الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أمريكا وإيران و"داعش" و"القاعدة"

أمريكا وإيران و"داعش" و"القاعدة"

29.08.2017
د. عبدالله السويجي


الخليج
الاثنين  28/8/2017
الزيارة التي قام بها بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني إلى روسيا ولقاؤه مع رئيسها فلاديمير بوتين، ركزت، كما تناقلت الصحف، على الترتيبات الأمنية والتطورات العسكرية التي تشهدها سوريا، ونقلت وسائل الإعلام عن نتنياهو قوله: أرحب بهزيمة "داعش"، ولكنني لا أرحب بوجود إيران في سوريا على حدودنا، على كل حال سنتخذ الإجراءات الضرورية والمناسبة وفقاً للخطوط الحمر.. ونقلت وسائل الإعلام أيضا أن نتنياهو حاول أن يقنع بوتين بألا تكون إيران جزءاً من التفاهمات الأمنية. هذا ما رشح عن لقاء نتنياهو - بوتين، وربما تكون هناك قضايا أخرى، لكن خوف القيادة الصهيونية ظهر من تصريح المسؤولين الإيرانيين من أن بلادهم تستطيع تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% خلال خمسة أيام، وهذا يعني أن بمقدور إيران أن تتحول إلى دولة نووية خلال خمسة أيام. وطرح مسؤولون أمريكيون هذه الحقيقة لدفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض المزيد من العقوبات، أو للقيام بخطوة مجنونة تجاه الملف النووي الإيراني، لأنه، كون إيران تستطيع تخصيب اليورانيوم خلال خمسة أيام، يعني أن الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي فشل، وهذا ما يحاول قادة الكيان الصهيوني العزف عليه وإثارته مجدداً.
هذا التهديد المبطن من نتنياهو لإيران، يعيدنا إلى تقارير تسربت خلال العقدين الماضيين حول استعدادات "إسرائيلية" وأحياناً أمريكية وأحياناً "إسرائيلية" - أمريكية لتوجيه ضربة عسكرية للقدرة العسكرية الإيرانية، لكنها لم تفعل ذلك، لا هي ولا "إسرائيل"، لأسباب عسكرية ولوجستية وسياسية واقتصادية.
وبمراجعة بسيطة لهذا الموضوع، نقرأ في صحيفة "ديلي كوز" الأمريكية تصريحاً لرئيس الوزراء الإيطالي آنذاك، برلسكوني بتاريخ 28 يونيو/حزيران 2010، حيث قال إن جميع المؤشرات تدل على أن "إسرائيل" تجهز لضربة استباقية لإيران، وقد يحدث هذا في القريب العاجل، وهذا "القريب العاجل" مرت عليه 10 سنوات. وفي التقرير ذاته تنقل الصحيفة عن الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك، وجود وثائق تعود إلى فترة 2001-2003 تشير إلى استراتيجية بعيدة المدى لدى الولايات المتحدة بشأن تغيير النظام في العراق ثم سوريا ثم مصر ثم إيران. ويقول الجنرال كلارك إنه بعد العراق سيتم تغيير النظام في سوريا، ثم في لبنان، وبعد خمس سنوات أي في العام 2008، سيتم ضرب إيران.
 
ويبدو أن الاستراتيجية قد تغيرت أو تأجلت، إذ قام الجيش "الإسرائيلي" بمهاجمة لبنان في العام 2006 للقضاء على حزب الله اللبناني، ولم يكتف بقواعد ومراكز الحزب وإنما هاجم البنية التحتية في لبنان من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، وفي النتيجة، فشل الكيان في مهمته، وأعاد حزب الله تسليح نفسه بدعم كامل من إيران. ويبدو أنه لم تتمكن "إسرائيل" من تدمير حزب الله لهذا لم تتوجه ربما لضرب إيران.
السيناريو ذاته الآن يتكرر، "إسرائيل" منزعجة من وجود إيران في سوريا، ولهذا تروج من جديد لسيطرة إيران على سوريا ولبنان، وتشير إلى وجود مصانع أسلحة إيرانية في لبنان لصالح حزب الله، وبالتالي قد تمهد لحرب جديدة على حزب الله، ولكن الوقائع تقول إن "إسرائيل" ليست جاهزة الآن لمحاربة ميليشيا، فكيف ستواجه دولة مثل إيران.
تقرير لإذاعة "بي بي سي" البريطانية نُشر في 15 أغسطس/آب عام 2012 تحدث أيضاً عن استعداد الكيان الصهيوني لمهاجمة إيران، والسيناريوهات العسكرية تقول إن الكيان الصهيوني سيخسر حوالي 500 قتيل، وذكرت صحيفة "معاريف" أن الحرب ستكون على عدة جبهات وقد تستغرق شهراً، وستكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ولكن هل الولايات المتحدة مستعدة لخوض حرب مع إيران؟
هذا السؤال أجابت عليه تقارير سياسية وعسكرية وإعلامية يمكن الاطلاع عليها ببساطة بكتابة جملة باللغة الإنجليزية (هل تهاجم الولايات المتحدة إيران؟) على محرك البحث (جوجل)، لتظهر عشرات المقالات والفيديوهات التي تعالج الموضوع، ويتحدث فيها جنرالات ومحللون عسكريون وسياسيون، بعضهم يقول بأسلوب تهكمي على تقارير الضربة العسكرية بأن (أمريكا بالتأكيد تمزح)، وأن الحرب ستستمر حوالي أربع سنوات، لأن إيران ليست العراق، وإذا ما احتوت الضربة الأولى ستؤدي الحرب إلى كارثة مرعبة، وستقود أسعار النفط (لتصل السماء).
والآن، بعيداً عن تحليلات المراقبين الأمريكيين و"الإسرائيليين"، يحق لنا أن نطرح سؤالاً جوهرياً: هل حقاً تريد الولايات المتحدة الأمريكية أو "إسرائيل" ضرب إيران؟
الإجابة تقودنا إلى حروب سابقة انطلقت في العام 2001، للقضاء على "القاعدة" وحركة "طالبان". مرت 17 سنة على هذه الحرب، ولا تزال "طالبان" تحارب الحكومة الأفغانية والجيش الأمريكي في أفغانستان، ولم يتم إحراز أي تقدم في القضاء على "طالبان" أو "القاعدة"، والقضاء على ابن لادن لا يعني القضاء على "القاعدة" التي أنشأتها أمريكا نفسها، مثلما القضاء على أبو بكر البغدادي لا يعني القضاء على "داعش"، والتنظيمان متشابهان جداً في النشأة والتمويل، وهذا ما يقودنا أيضاً إلى سؤال مهم: هل تريد الولايات المتحدة القضاء على "داعش"؟ الذي سلحته بطريقة أو بأخرى بالتنسيق مع تركيا ودول أخرى وعززت وجوده عسكرياً ولوجستياً واتصالياً، كما فعلت مع "القاعدة"؟ وهل المطلوب أن تبقى المنطقة في فوضى عارمة، لتكون هناك حاجة إلى الولايات المتحدة، من خلال قواعدها، ولتكون هناك حاجة إلى "إسرائيل" طالما أنها تهدد بضرب إيران؟
من وجهة نظرنا، نعتقد أن الولايات المتحدة سعيدة بوجود نظام في إيران يهدد المنطقة، وسعيدة بوجود "القاعدة" و"داعش" اللذين ينشران الرعب والفوضى والدمار في المنطقة، وحين يتم القضاء على "داعش"، ستخلق أشكالاً أخرى تواصل نشر الفوضى وتغيير الأنظمة، ليس لنشر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولكن لضمان أمرين، الأول، الإبقاء على المنطقة كسوق سلاح لا ينضب، والثاني، الإبقاء على "إسرائيل" قوية وسط أنظمة عربية متشرذمة وضعيفة.