الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أيها السوريون؛ مَن شَرِبَ البحرَ، لا يَغُصُّ بالساقية

أيها السوريون؛ مَن شَرِبَ البحرَ، لا يَغُصُّ بالساقية

05.09.2017
د. يحيى العريضي


كلنا شركاء
الاثنين4/9/2017 
لم يعد لدى السوري ما يخسره؛ في الخارج كان أم في الداخل. يعرف أن من أوصله إلى حال كهذا هو تحوُّل منظومة الأسد إلى مغناطيس إرهابي  دموي خانق. في الخارج، يُهان بالمعنى الكامل للكلمة: جواز سفره إهانة ؛ إن خلّف، هناك من يقول له: أهذا وقت التكاثر؟! إن ابتسم، هناك من يقول له: أتبتسم وبلدك بحال كهذا؟! إن أكل يقال له: أتأكل، وهناك من لا يجد كسرة خبز يقتات عليها؟! إن تكلم بالسياسة، يجد من يقول له: ما هذا التنظير السخيف، وواقع الحال يستلزم البندقية فقط؟! إن ذهب إلى جنيف، يجد من يحتقر جنيف بكل الكلام والاستراتيجيات التخاطبية التي ما أنزل الله بها من سلطان. إن وصّف نظام الأسد بالإجرام يجد من يقول له: ألم يخرِّب الائتلاف والسعودية وقطر البلد ؟! مَن هو افتراضياً رئيس بلده يعلن انتصار ه على الشعب، ويعلن فوزه بمجتمع متجانس- محاكاة للنازية الجديدة.
خسر السوري تقريباً كل شيء. ينظر إلى ان الآخر- المساهم في الكثير مِن مصابه- ليجده لم يخسر شيئاً تقريباً. ينظر فيما تفعله أمريكا فيجدها تسعى وراء مصالحها، وتحت كابوس لوبي الصهاينة تريد تعزيزاً لقوَّة إسرائيل لخمسة عقود قادمة تماثل الزمن الذي أراحها فيه نظامه. الروس- بعد أن ساهموا بتدمير بلده- يتقدمون بأوراق اعتمادهم لأمريكا والغرب الأوروبي كي يقبلا الأوراق ويزيحا المقاطعة ويرضيا بعودة بوتين لرئاسة رابعةً. إيران استشعرت تحول شعار “الموت لأمريكا” إلى قضية مُملَّة فأخذت تخطب ود أمريكا خلسة، تقول لأمريكا “لاعلاقة لنا بـ “11 أيلول؛ إنها فعلة سعودية آثمة، فاعتمدونا ممثلا في المنطقة، نفكر، نخطط، ولنا مشروعنا؛ و هؤلاء العربان هاجسهم الغنى والجنس، ونحن وكلاء أفضل؛ لنا حضورنا في سورية، والعراق بشيعته تحت تصرفنا، ونفطكم به مؤَمَّن، واليمن خربناه، والبحرين لنا، والسعودية تستحق الاهتزاز والتأديب، وقطر قامت بالدور التخريبي اللازم عسكرياً وارهابياً واعلامياً، ونحن ملجأها”.  وتركيا تنوس بين الإسلاموية والعلمانية، والخشية من كيان كردي وطوارئ تُمدّد. و أوربا تهيم في غطرسة ألمانيا الاقتصادية ومحاولات بريطانيا أن يكون لها تفرّد وكيان تحققه بالانسحاب من اتحاد أوربي، جميع بقايا الاتحاد السوفيتي عبء على أوربي أناني دفع دماً ليصل إلى هنا، وهناك من يأتي ليعكر حياته.
يعرف السوري بالفطرة ودون الإطلالة على مراكز البحوث ودهاليز المخابرات أو الـ “ويكي ليكس” أن نظامه لم يثبت أو يستمر خمسة عقود دون أن يكون وقَّع “بروتوكولاً” مع الشيطان لتعزيز حال إسرائيل، والعمل “ناطوراً” على الحدود التي يأتي منها الخطر على كيان صهيون؛ فكان المحرك والموجه لحزب نصر الله؛ والمتعاقد الأقوى مع ذريّة الخميني، ليكونوا جميعاً حالات معتمدة من قبل ذلك المحفل الأعلى.
يعرف أن الأمم تدخلت بقضيته وأضاعت صرخته عندما وضَعَت “محاربة داعش أولوية “؛ وأن رئيس أمريكا السابق خصّص لمحاربتها 15 سنة؛ والسوري لا يستطيع الاستمرار بما هو عليه 15 دقيقة. تحمل وصبر و انتظر واستمر نزفه. يعرف أنه قد وُضِعَ أمام خيارات هي الأحقر في التاريخ البشري “الأسد أو داعش” \الأسد أو الارهاب”\ “الجوع أو الركوع” ” الأمان أو النزوح” ” الحاجز الإيراني أو الحاجز الروسي”.
يعرف السوري ان مَن تصدى لترجمة صرخته، من تحدث باسمه، من مثّله مزيج من ساسة قدامى وهواة وانتهازيون وعديمو الخبرة وبعض القلوب والعقول الخيرة التي أحست بفداحة ما هو به. يعرف أن ثورته انطلقت دون تخطيط أو مشروع أو اتضاح رؤية، وسارت بين كل الألغام المزروعة والمشاريع الجهنمية والخطط التي لا عهد له بها. يعرف أنه بين ألف مطرقة وسندان حارق خارق. خسر كل شيء، إن كان في الخارج، ومهانته؛ أو في الداخل، وذله. في ذهن السوري،”سقطت الشرعيات عن الأمم والدول والمعارضات. سقطت الشعارات التي تحكي عن العدل وتحض على حق الشعوب في التحرّر والاستقلال. سقطت الشعارات واليافطات لا لخلل في بنيانها أو تهافت في خطابها، بل لأنّ حَمَلَتها سقطوا في امتحان الثبات والصمود، وأجّروا إرادتهم وضمائرهم للعابثين الذين كانوا يرون سورية من ثقب إبرة مصالحهم وتوازناتهم.”
ما المخرج أمامه، وكل شيء في حالة انسداد رهيب و إحباط مخيف وحزن لا ضفاف له. خسر كل شيء, والآخر لم يخسر شيئا حتى الآن، شرف ذلك الآخر و أخلاقه وقيمه من المفقودات سلفاً، فلا تُحسب عليه خسارة. أمام السوري إما الانتقام أو التفكير الإيجابي والتخطيط وتكوين الرؤية التي تخرجه مما هو فيه. قد يبدو الأمر مستحيلاً؛ ولكن لا مستحيل على كوكبنا. لن ينفعه اذا خسَّر الآخرين وجعل حالهم كحاله. ينفعه أن يقوم كطائر الفينيق من الرماد.
    ليعلم السوري أن راية الحق لا تسقط بالتقادم؛ والظلم لا يسقط بالتجاهل، وليعلم أن حركته الكفاحية هي التي ترفع الأولى وتسقط الظلم والاستبداد. جملة من اللاءات عليه اتباعها وتمثلها والعمل الدؤوب عليها وجملة أخرى من الواجبات عليه إعمال ما تبقى له من عقل وروح ليحولها إلى مشروع يخرجه من مغطس العطالة الذي يجد نفسه فيه.
أيها السوري: هدفك العودة إلى الحياة، وذلك يستلزم إزاحة من يمنع عنك الحياة؛ فلا تتوجه بسهم انتقاد أو تصغير أو اساءة إلى من يشترك معك بصدق بالهدف المتمثل بـ” الخلاص من الاستبداد والديكتاتورية”. لا تثق بمن يعتاش على السلبية وزرع الإحباط واليأس.لا تقبل من يحرضك على الانتقام والتخريب. لا تقبل من يحضك على الخلاص الفردي والأنانية ومبدأ ” أنا ومن بعدي الطوفان”. لا تستسلم إلى أن القوة الغاشمة التي تسعى لدحرك دائمة. قوة الشر والاضطهاد والقمع أكثر وهناً من عش عنكبوت، لكنها توهمك بأنها المسيطرة والمهيمنة والأقوى. كل لحظة استقامة وفعل صحيح من قبلك تصل إلى مضطهدك الشرير وتوهن عزيمته وتردعه. اعلم أن هناك قوة جبارة لاعلم لك بها، وقد تكون غير محسوسة، ستراها تتجلى وتهزم من يقمعك ويغصك؛ ابحث عن السوري الذي يشاركك هواجسك وأحلامك وهدفك. تمسك بالمجالس المحلية لتكون صوتك ولتكون أنت من يقرر فيها، غذِّها راقبها صوّب مسارها انتقدها عززها، هي أنت بعيداً عن دكتاتورية واستبداد وإجرام ما كان قائما. احتلال الروس لن يدوم؛ عندما يحصلون على الصفقة المناسبة مع الغرب، سيتوقفون عن أخذ سورية رهينة ويغادرون. بشار الأسد لا يمكن أن يبقى؛ الملفات الإجرامية التي ارتكبتها منظومته لا يحملها أحد. العالم مستغن عن تحمُّل وصمة العار هذه.
أيها السوري: أنت الباقي، واعمل على هذا الأساس. ستدخل في مرحلة حكم انتقالية؛ بعدها تعود وبلدك إلى الحياة. من شرب البحر، لا يغصُّ بالساقية.