الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أية أهداف للتحالف العسكري اليوناني-القبرصي-الإسرائيلي؟ 

أية أهداف للتحالف العسكري اليوناني-القبرصي-الإسرائيلي؟ 

16.11.2020
رستم محمود


النهار العربي 
الاحد 15/11/2020 
البيان الثلاثي المشترك الذي أصدره وزراء الدفاع في كُل من إسرائيل وقبرص واليونان في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الراهن كان بمثابة إعلان تحالف عسكري استراتيجي، لأنه جاء تتويجاً لمراحل سابقة من المعاهدات وأشكال التنسيق السياسي والاقتصادي بين الدول الثلاث في منطقة شرق البحر المتوسط.  
حسبما نقلت وسائل الإعلام اليونانية، فأن وزير الدفاع نيكولاوس باناجيوتوبولوس قدم خلاصة مختصرة لما تضمنه البيان الثلاثي المشترك، قائلاً: "إن القوات المسلحة اليونانية والإسرائيلية والقبرصية تعمل معا بشكل أكثر فاعلية من خلال برامج التدريب المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والأمن السيبراني"، مضيفاً إن "الدول الثلاث تتطلع إلى توسيع شراكتها لتشمل دولا أخرى، مثل الولايات المتحدة" التي قال الوزير اليوناني إن وجودها في هذه المنطقة له أهمية خاصة، لتحقيق الاستقرار الإقليمي، حسب تصريحه، في إشارة واضحة إلى الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة ضد تركيا خلال الشهور الماضية، لكبح محاولاتها التمدد العسكري والاقتصادي في المياه القارية اليونانية.  
 صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلت عن وزير الدفاع الإسرائيلي كابي غانتس قوله إن الاتفاق جاء بعد مباحثات ثلاثية في العاصمة القبرصية نيقوسيا، مؤكداً أنه ستهدف " تعزيز التعاون الصناعي على نطاق واسع من أجل تعزيز قدراتنا الدفاعية وتوفير الآلاف من فرص العمل لاقتصادات الدول الثلاث". 
موقع greekreporter اليوناني نقل تفاصيل النقاط العشرة التي اتفق عليها وزراء الدفاع في الدول الثلاث، وهي النقاط المُعلنة فحسب، وذهب إلى التأكيد على ما سمته الدول الثلاث بـ" تعزيز شراكتها القوية والطموحة والاستراتيجية في مجالات الدفاع والأمن التي تهدف إلى تعزيز التعاون والشراكة الإقليمية والتصدي المشترك للتحديات والتهديدات المشتركة" مضيفة أن الإطار العام لهذه الاتفاقية أنما محددة بـ " قيمنا المشتركة واحترام القانون الدولي والتزامنا بشرق البحر الأبيض المتوسط مستقر وآمن ومزدهر هي ركائز أساسية لشراكتنا". وهو بند وصفه المراقبون بأنه موجه للتطلعات التركية في تلك المنطقة. 
مركز middleeastmonitor  أكد أن مستقبل التعاون العسكري بين البلدان الثلاثة، والذي حدده الاتفاق بعدد من المستويات، هو الشأن الأكثر إثارة للانتباه، لأنه يعني أن الدول النظيرة لن تستطيع أن تفرض شروطها الاقتصادية والسياسية مستقبلاً عبر التهديد بالقبضة العسكرية. ونص الاتفاق على "مواصلة استكشاف وتطوير جوانب جديدة في التعاون الدفاعي، بما في ذلك مجالات الصناعة الدفاعية والبحث والتكنولوجيا والدفاع الإلكتروني"، أي أن تطلعات الدول الموقعة ليست مجرد تعاون لوجستي واستخباراتي فحسب، بل يمتد ليكون شراكة صناعية في المجال العسكري. 
كانت بذور الصِدام السياسي/العسكري قد ظهرت في منطقة شرق المتوسط  منذ أوائل العام الحالي، عندما صارت تركيا تظهر امتعاضاً من شكل تقاسم حصص استخراج النفط والغاز من تلك المنطقة، وصارت تهدد باستخدام العنف، وهي لم تجد نصيراً في تلك المنطقة إلا حكومة الوفاق الوطني الليبية. في وقت كانت فيه هذه الدول الثلاث، بالإضافة إلى مصر وإيطاليا وفلسطين والأردن، أعضاء في منتدى غاز شرق المتوسط الذي تأسس في  كانون الثاني (يناير) 2019، وأتخذ من العاصمة المصرية القاهرة مقراً له.  
وبعد استحداث ذلك المنتدى بشهرين فحسب، اتفقت هذه الدول الثلاث (في شهر آذار من هذه السنة) على خطة لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط،يبلغ طوله 1900 كيلومتر، ويريط حقول الغاز المكتشفة حديثاً، والتي سيتم العثور عليها مستقبلاً، في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط مع الأسواق الأوروبية، عبر قبرص واليونان وإيطاليا. على أن يتم تطوير المشروع من قبل شركة IGI Poseidon اليونانية القبرصية المشتركة، وتنضم إيطاليا لاحقاً للمشروع. وكانت التوقعات الأولى قد ذهبت إلى أن الكمية المصدرة سنوياً ستقارب ملياري مترٍ مكعب من الغاز المستخرج في شرق المتوسط.  
الحساسية التركية بدأت تتنامى اعتباراً من توقيع ذلك الاتفاق الثلاثي، لأنه إلى جانب توفير سوق غاز جديدة ومنافسة للأسواق الاوروبية، بديل عن الخط الأذري- التركي، فأنه  أيضاً وفر خطاً بحرياً بديلاً لنقل الغاز، تستطيع فيه الدول الإقليمية، بالذات مصر ودول الخليج العربي، تصدير غازها الطبيعي إلى الدول الأوروبية. 
وبعد التوافق العملي على تنفيذ تلك الخطة، كان المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أكسوي قد صرح قائلاً إن الاتفاق كان محاولة "غير مجدية" لاستبعاد تركيا و"جمهورية شمال قبرص" التركية عن مشاريع الطاقة في المنطقة، مضيفًا أن القبارصة الأتراك لهم حقوق متساوية في الموارد الطبيعية للجزيرة. مضيفاً: "تركيا هي الطريق الأكثر جدوى وأمانًا من الناحية التجارية لاستخدام الموارد الطبيعية في شرق البحر المتوسط ونقلها إلى الأسواق الاستهلاكية في أوروبا. أن أي مشروع يتجاهل تركيا "لا يمكن أن ينجح".  
حينما لم تلتفت الدول الثلاث إلى التحذيرات التركية وقتئذ، صارت تركيا تلوح باستخدام القوة العسكرية لفرض إرادتها، إلا أن التحركات الأميركية والأوروبية كبحتها، ويأتي الاتفاق العسكري الثلاثي الأخير، كخطوة أخرى لتمتين الواقع العسكري المشترك بين البلدان الثلاثة، بمواجهة التهديدات التركية.  
يبقى السؤال الأكثر أهمية بالنسبة للبنان والنظام السوري، الطرفين اللذين كانا يملكان علاقات وتعاوناً مقبولاً مع كل قبرص واليونان، بحكم التناقض المشترك لمصالح كل منهما مع تركيا، كيف سينعكس هذا التحالف العسكري للدولتين مع إسرائيل على علاقاتهما مع كل من لبنان والنظام السوري!، خصوصاً وأن الملامح الأولى لما جرى الاتفاق عليه يُشير بوضوح إلى تغطية وتشجيع أميركي تام.