنين 9/11/2020 
بصرف النظر عما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الأميركية المعلقة في انتظار الانتهاء من فرز كامل الأصوات والنظر في الطعون، لا يمكن إلا التوقف عند ظواهر عبّر عنها التنافس الشديد بين الرئيس دونالد ترامب والمرشح الديموقراطي جو بايدن.  
 يطغى أولاً ذلك الانقسام الحاد سياسياً واجتماعياً وثقافياً. عناصر الانسجام والانصهار تتراجع لتحل محلها ثقافة الخوف من الآخر، وثقافة أن البيض في طريقهم كي يصيروا أقلية، وتالياً، يتحتم فعل شيء لمنع ذلك. لكن هذه عملية من شأنها زيادة التوتر والاحتقان في المجتمع. وليس أدل على ذلك من الاضطرابات العنصرية التي تلت وفاة أميركي من أصول أفريقية على يد شرطي أبيض في مينيسوتا في أيار (مايو) الماضي. حركة "حياة السود مهمة" استقطبت كل الليبراليين واليساريين وجزءاً كبيراً من الحزب الديموقراطي في مواجهة الرئيس ترامب ومن خلفه اليمين المتشدد، ليتجلى بذلك واحد من عناصر الانقسام الآخذة في التجذر في المجتمع الأميركي.    
ثانياً، لم يعد ترامب بسلوكه الناري ومفاجآته حالة منعزلة تنقضي بمجرد خروجه من البيت الأبيض. أعداد الأصوات التي حصل عليها الرئيس الجمهوري أعلى بكثير من تلك التي حصل عليها عام 2016، ما يثبت أن "الترامبية" تحولت ما يشبه الحزب الثالث. ظاهرة ترامب استهوت جمهوريين وغير جمهوريين وكل الأميركيين الرافضين أن تستمر أميركا كما كانت قبل مجيء ترامب. من رفع السواتر في وجه المهاجرين، إلى تعزيز الحمائية، إلى الانسحاب من مناطق التوتر في العالم، إلى جعل الحلفاء يشاركون في دفع أعباء الحماية التي توفرها لهم الولايات المتحدة، إلى شن حروب اقتصادية على الصين وحتى على الحلفاء مثل الاتحاد الأوروبي واليابان. هذا الاتجاه الانعزالي يستهوي فئات واسعة من المجتمع الأميركي، التي تريد فعلاً جعل "أميركا أولاً".    
 ثالثاً، الخطاب الشعبوي لترامب وقع على أرض خصبة في المجتمع الأميركي، لا سيما على الجماعات المؤمنة بتفوق العنصر الأبيض. هؤلاء لهم ميليشياتهم ويتكئون على إيديولوجية متطرفة ترفض الذوبان أو التنازل أمام تزايد أعداد الفئات الأخرى في المجتمع، لا سيما من ذوي الأصول الأفريقية والقادمين من أميركا اللاتينية والشرق الأوسط. ولعب ترامب على وتر هذه الجماعات، تماماً مثلما استقطب الإنجيليين المسيحيين من خلال "صفقة القرن" وتشريعات منحت امتيازات للكنيسة في الداخل، لم تكن لتحصل عليها في عهد أي رئيس آخر غير ترامب.  
رابعاً، في مقابل أميركا هذه التي وقفت خلف ترامب، كان هناك أميركا أخرى وقفت ضده بقيادة الديموقراطيين. كل الليبراليين والأقليات التي تخشى الخطاب الشعبوي واستئثار البيض بالامتيازات قاومت ترامب. وكل معارضي الانعزالية وقفوا ضده وتمسكوا بخطاب أن أميركا يجب أن تقود وأن لا تتخلى عن مسؤولياتها في العالم، من الأمم المتحدة ومؤسساتها، إلى حلف شمال الأطلسي، إلى الوفاء بالتزامات ومعاهدات دولية، تمتد من الأمن حتى المناخ.  
 بناءً على ما تقدم، أقبلت الولايات المتحدة على الانتخابات وسط هذا الاستقطاب الحاد، فأتت النتائج على هذا النحو من التقارب، لأن البلاد منقسمة إلى شطرين في التفكير وفي السياسة وفي المثل. ولم يكن تقدم الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية تفويضاً كاملاً، فالجمهوريون حافظوا على غالبيتهم في مجلس الشيوخ وفق كل التقديرات وانتزعوا مقاعد من الغالبية الديموقراطية في مجلس النواب. أي أن الكونغرس المقبل سيبقى منقسماً بين الجمهوريين والديموقراطيين.  
 الانقسام داخل المجتمع الأميركي، كان أكبر حتى من الخطر الذي يمثله فيروس كورونا. لم يكترث مؤيدو ترامب لأي من التحذيرات التي كان يطلقها بعض المسؤولين الصحيين والتي حظيت بمؤازرة الديموقراطيين. وكل الاتهامات التي وجهها بايدن لترامب بأن تجاهله الفيروس، أدى إلى وفاة أكثر من 233 ألف أميركي، لم تهز قاعدة ترامب. بقي الانقسام الإيديولوجي أقوى.  
وحتى لو مضى بايدن في تأكيد فوزه، فإنه سيحكم أميركا منقسمة على نفسها إلى هذا الحد المخيف. ولذلك تواجهه مهمة، إن لم تكن مستحيلة، فهي ليست سهلة أبداً.