الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أوهام القوة والنصر بعد حلب

أوهام القوة والنصر بعد حلب

20.12.2016
سامح راشد


العربي الجديد
الاثنين 19/12/2016
تلوح في الأفق بوادر اتفاقٍ حول وقف إطلاق النار في سورية، وهو أمر مؤسف حد الخزي، أن يتم التوصل إلى وقف النار، مباشرةً بعد الانتهاء من تدمير مدينة حلب وتهجير أهلها. كأن العالم كان ينتظر الوصول إلى هذا الوضع اللاإنساني، قبل أن يتحرّك، ليس لإنقاذ أرواح السوريين، ولا لمنع تدمير المدينة التاريخية، وإنما لوقف قصفٍ لم يعد مطلوباً. الوضع الجديد في حلب، لا حاجة فيه ولا ضرورة لأية عملياتٍ عسكرية، بعد أن دمّرت قوات (وطائرات) الأسد وحلفائه كل ما كان يمكن تدميره. لذا، ليس مفاجئاً أن تقبل كل الأطراف وقف النار، بما فيها روسيا وإيران. إضافة بالطبع إلى الدول التي تسعى، أصلاً، إلى وقف تلك المأساة، وفي مقدمتها تركيا وقطر.
وبينما يستعد بشار وحلفاؤه لخوض معارك أخرى، على الدول الداعمة للشعب السوري الاستعداد، هي الأخرى، لمرحلة ما بعد حلب. فمأساتها تقدّم دروساً بليغة على المستويات كافة، دروساً ليست إنسانية وحسب، بل سياسيةً بالأساس. فلولا الحسابات السياسية وتوازنات المصالح، لما تركت حلب لتواجه مصيرها الأسود الذي آلت إليه. ويشير الواقع والتجارب السابقة إلى أن حسابات المدعو "المجتمع الدولي" ومصالحه لا تهتزّان أمام المشاهد الإنسانية المؤلمة. وما جرى في حلب وقع من قبل، لكن على نطاق أضيق، في القصير وريف دمشق ومناطق أخرى، وتغافل عنها العالم. وإن كان المدنيون السوريون مغلوبين على أمرهم، فإن العالم مطالبٌ بألا يقف متفرجاً، مرة أخرى، بينما يجري بدم بارد إعدام الإنسانية وذبح القيم والمبادئ الأخلاقية للبشر.
لكن، قبل الدول المعنية والأطراف المنخرطة في الأزمة السورية، هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق فصائل المعارضة السورية، بمختلف توجهاتها وأذرعها، من دون استثناء. فقد اضطر المقاتلون في حلب إلى الانسحاب والخروج بعد ممانعةٍ طويلة، تعرّضوا خلالها لخسائر فادحة، فضلاً عن الدمار الشامل الذي لحق بالمدينة والمدنيين. وعلى الأذرع العسكرية للمعارضة والمقاتلين الذين سيخوضون المعارك التالية بعد حلب الاستفادة من دروس حلب العسكرية والسياسية، وقبلهما الإنسانية. سواء بتطوير التكتيكات العسكرية المتبعة، في حدود الإمكانات المتاحة المحدودة، أو بإعلاء الأبعاد الإنسانية على المواقف السياسية والحسابات العسكرية.
ربما لا تكون المعركة القادمة بصعوبة حلب، وعلى الأرجح، لن تكون غير آدمية بالدرجة التي شهدتها حلب. لا يعني هذا أن الحرب غير الأخلاقية التي تجري في سورية ستتحول فجأة إلى أخلاقية، لكنها كانت بالفعل قد تدنّت إلى أسفل مستوىً، يمكن أن يصل إليه بشر. فضلا عن ذلك، لن يحتاج بشار وحلفاؤه إلى ذلك التوغل في البشاعة والترويع، فما جرى في حلب كان مقصوداً ومتعمداً، ليس فقط لإخراج المقاتلين من حلب، أو الاستيلاء عليها، فتحقيق ذلك كان ممكناً من دون حاجةٍ إلى كل ذلك العنف. بينما كان إحداث أكبر قدر من الصدمة والرعب لمقاتلي المعارضة وللمدنيين وللعالم أجمع، لكي تكون حلب نموذجاً يحاول الجميع تجنبه لاحقاً. إنها فكرة "الردع المؤلم" الذي لا يعتمد التهديد، وإنما الاستخدام الفعلي لكل ما يُتاح من قوةٍ، وبأقصى درجات القسوة والدموية.
سبق استخدام هذا المنهج الوحشي في حالات مختلفة، طبقه الأميركيون في العراق، والإسرائيليون في غزة مراتٍ. وفي كل الحالات، كانت النتيجة الفورية خسائر فادحة بين المدنيين، وتراجع قدرة المسلحين على مواجهة العدو الأقوى. أما النتائج الأخطر، فهي تلك التي لا تظهر في المعركة التالية مباشرة، والتي تثبت فشل "الصدمة والرعب" في تحقيق نصر عسكري، أو فرض حل سياسي. فما يبدو فوزاً قريباً يغري بمزيدٍ من العنف والدمار، ليس سوى نصر متوَهَّم. وهو أكثر خطورةً وكارثيةً على أصحابه، من الخسائر الحقيقية المؤلمة لأصحاب الحق والمغلوبين على أمرهم.