الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أمريكا والانسحاب من سوريا

أمريكا والانسحاب من سوريا

08.04.2018
محمد نور الدين


الخليج
السبت 7/4/2018
لا يُعرف تاريخياً عن حضور أو نفوذ أمريكي سياسي وعسكري وأمني أو حتى اقتصادي في سوريا.
بعد الحرب العالمية الأولى كانت سوريا من حصة الانتداب الفرنسي الذي أدارها أكثر من عشرين سنة. وكان لهذا الانتداب علاقات ممتازة مع تركيا التي نجحت في استغلال الظروف الدولية لتحصل على لواء الإسكندرون عام 1939 مقابل دعم تركي ولو جزئي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا.
وبعد الحرب العالمية الثانية كانت سوريا إلى حد كبير جزءاً من المشروع القومي العربي المؤيد لمعسكر الاتحاد السوفييتي. ورغم براغماتية الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وعدم إغلاقه الأبواب أمام تفاهمات مع الولايات المتحدة لكنه بقي في الخندق المؤيد للاتحاد السوفييتي ولا تزال سوريا اليوم ركناً أساسياً من سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 كانت الفرصة مواتية للولايات المتحدة لإحداث خرق في سياساتها تجاه سوريا وإيجاد موطئ قدم فيها بعد طول انتظار. فسوريا كانت آخر معقل للنفوذ الروسي، وإزاحة روسيا من سوريا كان سيعتبر ضربة استراتيجية تزيل الوجود الروسي كلياً من الشرق الأوسط ومن ضفاف البحر المتوسط. وكانت روسيا تدرك مدى أهمية سوريا لها، لذلك نزلت بقضّها وقضيضها عام 2015 لتحدث تغييراً دراماتيكياً في خريطة الصراع الميدانية والسياسية ولتبطل أحد أهم أهداف السياسة الأمريكية في سوريا.
عاد التوازن أولاً إلى الميدان ومن ثم كانت الغلبة تميل تدريجياً إلى النظام وحلفائه. وآخر تجلياته في استسلام مقاتلي الغوطة الشرقية ومغادرتهم إلى مناطق السيطرة التركية.
في هذه اللحظة بالذات خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح في نهاية الأسبوع الفائت بأنه يريد الانسحاب من سوريا في "وقت قريب جداً" ولتتحمل أطراف أخرى المسؤولية. وفي مطلع الأسبوع الحالي كان ترامب يجدد الموقف ذاته وبأنه آن للجنود الأمريكيين أن يعودوا إلى بلادهم ما دامت مهمة دحر "داعش" نهائياً قد قاربت على الانتهاء.
فاجأ موقف ترامب المراقبين الأمريكيين قبل الآخرين. وتباينت الآراء في حقيقة موقف ترامب وهل هو جدي أم أنه للتوظيف في مكان ما؟.
دعمت واشنطن المعارضة السورية السياسية والمسلحة. لكنها في لحظة معينة كانت تتبنى مقاتلي قوات الحماية الكردية بدءاً من معركة عين العرب- كوباني ومن ثم توفير الأسلحة والتدريبات والخبراء لهم على كامل المنطقة التي يسيطرون عليها في الشمال السوري من الحدود العراقية إلى منبج وهي مساحة واسعة جداً وقد تشكل ربع مساحة سوريا.
الرغبة في الانسحاب الأمريكي وفي ظل الخلاف مع تركيا يجعل من قوات الحماية الكردية مكشوفة ومحرومة من مساعدة وحماية وغطاء الدولة الأكبر في العالم. وهذا يفتح الطريق أمام سيطرة تركية على الشمال السوري أو تقدم الجيش السوري النظامي إليها.وهذا يعني أن المشروع الأمريكي في سوريا قد خسر أحد أكبر أدواته وأنه سقط نهائياً.
ولكن ماذا ستفعل واشنطن بالقواعد أو المراكز العسكرية الثلاثة عشرة التي أقامتها في مناطق شمال شرق الفرات بما فيها منبج الواقعة إلى الغرب منها؟ولماذا أقامتها في الأساس؟ وهي التي قيل إنها لدعم مشروع تقسيم سوريا ومن ثم المنطقة بما فيها تركيا، ولمنع إيران من إقامة خط ربط بري بين العراق وسوريا؟ ولتكون منطقة دعم خلفية للوجود الأمريكي في العراق كما في المناطق الكردية من العراق وسوريا؟
في حال نفّذ ترامب كلامه عن الانسحاب فإن ذلك يعني إشهار الهزيمة المطلقة بالسياسات الأمريكية في المنطقة. والحديث عن مشروع أمريكي قد يبدو فضفاضاً وغير دقيق نظراً للكم الكبير من التقلبات فيه ومن عدم وضوح الرؤية الأمريكية تجاه المنطقة، اللهم خلا الدعم المطلق للمشروع "الإسرائيلي" في فلسطين.
بين تصريح ترامب حول الرغبة في الانسحاب وكمّ كبير من المصالح الموضوعية في المنطقة ككل، فإن الموضوع يحتاج إلى بعض الانتظار لمعرفة حقيقة الموقف الأمريكي الذي هو في جميع الأحوال ومنذ وصول ترامب إلى الرئاسة لا يُعرف له شكل ولا لون ولا رائحة. وهذه سابقة في تاريخ الدولة العظمى الأولى في العالم.