الرئيسة \  تقارير  \  أين أوروبا من حماية نفسها بوجه روسيا؟

أين أوروبا من حماية نفسها بوجه روسيا؟

25.01.2022
جورج عيسى


النهار العربي
جورج عيسى                                      
الاثنين 24/1/2022
"هل نحن في حال إنكارٍ (تجاه تصرّفات الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين)؟ أقلّ وأقلّ، على ما أعتقد (...) في 2014 كان هنالك صنّاع قرار أوروبّيّون جادلوا بجدّيّة في أنّ القرم التابعة لأوكرانيا انتمت إلى روسيا (...). لهذا السبب كانت عقوبات الاتحاد الأوروبي المرتبطة بالقرم ضعيفة جداً (...). لكن الآن، بعد سبعة أعوام، تفهم أوروبا روسيا بشكل أفضل بكثير. هي تدرك الطبيعة المنسّقة والهجينة لتصرفات روسيا. هي مرنة بشكل متصاعد أمام الهجمات السيبيرانيّة وعمليّات المعلومات التي كانت محيّرة للغاية في 2014، وخسرت روسيا الكثير من مزيّة المفاجأة والإنكار التي كانت لديها منذ سنوات قليلة".
قدّم الأكاديميّ البارز في "المجلس الألمانيّ للعلاقات الخارجيّة" أندراس راتز هذه الإجابة حين سألته جودي ديمبسي من "مركز كارنيغي-أوروبا" في نوفمبر/تشرين الثاني بشأن ما إذا كانت أوروبا تعاني فعلاً من حالة إنكار تجاه روسيا.
"نواصل التعلّم"                             
قد يكون سؤال كهذا بديهيّاً إلى حدّ بعيد في وقت تبدو أوروبا عاجزة عن مواجهة التهديدات الروسيّة، أكانت غير مباشرة كما حصل مع أزمة اللاجئين التي افتعلتها بيلاروسيا وفقاً للاتّهامات الأوروبية نفسها، أو مباشرة كما هي الحال اليوم مع الحشد العسكريّ على الحدود مع أوكرانيا. كذلك، يبدو دور الاتّحاد الأوروبّيّ ثانويّاً في الاجتماعات الأميركيّة-الروسيّة التي تدرس مستقبل أراضيه وأمنه. مع ذلك، ركّزت إجابة راتز على "الوعي" الأوروبّيّ تجاه "المخاطر" الروسيّة، أكثر ممّا ركّزت على مدى جدّيّة استعداد أوروبا للقيام بأيّ تحرّك من أجل درء تلك المخاطر. هو قال إنّه في 2015-2016، وحين حوّلت روسيا الهجرة إلى "سلاح" ضدّ النرويج وفنلندا، "لا أحد فكّر حتى بمعاقبة روسيا. لكن الآن نحن نفكّر (في معاقبتها). نواصل التعلّم".
يثير هذا الجواب سؤالاً آخر عمّا إذا كانت "مواصلة" أوروبا التعلّم بطيئة نسبيّاً. لقد تأمّنت للاتحاد الأوروبّيّ سبعة أعوام على الأقلّ كي يعيد صياغة سياساته قبل اندلاع أزمة جديدة. ربّما وفّر "القدر السياسيّ" فرصة للأوروبيين بعد فوز "الانعزاليّ" دونالد ترامب بالرئاسة الأميركيّة من أجل إعادة تأسيس سياسة خارجيّة تنقلهم إلى نوعٍ من الاستقلاليّة، لكنّهم لم يحسنوا التقاطها لسبب أو لآخر. انتظروا نهاية ولاية ترامب كي تعود الولايات المتحدة إلى تعزيز العلاقات العابرة للأطلسيّ، لكنّهم صُدموا أيضاً لأنّ بايدن خيّب آمالهم في قضايا مثل الانسحاب الأميركيّ من أفغانستان واتّفاق "أوكوس".
من جهة ثانية، لم يبدأ "التمرّد" الروسيّ في أوروبا سنة 2014 مع ضمّ القرم بل مع اجتياح موسكو أبخازايا وأوسيتيا الجنوبيّة في جورجيا سنة 2008. بذلك، كان الوقت أكثر من كافٍ لبروكسل كي تحصّن نفسها في وجه الخضّات الجيوسياسيّة البارزة، لكنّها لم تفعل، أو فعلت الشيء القليل. ليس واضحاً ما إذا كان ذلك يعود إلى عدم وجود رغبة في سياسة كهذه أو إلى عدم وجود مقدرة على توحيد آراء أكثر من 28 دولة. لكنّ النتيجة تبقى نفسها: حتى ولو لم تكن أوروبا في حالة إنكار تجاه روسيا فهي تعيش هذه الحالة إزاء "الحاجة إلى صياغة سياسة للاتّحاد الأوروبّيّ حيال روسيا أكثر تجانساً وواقعيّة" بحسب غويندولين ساس من "مركز كارنيغي-أوروبا" أيضاً.
ما تغيّر في أميركا... وروسيا
لا يتوانى مراقبون أوروبيون عن حثّ أوروبّا على أخذ زمام الأمور بيديها. داليبور روهاك من مجلّة "سبكتايتور" البريطانيّة يحذّر بروكسل من أنّها لا تستطيع توقّع أن تأتي واشنطن للدفاع عنها في وجه روسيا. هو يستشهد بما كتبه مؤخّراً مهندس الاستراتيجيّة الدفاعيّة القوميّة لـ2018 إلبريدج كولبي عن أنّ الولايات المتحدة "لن تحصل على جيش كبير بما يكفي لزيادة الالتزامات في أوروبا والحصول على فرصة لاستعادة التفوّق الأميركيّ في آسيا ضدّ الصين".
ويضيف روهاك أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع الاهتمام بالأمن الأوروبّيّ المباشر أكثر من أوروبّا نفسها، على الرغم من أنّ "أوروبّا كاملة وحرّة" هي من مصلحة واشنطن على مستوى معيّن، لكن ليس من دون أيّ كلفة. حتى أنّ بعض من في بروكسيل يظنّون، بحسب الكاتب، أنّ تعاون أوروبا مع المملكة المتّحدة أو النرويج ليس جوهريّاً بالنسبة إلى أمن القارّة (الأولى بسبب بريكست والثاني بسبب عدم عضويتها في الاتحاد الأوروبي).
منذ 2008 وحتى السنوات الأخيرة، لم تُظهر روسيا سياسة متجرّئة في أوروبا وحسب. دوافع هذه السياسة وطبيعتها أعطت الأوروبّيّين إنذارات بأنّ عليهم الاستعداد لما هو قادم بشكل مختلف. بحسب كير جليز من معهد "تشاتام هاوس" الملكيّ، عوضاً عن التركيز على عدم خسارة المزيد من النفوذ والمصالح كما كان الأمر سابقاً، تبدو روسيا واثقة الآن من قدرتها على الانتقال إلى موقع هجوميّ والسعي إلى أولويّاتها الخاصّة. يشير النمط إلى أنّ روسيا لم تعد تدّعي أنّها مهتمّة بعلاقة جيّدة أو حتى عملانيّة مع الاتّحاد الأوروبّيّ أو حلف شمال الأطلسيّ. ويضيف: "لقد تعلّمت روسيا أنّه حين لا تكون أهدافها مقبولة للغرب، فالتحرّكات العدوانيّة هي أفضل أسلوب لتحقيقها".
أين النقص؟
إنّ تحرّك روسيا باتّجاه أوكرانيا لضمان عودة خضوع الدول السوفياتيّة السابقة إلى فلكها خاضع للتكهّنات حالياً. قد تحتاج حسابات بوتين بشأن المكاسب/الأكلاف إلى تحليلات أخرى. لكن حتى مع افتراض عدم إقدام روسيا على هذا التحرّك، لن تكون أوروبا معفيّة من استخلاص عِبر أحداث 2021-2022 معطوفة على أحداث السنوات الطويلة السابقة. في الواقع، قد تترتّب على أوروبا مسؤوليّة أكبر من ذلك بحسب رأي البعض.
 أستاذ السياسات الدولية في جامعة بروكسل الحرة والضيف المحاضر في كلّيّة الدفاع التابعة للناتو جوناثان هولسلاغ كتب في موقع "أوبزرفر الاتحاد الأوروبي" أنّه "حتى من دون حرب، روسيا هزمت أوروبا فعلياً". لقد كشف بوتين أنّ أوروبا ضعيفة جداً كي تدافع نفسها وأنّها لا تستطيع الاعتماد على واشنطن كي تأتي لنجدتها. وتواجه واقعاً حيث أنّ روسيا، وبصرف النظر عن أنّ اقتصادها يوازي حجم اقتصاد إيطاليا، قادرة على تهديد قارّة بفعل احتياطات الطاقة لديها وجاهزيّتها لنشر قوّتها العسكريّة. ومضى الأستاذ الجامعيّ موضحاً أنّ أوروبا تعاني من "نقص في كلّ شيء"، في الطاقة والجيش والاستعداد للتضحية والخبرة العسكريّة. أمّا لماذا وصلت أوروبا إلى هذه الحال، فالنقاش يطول بحسب هولسلاغ.