الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أيّ سوريا يحتاجها لبنان؟

أيّ سوريا يحتاجها لبنان؟

30.03.2021
جيرار ديب


النهار العربي  
الاثنين 29/3/2021 
تدخّل الرئيس السوري بشار الأسد، الأربعاء الماضي، لإنقاذ حياة مئات المرضى اللبنانيين المصابين بمرض "كوفيد-19" والموضوعين على أجهزة التنفس الاصطناعي، ووجه وزارة الصحة بتأمين 25 طناً من الأوكسجين كدفعة أولى بعد خلوّ مستشفيات لبنانية من هذه المادة. وبيّن وزير الصحة السوري حسن الغباش خلال مؤتمر صحافي عقب لقاء جمعه بوزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، أنه سيتم تزويد لبنان بـ75 طناً من الأوكسجين على مدى ثلاثة أيام بواقع 25 طناً كل يوم. 
على وقع هذا الخبر، انقسم اللبنانيون بين مرحب بهذه الخطوة ورافض لها. صحيح أنّ الوضع كان سيكون كارثياً على المرضى في لبنان، وأنّ التصرف هذا يعتبر إنقاذياً على الصعيد الصحي، لكن يبقى السؤال الرئيسي: هل سيستثمر فريق الممانعة هذه الخطوة التي قام بها وزير الصحة المحسوب على "حزب الله" للضغط من أجل أخذ البلاد شرقاً، أي ربطه بحلف تمتد جذوره إلى إيران؟ وهذا ما نادى وينادي به الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، أم إنّ الموضوع سيبقى ضمن إطار التعاون والتبادل بين جارين تربطهما حدود جغرافية ممتدة على طول حدود لبنان البرية، باستثناء حدوده مع فلسطين المحتلة المغلقة بحكم الصراع مع إسرائيل، وهذا جلّ ما يريده لبنان من سوريا؟ 
من يقرأ ويتابع جمهور محور الممانعة على وسائل التواصل الاجتماعي، يدرك جيداً أنّ الاستثمار في هذا الموضوع واضح، إذ تعدّى المساعدة التلقائية إلى المطالبة بالانضمام إلى محور الشرق بقيادة الجمهورية الإيرانية، حيث نظام بشار الأسد ركن أساسي فيه. ولكن مهلاً، هل قيادة "حزب الله" تنظر إلى الموضوع كما جماهيرها وبيئاتها الحاضنة؟ ربما نعم، ولكن اللبناني يدرك أنّ الحزب لم يستثمر انتصاره على العدو الإسرائيلي في حرب تموز (يوليو) 2006، في الداخل اللبناني، فكيف له أن يستثمر قضية كهذه، هي إنسانية - صحية أكثر منها محورية عسكرية؟ 
أما في الجانب الآخر على وسائل التواصل، فيظهر الجمهور الرافض للمساعدة من قبل نظام الأسد... حتى هواؤه لا يريدونه! فتاريخ تعاطي هذا النظام في لبنان لم يكن عادلاً بالنسبة إليهم، بل كان قمعياً على بوليسي؛ وهذا ما يدفعهم لعدم قبول أي مساعدة من هذا النظام حتى لو كان لبنان بأمسّ الحاجة لها. 
بغض النظر عن المواقف الجماهيرية من هذه القضية، إلا أنّ هذا الانقسام هو أعمق لأنه يدخل في الكيان الوجودي للبنان، الذي لم تعترف العقيدة البعثية للنظام السوري بدولته. فهذا البلد بالنسبة إلى سوريا هو منطقة الامتداد الجغرافي الطبيعي لسوريا على البحر الأبيض المتوسط، وإنّ معاهدة سايكس بيكو عام 1916 هيالتي فرزته مما كان يُعرف ببلاد الشام. 
ففي ظلّ السلطنة العثمانية، كانت الأراضي اللبنانية والسورية الحالية تمثل جزءاً من مجال اقتصادي واحد، تتمتع حركة البضائع وعوامل الإنتاج فيه بحرية تامة، وكذلك كانت الحال في ظلّ الانتداب الفرنسي، حيث عاش البلدان في وحدة اقتصادية. إلا أنّ العلاقة أخذت منحى آخرَ، لا سيما بعدما وُضع لبنان تحت الوصاية السورية عام 1990 إلى عام 2005، خصوصاً من ناحية الممارسة العسكرية والسياسية، لا سيما في اختيار الرؤساء ووضع القانون الانتخابي وإنتاج طبقة سياسية موالية للنظام السوري. هذا طبعاً إضافة إلى إقصاء فريق أساسي في هذا البلد، تحت عنوان رفض الوصاية والخضوع لمصالح سوريا في لبنان. 
بالعودة إلى مادة الأوكسجين، فقد بدا مفاجئاً سرعة اتخاذ القرار السوري، برغم الضائقة الاقتصادية السورية نتيجة قانون قيصر الأميركي المفروض عليها. مع العلم أنّ الحكومة السورية كانت قد اتخذت قراراً بعدم تصدير هذه المادة إلى أي دولة لحاجة مستشفياتها التي ترزح تحت عبء جائحة كورونا لها. هذا ما يدفع للتفكير بمؤامرة الاستثمار السياسي لهذا الموضوع. 
لا يخفى على أحدٍ أنّ سوريا من الناحية الجغرافية، هي العمق الإستراتيجي للبنان التجاري، وهي الرئة التي يتنفس منها القطاعان الزراعي والصناعي من خلال تصدير السلع والمنتجات الزراعية إلى العمق الآسيوي. كيف لا وقد كان لإغلاق الحدود بين البلدين في السابق بقرارٍ سوريٍ، ارتداده السلبي على المصدّر اللبناني والمنتج، حيث كانت البضائع المتوجهة عبر الحدود اللبنانية السورية تتكدّس وتكبّد خسائر اقتصادية كبيرة. 
لبنان وسوريا، يحتاج كلاهما إلى علاقة طبيعية بين بلدين مستقلين لهما سيادتهما المنفصلة عن بعضها البعض، فالحوادث الأمنية قد أثبتت أنّ أي أزمة في بلد ما سترتد سلباً على البلد الآخر. فلبنان اليوم يعاني من وجود أكثر من مليوني نازح سوري على أراضيه نتيجة الحوادث الدامية في سوريا، كما يرفض ربطه بمحور إقليمي لا بل عالمي يمتدّ من "حزب الله" في لبنان إلى نظام الأسد في سوريا، إلى حرب الموالين لإيران في العراق، إلى الحرب اليمنية، إلى نقطة الجذب الإيرانية، وصولاً إلى الحلف الروسي – الصيني المتحارب مع الغرب؛ لذا ارتفع صوت البطريرك الماروني بشارة الراعي، المطالب بالحياد الإيجابي عن كل أزمات المنطقة لا بل العالم. وبحسب دائرة مقرّبة من الصرح البطريركي، فإنّ الراعي يكثّف جهوده الدولية لأخذ لبنان إلى مؤتمر دولي لحلّ الأزمة اللبنانية، يمنع أي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية، كما يمنع أي طرف محلي من ربط لبنان بسياسة المحاور. 
أخيراً، لبنان لا يستطيع العيش مستقلاً، ومنفصلاً عن واقعه الجغرافي مع سوريا، خصوصاً أنّ حدوده الجنوبية مقفلة بسبب احتلال إسرائيل لمزارع شبعا، وبحكم عدم اعتراف لبنان بهذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين. لذا، تبقى سوريا متنفس لبنان الوحيد برياً كما أنّ لبنان متنفّس سوريا البحري. وجلّ ما يحتاجه لبنان من سوريا، علاقة طبيعية بين جارين تربط بينهما أكثر من جغرافيا مشتركة؛ فهناك تاريخ مشترك في محاربة السلطنة العثمانية، والانتداب الفرنسي، فضلاً عن الوقوف جنباً إلى جنبٍ في محاربة الاعتداءات الإسرائيلية والإرهابية. وهو بالطبع لا يحتاج لأي ربط محاور، ولا لإقحامه ضمن حلف ضد آخر، فلعبة المحاور قد كلّفته أثماناً ولم تزل؛ لذا جلّ ما يحتاجه، علاقة جوار مبنية على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.