الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أيدٍ خفية وراء محاولة إفشال الاتفاق التركي – الروسي في إدلب

أيدٍ خفية وراء محاولة إفشال الاتفاق التركي – الروسي في إدلب

30.04.2020
هبة محمد



القدس العربي
الاربعاء 29/4/2020
دمشق – "القدس العربي" : تشهد محافظة إدلب شمال غربي سوريا، توتراً متصاعداً بين الجيش التركي و"هيئة تحرير الشام" التي تقودها جبهة "النصرة"، حيث استنفرت القوات التركية ومعها فصائل عسكرية معارضة، أمس الثلاثاء، ضد الهيئة، التي تعتزم فتح معبر تجاري مع قوات النظام السوري في ريف حلب الغربي، في الوقت الذي تقطع الطريق الدولي أمام الدوريات العسكرية التركية – الروسية عبر اعتصامات تروج لها على أنها "شعبية".
سوريا: ما علاقة الإمارات وهيئة تحرير الشام؟
وتشير المعطيات إلى أن أنقرة تستنفر قواتها وأجهزتها الاستخباراتية، في نية واضحة للقضاء على "هيئة تحرير الشام"، إلا أن شكل المواجهة غير معروف بعد، فهل سيكون بالطرق الاستخباراتية، أم عبر عمل عسكري محدود، ومما لا شك فيه أن الأمر ليس سهلاً، خاصة أن التنظيم يتغلغل في المدن والقرى وبين المدنيين. ومواجهته داخل الأحياء والقرى سيكون حسب خبراء لـ"القدس العربي"، عبر النقد واتهام من المجتمع الدولي والشعب السوري والمعارضة التركية إضافة إلى اتحاد الفصائل الجهادية ضدها.
افتراق.. وأيدٍ خفية
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تغيّرت السياسية التركية وانقلبت على "هيئة تحرير الشام"، بعد ما كان التنسيق بين الطرفين بأعلى مستوياته وهذا حسب شهادة المفتي الشرعي لهيئة تحرير السام "أبو الفتح الفرغلي" الذي قال في تسريب صوتي له، "إن العلاقة مع تركيا تغيرت ولم تعد كالسابق" مشيراً إلى الفترة التي أنشأ فيها الجيش التركي نقاط المراقبة شمال غربي البلاد بالتنسيق الكامل مع النصرة، فيما قالت مصادر واسعة للاطلاع لـ"القدس العربي"، إن اثنين من مقاتلي النصرة كانوا يناوبون مع القوات التركية في كل نقطة عسكرية.
الضابط المنشق عن النظام السوري، "العقيد خالد القُطَيني"، يقول "فتشوا عن العلاقة بين المال الإماراتي في أحداث اليوم، وبين الدماء التي سقطت على طريق" ويضيف عبر حسابه على "تويتر" "كل متابع للشأن بدقة يعلم أن الإمارات ومعها نظام الأسد وإيران يريدون تخريب الاتفاق الروسي – التركي بأي شكل كان عبر أذرعهم في المناطق المحررة من خلايا متأسلمة تحت كيانات ومسميات عدة، أبرزها "هيئة تخريب الشام" لزعيمها الطهراني ..ومن معه".
أما المعارض السوري محمد أبو محمود فكتب عبر حسابه على تويتر، ان ما يجري في الشمال السوري وخاصة بعد المواجهة بين مجموعات متمردة من هيئة تحرير الشام والجيش التركي "ما عجزت الإمارت عن فعله من خلال بشار في مواجهة الجيش التركي تحاول تكراره عن طريق الهيئة".
ويجيب في هذا السياق المعارض السوري "طلال الحموي" الذي يدير منظمات خيرية في الداخل السوري، حيث كتب "باختصار عنصر مما يسمى حزب التحرير المدعوم دحلانياً (نسبة لمحمد دحلان القريب من الإمارات) اندس بين المعتصمين وبادر بإطلاق النار وقتل اثنين من الجنود الأتراك ليرد الأتراك على المصدر والآن من بادر بإطلاق النار قيد التحقيق وخلي مال بن زايد ينفعه، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".
تفكيك الهيئة
ميدانياً، قال المرصد السوري لحقوق ان منطقة معارة النعسان شهدت توتراً متصاعداً، بعدما استقدمت "هيئة تحرير الشام" آلية لإزالة الحاجز الترابي الذي أنشأه الجيش التركي أمس بهدف قطع الطريق أمام الشاحنات التجارية ومنعها من الوصول إلى المعبر التجاري الذي تنوي "تحرير الشام" فتحه لإنعاش الحركة التجارية مع مناطق النظام السوري.
وقالت مصادر متطابقة إن الجيش التركي انتشر بالقرب من مفرق بلدة كتيان، لقطع الطريق على شاحنات "هيئة تحرير الشام" المعدة لدخول مناطق قوات النظام بالقرب من بلدة معارة النعسان، وذلك في إطار إصرار أنقرة على تطبيق اتفاق موسكو الأخير الموقع في الخامس من آذار، علاوة على رفضها إقامة علاقات تجارية بين الفصائل المسلحة والنظام السوري.
وتصر "هيئة تحرير الشام"، التي تسيطر على خطوط التماس مع قوات النظام، افتتاح معبر في ريف إدلب الشرقي الشمالي من بلدة معارة النعسان بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام ومناطق سيطرة قوات النظام، ما يعود على الأخير بفوائد اقتصادية على الطرفين، والاعتراف و"تثبيت الحدود الحالية، وحرمان الآلاف من المدنيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي سيطر عليها النظام السوري خلال الحملات العسكرية الأخيرة" حسب مصادر مطلعة.
ومن هذا المنطلق، يجد الباحث السياسي والمختص بشؤون التنظيمات الجهادية عرابي عرابي أنه من الأفضل لتركيا أن تعمل على تفكيك الهيئة ومحاصرتها وقطع مواردها الاقتصادية وتشجيع المدنيين على الانفكاك عنها والانتفاض ضدها، ودفعها للخضوع إلى تشكيلات داخل فصائل الجيش الوطني، وفي المقابل فإن الهيئة لا تملك القدرة ولا القرار على مواجهة تركيا وما جرى في الآونة الأخيرة تطور خارج السياق العام سواء من جهة تركيا الحريصة على عدم مواجهة المدنيين أو الجهاديين، أو من الهيئة التي لا تملك القدرة والقرار على مواجهة تركيا لذلك لا يُتوقع أن تستمر هذه المواجهات أو أن تتوسع، كما أن أثرها السلبي ينعكس على هيئة تحرير الشام أكثر من غيرها بالنظر إلى أنها غير قادرة على ضبط المشهد الداخلي على مستوى العناصر أو الحاضنة.
وقبيل مقتل 3 من مقاتلي الهيئة والتابعين لها، حصلت محاولات من الهيئة لفتح معابر منفردة مع النظام في مدينة سراقب في ريف إدلب، وبلدة ميزناز في ريف حلب الغربي، أي أن الهيئة لا مشكلة لديها عمليًّا بالدوريات التركية الروسيّة وفتح الطرق التجارية، إلا أنها تبحث عن مردودٍ ماديٍّ ومكاسب من الموافقة على هذه الخطوة، ورفض تركيّا لخطوات فتح المعابر مع النظام له دلالة عميقة حيث يؤكد على السعي لتهميش الهيئة في الأمور المفصليّة وتوضيح أنها باتت خارج الاتفاق.
ويضيف عرابي، ان الهيئة بدعمها وإدارتها للاعتصام تحاول أن تناور في هامشِ البقاء والاستمرار، وذلك من خلال تقديم نفسها ندًّا للأتراك، وأن تشير بأنها تمتلك حاضنة شعبية، وأنها الفصيل الوحيد القادر على الشراكة معهم في إدلب، وأنها في حال عدم الأخذ بمصالحها ومطالبها بعين الاعتبار فإنها قادرة على تعطيل مسألة حلّ الهيئة بالاتفاق مع روسيا وأي اتفاق آخر، وعليه فإن الهيئة تراهن على منع تسيير الدوريات التركية – الروسية المشتركة ليس لرفض مبدأ الاتفاق، بل بهدف فرض نفسها لاعبًا في إدلب وتطالب باحترام مكانتها وتغلغلها في مفاصل الإدارة والأمن والعسكرة كافة في شمال غرب سوريا.
وبالنسبة للتصعيد في التوتر الذي تلا فض الاعتصام، اكد المتحدث على انه ليس بقرار من الهيئة وإنما هو ركوب للموجة – إن صحّ التعبير- من قبل عناصر متشددين ورافضين للاتفاق الروسي – التركي، وهذا يتيح بذات الوقت فائدتين للهيئة أولهما العمل على وتر استعادة دعم الحاضنة الشعبية التي تناقصت في الآونة الأخيرة، وثانيهما: وضع ورقة المتشددين على طاولة المفاوضات مع تركيا مرة أخرى، وتحميلهم مسؤولية التوتر، والتضحية بهم مستقبلاً من خلال فصلهم أو الادعاء بمعاقبتهم.