الرئيسة \  تقارير  \  أوهام بايدن في الشرق الأوسط: رئيس في متاهة بدون عقيدة أو مبادرات غير حماية إسرائيل

أوهام بايدن في الشرق الأوسط: رئيس في متاهة بدون عقيدة أو مبادرات غير حماية إسرائيل

18.07.2022
إبراهيم درويش


ابراهيم درويش
القدس العربي
الاحد 17/7/2022
لم تحظ زيارة رئيس أمريكي لمنطقة الشرق الأوسط من الجدل والخلاف كما حظيت به زيارة الرئيس جوي بايدن. فعلى مدى العقود الماضية زار رؤساء أمريكا الشرق الأوسط، حوالي 56 مرة وكان أكثرهم زيارة هو الرئيس جورج هيربرت بوش بمجموع 20 مرة وأقلهم جورج دبليو بوش ودونالد ترامب. وزار بايدن المنطقة كسناتور ونائب للرئيس باراك أوباما عشر مرات وآخر مرة كانت عام 2016، وهذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها كرئيس. وعلى خلاف سلفه دونالد ترامب لم يحظ بنفس الاستقبال الباذخ الذي حظي به وخاصة في السعودية، التي لم يكن يريد زيارتها أصلا، مع أن إسرائيل ورئيس وزرائها المؤقت لعبوا دور المضيف الباذخ هذه المرة. وسبب الجدل حول الزيارة نابع من جوهر ما يحمله الرئيس الأمريكي وما يريده من حلفاء أمريكا بالمنطقة وما يريدونه هم منه، ولولا الحرب الروسية في أوكرانيا لما اضطر بايدن لزيارة المنطقة والسعودية على الأخص. ولكنه مضطر للقيام بالجولة بسبب زيادة أسعار النفط ورغبته من الدول المنتجة في المنطقة زيادة معدلات الضخ لتخفيف حدة أثر الحرب على المستهلك الأمريكي، فهذا سبب داخلي يدفعه نحو الدبلوماسية الخارجية ومخاوفه من تراجع شعبيته وزيادة منظور خسارة حزبه في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر.
أما السبب الآخر فهو مرتبط بموقفه من ولي العهد السعودي والسعوديين في حملته الانتخابية والنابع من شجبه لمقتل الصحافي السعودي الذي كان مقيما في الولايات المتحدة، جمال خاشقجي، والمتهم محمد بن سلمان بتوجيه قتله في اسطنبول عام 2018. وتمسك المعلقون بكلمة قالها بايدن أثناء الحملة الرئاسية عام 2020 وتعهده بأن يدفع السعوديون الثمن بجعلهم “منبوذين” ومن هنا ارتبطت في الزيارة رمزيات متعددة من الطرفين، محاولة إثبات أن كل الطرق إلى السعودية ونفطها يمر عبر محمد بن سلمان الرافض بدوره الاستماع لمطالب واشنطن بزيادة معدلات النفط، وأن مجرد زيارة بايدن ومقابلته ولي العهد حتى بدون السلام عليه أو “سلام القبضات” كافية بأني تلغي صفة “المنبوذ” عنه والمملكة.
تبرير
واضطر بايدن إلى أن يبرر زيارته السعودية، وحاول تأطيرها بمسألة الأمن القومي الأمريكي ومحاربة روسيا والصين، وأنه لم يتخل عن مفهوم حقوق الإنسان في السياسة الخارجية، وما سبق أن أطره أن المعركة اليوم في العالم هي بين قوى الديمقراطية والاستبداد. لكن الإدارة أجبرت حسب معلقين على تبني سياسة الأمر الواقع والتعامل مع المنطقة كما هي، تماما كما أجبرت للتعامل مع العالم كما هو بسبب غزو روسيا لأوكرانيا حيث غيرت موقفها من الاستبداد والديكتاتورية لبناء حلف دولي ضد روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
ومنذ بداية الرحلة التي ضمت إسرائيل أولا وفلسطين ثم السعودية، ظلت أصوات الناقدين تذكر بايدن بأنه تخلى عن وعوده في حماية حقوق الإنسان، وكان ناشر صحيفة “واشنطن بوست” فرد رايان واضحا في شجبه للزيارة وقال بمقال (11/7/2021) إن بايدن بلقائه محمد بن سلمان سيعطي الزعيم السعودي ما لم تحققه ملايين الدولارات من حملات العلاقات العامة ونفقات الضغط وحتى مباريات الغولف الجديدة التي مولتها السعودية بملايين الدولارات.
وقال رايان إن زيارة بايدن لجدة هي مقايضة القيم الأمريكية، فالتحول 180 درجة هو تقويض لمصداقية أمريكا الأخلاقية حول العالم. ورأت أغنيس كالامار، مديرة أمنستي انترناشونال في مقال بمجلة “فورين افيرز” (14/7/2022) أن رحلته لن تقوض فقط السعي لتحقيق العدالة لخاشقجي؛ ولكنها ستعزز أيضا وجهة النظر القائلة بأن الولايات المتحدة تقف بشكل انتقائي فقط في الدفاع عن حقوق الإنسان. حتى في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى توحيد العالم في مواجهة العمل العدواني الروسي في أوكرانيا، فإنها تقدم معاملة تفضيلية للدول المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وعلق رايان على “سلام القبضات” بأنه مخجل أكثر من مصافحة الأيدي، وأخرج محمد بن سلمان من العزلة التي يحاول الخروج منها بيأس.
لماذا جاء؟
ومشكلة بايدن أن هناك من تساءل عن ضرورة حضوره للشرق الأوسط، نظرا لأنه لم يحمل معه قرارات كبيرة، وكل ما حمله هو حديث عن تقريب السعودية من إسرائيل، وفتح المملكة مجالها الجوي للطيران من كل العالم بما فيها طيران العال الإسرائيلي، وتفاخر مساعدوه بأنه أول رئيس يسافر مباشرة من تل أبيب إلى جدة، ورأى ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية بمقال نشرته صحيفة “لوس أنجلس تايمز” (13/7/2022) إن بايدن ومستشاريه حاولوا التقليل من أهمية الشرق الأوسط في أولويات إدارته. وعندما وصل إلى البيت الأبيض أكد أن القيم الأمريكية ستكون مركز سياسته الخارجية. إلا أن زيارته للمنطقة هذا الأسبوع عملت على تقويض هذين الزعمين وزادت الأمور سوءا، ومن الصعب فهم الداعي وراء هذه الزيارة وإن كانت مهمة. وقالت مجلة “إيكونوميست” (14/7/2022) إن هناك معضلة في فهم ما يمكن لبايدن تحقيقه، فهو على خلاف رؤساء سابقين لم يأت حاملا معه رؤية استراتيجية للمشكلة التي لم تحل وهي القضية الفلسطينية، حيث كرر كلامه بأنه يؤمن بحل الدولتين لكن الظروف ليست مواتية لاستئناف المحادثات، ولهذا لم ير الفلسطينيون في زيارته سببا يدعو للحماس بل والخيبة، فرغم ما قام به من تخفيف بعض القيود التي فرضها ترامب على الفلسطينيين إلا أنه حاول في تل أبيب والقدس التأكيد مثل بقية المسؤولين الأمريكيين على التزامه بأمن الدولة اليهودية وأنه صهيوني، وتجنب طوال الوقت في إسرائيل الحديث عن الصحافية شيرين أبو عاقلة التي قتلت برصاص الجنود الإسرائيليين قبل شهرين في جنين. واضطر في لقائه القصير مع الزعيم الفلسطيني محمود عباس للاعتراف بأهمية تحقيق العدالة لشيرين التي لاحقته طوال الطريق وفي مؤتمره الصحافي مع عباس في بيت لحم. ولم يشعر الفلسطينيون رغم الدعم الذي قدمه لمستشفى المطلع والأونروا أن إدارته اتخذت حتى بعض الإجراءات الرمزية مثل إعادة فتح القنصلية في القدس، أو حتى فتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن التي أغلقها ترامب. ولم يكن الفلسطينيون إلا مجرد هامش في الرحلة، كما ورد في تقرير بصحيفة “واشنطن بوست” (15/7/2022). وبدلا من الحديث عن الاحتلال والاستيطان كعقبة تهدد السلام في المنطقة، وهو السلام الذي جاء بوعد دفعه، فإنه تبنى استراتيجية سلفه ترامب القائمة على دعوة الدول العربية للتطبيع وتوسيع اتفاقيات إبراهيم التي قامت من خلالها الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتحاول الإدارة الحالية التركيز على السعودية.
أين عقيدة بايدن؟
وفي غياب الجوهر أو “عقيدة بايدن” كما أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” (15/7/2022) فإن بايدن الذي أقام كل حملته الانتخابية على المعارضة لسياسات ترامب، سواء في علاقته مع بنيامين نتنياهو ودعمه لمحمد بن سلمان ومواقفه المتشددة من إيران ومحاولته فرض “صفقة القرن” بالإكراه على الفلسطينيين فإنه اضطر لمتابعة سلفه بدون محاولة لتغييرها. وترى أن رحلة بايدن لم تعط صورة عن دبلوماسية فاعلة- بل رئيس أمريكي يظهر الود للمستبدين وبدون أي فرصة للحديث عن الديمقراطية. و”كانت أهم نقطة قوة لدى أمريكا دائما هي الجمع بين المثل العليا واستعدادها للتعامل مع الجميع عندما يخدم التعامل مصلحة السلام والمصالح القومية الأمريكية. وهذا لا يعني استرضاء لا أخلاقيا للديكتاتوريين على طريقة ترامب. بل والتوصل لمناطق اشتراك، مهما كانت صغيرة يمكن أن تساعد على التقدم للأمام في عالم ينعم بالسلام والحرية والانفتاح”. وعلى العموم ترى الصحيفة أن بايدن محق فيما فعل بشأن جريمة مقتل جمال خاشقجي والإفراج عن تقرير أمني يحمل محمد بن سلمان اللوم، وهو محق في الاعتراف بالتقدم الذي تحقق في السعودية ومحاولات إنهاء حرب اليمن وتوحيد دول الخليج. وهو محق في التعامل مع الشرق الأوسط ضمن صورة أكبر، لأنه لا يوجد مجال لتبني استراتيجية جريئة للمنطقة، لكن النقاد للإدارة يقولون إن بايدن وإدارته تحاول اللحاق بالركب فدول المنطقة- على الأقل دول في الخليج- قررت المضي في طريقها للتعامل مع إسرائيل في مواجهة ما تراه التهديد الإيراني، وعدم الاهتمام بالموضوع الفلسطيني. ولهذا لم يحاول بايدن تغيير أي شيء من استراتيجيات سلفه سوى المحاولات المتوقفة لإحياء الملف النووي مع إيران والذي يواجه معارضة من إسرائيل. ورغم تجنبه الإشارة إلى اسم “ترامب” الذي عادة ما يشير إليه بـ “الرجل السابق” إلا أن إرث هذا الرجل كان حاضرا في رحلته كما لاحظت مجلة “بولتيكو” (14/7/2022) والتي قالت إن بايدن قبل على مضض هذا الإرث ولم يحاول تغييره في رحلته، مضيفة أن بايدن لا يهدف لتقديم لفتات عظيمة، فهو يريد إظهار أن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية لا تزال قوية وقبل أن يتحرك نحو المرحلة الشائكة في رحلته وهي جدة في السعودية. وفي معظم الحالات قلل المسؤولون الأمريكيون المرافقون لبايدن من إمكانية حدوث اختراقات وعودة بايدن بجائزة كبرى.
لا مزيد من النفط
وحتى في موضوع النفط، فالسعودية لا تستطيع زيادة إنتاج نفطها أكثر من المعدلات الحالية ولا تريد استخدام قدرتها الفائضة، كما ورد في صحيفة “فايننشال تايمز” (14/7/2022) ويعرف المسؤولون الأمريكيون هذا منذ البداية، وسمع إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي وهو يقول لبايدن في قمة الدول السبع أن الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد أخبره بأن بلاده تنتج النفط بالحد الأقصى. وتظل زيارة بايدن إلى السعودية جزءا من محاولة إعادة ضبط العلاقة بين البلدين. وتقول ياسمين فاروق، الباحثة غير المقيمة بمؤسسة كارنيغي إن العلاقة المتوترة بين البلدين لم تكن لتتحول إلى مبارزة بين بايدن وبن سلمان. وتعترف أن التغيير في موقف بايدن تجاه الأمير محمد سيولد بلا شك بعض الرضا لدى القيادة السعودية. مع أن إدارة بايدن مضطرة لحل مشكلتها السعودية، خاصة في عام انتخابي حرج، حيث انخفضت معدلات الرضا عن أداء بايدن وارتفعت أسعار البنزين. وتظل الرحلة مرهونة بالحفاظ على قدر من القيم المشتركة- حقوق الإنسان، وربما لن يعجب هذا السعوديين. وفي النهاية لن تصبح السعودية دولة ديمقراطية قريبا. لكن لا يزال بإمكان الولايات المتحدة التعامل مع النظام الملكي بشكل بناء لتحقيق بعض المكاسب في مجال حقوق الإنسان والدفاع ضد الاستبداد وتعزيز التكامل الإقليمي، كما تقول. وتحتاج الولايات المتحدة إلى إظهار الاتساق في دعم قيمها جنبا إلى جنب مع أهدافها الاستراتيجية. ومن خلال إفساح المجال للقيم في العلاقات الثنائية، وسيساعد القادة السعوديون أنفسهم. فبدون تحسن في سجل القيم، ستستمر السعودية في مواجهة عقبات من الكونغرس والحكومة الأمريكية تمنعها من الحصول على التكنولوجيا والأنظمة العسكرية التي تريدها وتحتاجها. والشيء نفسه ينطبق على الأعمال التجارية. وإزاء هذا يتطلب من بايدن إرسال رسالة واضحة مفادها: لفترة طويلة، اعتمد القادة السعوديون على أن القيم الأمريكية تأتي دائما في المرتبة الثانية بعد المصالح الأمريكية. لكن يجب عليهم أيضا أن يدركوا أن وجود حد أدنى من القيم المشتركة يترتب عليه علاقات أكثر أهمية من مجرد النفط والأسلحة. وفي الوقت الحالي كان هدف السعوديين هو التأكيد من خلال الزيارة أن العزلة التي فرضتها عليهم إدارة بايدن قد انتهت، ولم يكن غريبا ظهور صور الأمير وهو يستقبل بايدن على صفحة وزارة الخارجية. وبالنسبة لواشنطن فمجرد نزول بايدن من طائرته الرئاسية التي حطت بمطار جدة كانت لحظة تريد تجنبها، لكنها حسبت أن تغطية صحافية سيئة تزول سريعا ستعوضها علاقات طويلة الأمد ومنافع للأمن الإسرائيلي.
دمج من أجل الخروج
والملاحظ أن إدارة بايدن لم تتحدث عن التطبيع، بل عن دمج إسرائيل في المنطقة، ومن هنا جرى الحديث عن حلف دفاعي جوي بالمنطقة تشترك فيه دول عربية إلى جانب إسرائيل، التي سربت المعلومات وتحدث وزير دفاعها عن استهداف التحالف العام الماضي طائرات مسيرة إيرانية كانت قادمة من العراق. هذا إلى جانب التركيز على السعودية كمركز لدمج إسرائيل بالمنطقة. وبالمحصلة فزيارة بايدن التي جاءت بدون مبادرات أو برامج تشي برئيس يحاول البحث عن مخرج من المنطقة. وكما ورد في مقال بموقع “ذي انترسيبت” (14/7/2022) فبعدما تخلت الولايات المتحدة عن جهود استمرت لجيل لإعادة تشكيل الشرق الأوسط باستخدام القوة الأمريكية، تعمل تحت رئاسته الآن على تقليص طموحاتها إلى ثلاثة أهداف قليلة للغاية: حماية إسرائيل، وحماية إمدادات الطاقة في الخليج العربي، وتقليل تهديد الإرهاب الدولي. ومات الهدف الكبير المتمثل في السلام الدولي النسبي في ظل أمريكا، وما يقوم به بايدن هو مجرد كتابة النعي. لكن الرئيس رسم صورة غير مقنعة عن الشرق الأوسط في مقالته في “واشنطن بوست” ولأنه رئيس بقدرات متواضعة في الحكم ولم يحتفل بالمنطقة منذ وصوله إلى الحكم، فمحاولة فك ارتباطه بالشرق الأوسط والتركيز على الصين وروسيا، لن تفضي إلى شيء. ومن المفارقات أن خطة بايدن لتخفيف دور أمريكا في الشرق الأوسط تنطوي على خطر أن يتم جره مرة أخرى إلى هناك.