الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أميركا.. تدخلات غير موفقة في الشرق الأوسط

أميركا.. تدخلات غير موفقة في الشرق الأوسط

26.02.2015
ويليام فاف



الاتحاد
25-2-2015
يبدو أن مصر دخلت الحرب على "داعش" من بابها الواسع عندما هاجمت قواتها المسلحة مواقع الجهاديين في ليبيا رداً على قتل 21 قبطياً مصرياً بالطريقة البشعة التي رأيناها، وهي الجريمة التي بررتها "داعش" بكون هؤلاء الأقباط من الصليبيين، والحال أنه لا علاقة للمصريين المسيحيين بالصليبيين، ما يدلل على مدى جهل الإرهابيين بالتاريخ، ذلك أن المسيحية في مصر تعود بجذورها التاريخية إلى أبعد من الحروب الصليبية، كما أن منتسبيها هم من سكان مصر الأصليين وكانوا على تلك العقيدة حتى قبل مجيء الإسلام في القرن السابع الميلادي، بيد أن الجهل لا يقتصر فقط على "داعش"، بل يمتد أيضاً إلى الولايات المتحدة عندما قررت غزو العراق تحت رئاسة بوش الذي وصف الحرب ب "الحملة الصليبية" التي سرعان ما تلقفتها أوساط مسيحية في الولايات المتحدة مثل الكنائس الإنجيلية البروتستانتية لتصبح بعدئذ كلمة رائجة في الشرق الأوسط، والمفارقة أنه من نتائج هذه "الحملة الصليبية" التي أطلقها بوش ما كان لها من وبال على المسيحيين في الشرق، وعلى كنائسهم القديمة سواء في سوريا، أو العراق، هؤلاء المسيحيون الذين عاشوا في المنطقة منذ ظهور المسيح وصار ينظر إليهم اليوم على أنهم عملاء للأميركيين.
وفيما كان الجميع يترقب انتهاء الحروب الأميركية في الشرق الأوسط التي انطلقت في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وأفغانستان، ثم تمددت إلى أفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة الساحل، انسجاماً مع وعود أوباما الذي أراد تقليص الحضور العسكري للولايات المتحدة في العالم، إلا ما نشهده هو توسع للحرب بسبب استمرار السذاجة الغربية التي يعبر عنها مسؤولون وعسكريون من خلال مقولات "نشر الديمقراطية" و"دعم الربيع العربي"، وهناك مسؤولون داخل إدارة أوباما مازالو يعتقدون أنه من واجب أميركا التدخل لإنقاذ الشعوب في الشرق الأوسط من الحروب المنتشرة، وذلك بفتح جبهات معارك جديدة والتخلص من الأنظمة الديكتاتورية، وأيضاً التصدي لإرهابيي "داعش"، هذه الرغبة في التدخل نابعة من اعتقاد راسخ لدى صناع القرار الأميركيين بأن الولايات المتحدة هي البلد الذي "لا غنى عنه" في جلب السلام والاستقرار، ويمكن القيام بذلك من خلال المزيد من الحروب التي لا تؤدي سوى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي للبلدان وتقسيمها على أسس قبلية وطائفية وانحياز أميركا لطرف دون الآخر.
وهكذا رأينا كيف توجه أوباما مؤخراً بطلب إلى الكونجرس للترخيص بحربه الجديدة على "داعش"، والتي قد تمتد لسنوات، علماً أن الولايات المتحدة تخوض بالفعل حرباً جوية على مواقع التنظيم الإرهابي، مبررة ذلك بكونه "حقا أصيلا للدفاع عن النفس". لكن السؤال هو عن الخطر الفعلي الذي تمثله "داعش" على الولايات المتحدة، فإذا كان التنظيم يمثل أي خطر على القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة فما عليها سوى سحب تلك القوات، ما يعني ترك المنطقة تتدبر أمرها مع "داعش" وباقي التنظيمات الإرهابية، لا سيما وأن أحد التبريرات المهمة التي كانت تدفع أميركا على إدامة حروبها في الشرق الأوسط منذ تدخلها الأول في عملة "درع الصحراء" في 1990، كان انتشار القوات الأميركية، فإذا سحبت أميركا قواتها تلك انتفى التبرير واستطاعات واشنطن التركيز على أمور أخرى عدا الحروب المتوالية في الشرق الأوسط، واللافت أن المنطقة تحولت إلى ما يشبه الهاجس والشغل الشاغل للولايات المتحدة منذ عام 1990 لعدة أسباب منها ما هو متعلق بالنفط، ومنها ما يتصل بإسرائيل، وأيضاً الاعتقاد بحيوية المنطقة بالنسبة للعالم الإسلامي، رغم أن أغلبية المسلمين تعيش خارج الشرق الأوسط في إندونيسيا وباكستان ومناطق أخرى في آسيا وأفريقيا.
لكن يبدو أن الميل الأميركي للتدخل العسكري لا يقتصر على الشرق الأوسط، بل يمتد إلى مناطق أخرى، وهو بالضبط الذي ألهم الانقلاب في أوكرانيا لرغبة أميركا وحلف شمال الأطلسي إحكام الطوق على روسيا وإخافة بوتين، وهو الميل أيضاً الذي دفع مؤخراً أنجيلا ميركل وفرانسوا أولاند إلى المسارعة للتوصل إلى اتفاق مع روسيا لقطع الطريق على خطة أميركية لتسليح أوكرانيا وإشعال المزيد من الصراع، فقد بات واضحاً أن الأوروبيين ما عادوا يثقون في الإدارة الأميركية وقدرتها على احتواء الأمور، ما يؤشر على تطور إيجابي لم يفهمه الأميركيون بعد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون نيوز ميديا"