الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أمريكا ترامب لا تختلف كثيرا عن إدارة بايدن من حيث الجوهر

أمريكا ترامب لا تختلف كثيرا عن إدارة بايدن من حيث الجوهر

08.02.2021
مزهر جبر الساعدي



القدس العربي
السبت 6/2/2021
الرئيس الأمريكي جو بايدن سيكون أمام حزمة من المعضلات والمشاكل، سواء ما كان منها في الداخل الأمريكي، أو في السياسة الخارجية، التي تنتظر من إدارته في الحالتين؛ إيجاد الحلول لها. بايدن يختلف عن سابقيه الديمقراطي والجمهوري؛ فهو قادم من قلب المؤسسة الأمريكية، وله تاريخ طويل جدا في العمل بها، سواء، نائبا للرئيس السابق أوباما، أو عضوا في مجلس الشيوخ. المشاكل التي ستواجه إدارته، في السياسة الخارجية الأمريكية وباختصار شديد هي:
أولا؛ الصين وروسيا اللتان تشكلان معا محورا يعمل بالضد من سياسة أمريكا في العالم، وهما ينازعان الولايات المتحدة على مناطق النفوذ في العالم، كل واحدة منهما بطريقة مختلفة عن الأخرى، وأغلب الأحيان بطريقة تنافسية بين الاثنين؛ على قاعدة إطارية متفق عليها منذ سنوات، يتحركان معا ضمن فضاءات هذه المساحة؛ لمغالبة السياسة الأمريكية الكونية، باستقطاب ما يمكنهما استقطابه من دول العالم الثالث، والقريب منها. إذن في أي طريق يمكن التعامل مع هاتين الدولتين العظميين، هل يتم التعامل معهما بالسياسة الناعمة، التي عرفت بها الإدارات الديمقراطية؟ أم بالسياسة الخشنة، أي بالمواجهة كما كانت عليها سياسة الإدارة السابقة، أو أقل منها قليلا. على الأغلب أن سياسة بايدن سوف تتبع طريقين مختلفين في التعامل معهما، ولكن على قاعدة السياسة الناعمة. فإدارة بايدن ستحاول جرهما إلى سباق تسلح جديد، وبالتالي إضعاف روسيا اقتصاديا، والتأثير في اندفاعة الصين. في المقابل أن كلاً من روسيا والصين، ومن خلال تصريحات مسؤوليهما في أوقات سابقة؛ التحالف بينهما لا يخضع للأهواء والتغيرات الدولية، في مخالفة كبيرة جدا لأنماط العلاقة القائمة بينهما، فهي وفي كل الأحوال لا يمكن اعتبارها علاقة تحالف بأي شكل كان، وهذا ما يؤكده المحللون الروس، إلا أنها وفي الوقت ذاته؛ علاقة تعاون وشراكات اقتصادية، وحتى عسكرية، فرضتها الوقائع على الأرض، فالخلافات وصراع التنافس بينهما عميقان، كما أن التعاون والشراكات بينهما عميقان أيضا، أو هي بالعمق ذاته الذي فرضه عليهما الجبروت الأمريكي.
أمريكا تدرك هذا جيدا، لذا، فإن إدارة بايدن سوف تلعب على وتر الخلاف بينهما، وهي لعبة ليس بالإمكان تمريرها على صانع القرار والسياسة في الدولتين. روسيا وعلى لسان بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس الروسي؛ بارك تنصيب بايدن، قائلا: قد يكون بداية لعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة، وأول هذه الخطوات هي التوقيع على تمديد العمل بستارت 3، وسرعان ما سربت الصحافة الأمريكية؛ أن بايدن يتجه إلى تمديد ستارت 3 لمدة خمس سنوات. الصين من جهتها أصدرت عقوبات على وزير خارجية أمريكا وعلى مسؤولين آخرين، في الوقت بدل الضائع، وهي رسالة للإدارة الجديدة؛ بأن الصين سوف تتعامل بشدة وبقوة مع أي سياسة أمريكية معادية لها. في نهاية المطاف سوف تُجبر الولايات المتحدة على التعامل معهما بسياسة وسط بين النعومة والخشونة، حسبما تقتضي الظروف الواقعية للصراع بين الثلاث.
المفاوضات المقبلة بين إيران وأمريكا والترويكا الأوروبية، ستفضي إلى إعادة العمل بالصفقة النووية بين إيران والست الكبار في العالم
ثانيا؛ الملف النووي الإيراني: وهو من أكبر المعضلات التي ستواجه الإدارة الجديدة، والتي تتطلب وضع حل لها. كيف يكون الحل هل بالرضوخ للطلب الإيراني، بأن إيران لن تعود للالتزام بخطة العمل المشتركة، إلا برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عنها، وبخلافه لن تعود للالتزام به، أما اذا رفعت العقوبات الاقتصادية عنها فإنها ستعود إليه في الحال. وفي حركة استباقية ذكية جدا؛ قامت إيران برفع درجة تخصيب اليورانيوم إلى 20% بخلاف المتفق عليه في الصفقة النووية بينها وبين الست الكبار في العالم. كما أنها هددت لاحقا، وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها؛ من أنها قادرة وبسرعة على رفع درجة التخصيب إلى 90% وهي الدرجة الكافية لصناعة القنبلة النووية. الملف النووي مرتبط بملفات اخرى كثيرة، وهي ملف الصواريخ والتدخل الإيراني في المنطقة العربية، حسبما يقول الأمريكيون. في الأيام الأخيرة تحدثت الأخبار عن أن إيران تجري لقاءات مع طاقم إدارة بايدن، إيران نفت هذا، لكننا نميل إلى تصديق هذا التسريب. وهذه هي البداية لمفاوضات قد تكون سرية ولا يعلن عنها، قبل الاتفاق الذي سوف يشمل بالإضافة الى النووي، ملفي الصواريخ والأوضاع في المنطقة العربية، لجهة الفعل المؤثر لإيران فيها، ومن المحتمل جدا أن تكون من خلال طرف عربي، سلطنة عمان مثلا، أو قطر التي عرض مؤخرا وزير خارجيتها، التوسط بين إيران ودول الخليج العربي. كل المؤشرات تشير إلى أن هذا الاتفاق شبه مؤكد. وزيرا الدفاع والخارجية في إدارة بايدن، قالا إن امريكا سوف تمنع ايران من صناعة السلاح النووي، وفي الوقت ذاته لمّحا بطريقتين مختلفتين، ولكن بنبرة واحدة واتجاه واحد، إلى الحاجة الفعلية والواقعية، لعودة أمريكا الى الصفقة النووية، حين قالا؛ إن ايران بدون اتفاق قادرة على امتلاك السلاح النووي وعندها سوف تكون هناك صعوبة في مواجهتها، ولكن الاتفاق سوف يتيح لنا مراقبة برنامجها النووي. هذه التصريحات الاستباقية مع الإجراءات الإيرانية الاستباقية، وأيضا تصريحات المسؤولين الايرانيين، تشير إلى أن المفاوضات المقبلة بين إيران وأمريكا والترويكا الأوروبية، ستفضي الى إعادة العمل بالصفقة النووية بين إيران والست الكبار في العالم.
صاحب هذا، إشارات أخرى ذات علاقة بالأوضاع في المنطقة العربية وجوارها الإيراني والتركي، التي تميل إلى حلحلة الأوضاع والعمل على إيجاد الحلول لها، في سوريا والعراق واليمن ولبنان وعودة المفاوضات الفلسطينية (الإسرائيلية). ومن المحتمل جدا، أن تكون على الشكل التالي: في سوريا؛ الاحتمال وارد، أن يتفق الأمريكيون والروس على حل للوضع في سوريا وبموافقة النظام السوري الذي يواجه وضعا اقتصاديا خانقا، وليس أمامه من حل إلا الرضوخ لمطالب روسيا؛ بالتعجيل بكتابة دستور جديد، والمرحلة الانتقالية والانتخابات. وهذه الشروط هي في الوقت ذاته، شروط أمريكا مع بعض الاختلافات؛ في المساهمة في إعادة الإعمار؛ يعني تحشيد المانحين العرب في هذا الاتجاه، بإرادة امريكية. هذا ما هو ظاهر على سطح الاحداث، أما ما هو وراء الباب المغلق، فهو يختلف كليا عن هذا الظاهر في المشهد السياسي. عليه، فإن المستقبل سيشهد ترتيب علاقة ما، بشكل او بآخر، بين النظام و(إسرائيل) التي تحتل الأرض العربية سواء في الجولان، أو ما تبقى من أرض فلسطين. هنا يصبح الوجود الإيراني لا ضرورة له، كما غيره أي الامريكي والتركي، باستثناء الروسي الذي هو ثمن هذه المقايضة الإقليمية والدولية، إن حدث وكُتب لها النجاح؟ إنها، لعبة طويلة النفس، ربما يجري الإعداد لها في الخفاء بعيدا عن رؤية ومسامع الشعب السوري، بين روسيا وأمريكا (وإسرائيل)؛ لإعادة صياغة شكل العلاقة بين النظام السوري (وإسرائيل) بمشاركة جدية وفاعلة من الإمارات ومصر العربية، وغيرهما. أما على الضفة الفلسطينية وهي سبب الأسباب لكل هذا الصراع في المنطقة العربية، لأنها قضية مصيرية للعرب، في ترابط عضوي مصيري؛ السلطة الفلسطينية باركت تنصيب بايدن، متمنية على لسان محمود عباس على الإدارة الامريكية الجديدة، العودة إلى مفاوضات الحل النهائي. السؤال المهم هنا هل تختلف إدارة بايدن عن إدارة ترامب؟ لأي راصد للسياسة الامريكية في الذي يخص القضية الفلسطينية؛ لا وجود لأي اختلاف جدي ومؤثر وفعال لصالح القضية الفلسطينية؛ كل ما هنالك هو الاختلاف في الأساليب. صحيح ان ترامب قام بما لم يقم به أي رئيس أمريكي، لكنه لم يأت بجديد. اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل؛ قرار أمريكي تم اتخاذه من عدة سنوات قبل مجيء ترامب، كما أن اعتراف أمريكا ترامب بالمستوطنات، بخلاف الإدارات الديمقراطية، لكن هذه الإدارات جميعها بلا استثناء لم تمنع إسرائيل من إقامة المستوطنات، سوى بعض التصريحات لذر الرماد في عيون العرب والفلسطينيين، وهي إجراءات شكلية لا تغير من الواقع شيئا. وزيرا الدفاع والخارجية في إدارة بايدن حتى قبل موافقة الكونغرس على توليهما موقعيهما، قالا؛ إن أمن إسرائيل، مهمة استراتيجية امريكية. أمريكا بايدن؛ لن تغير من اعتراف امريكا ترامب؛ اعتبار القدس (عاصمة لإسرائيل) والأمر ذاته ينطبق على الجولان إلا بعد الوصول إلى حل مع النظام السوري بدعم ومشاركة عربية وروسية؛ ربما يجري وضع ترتيب خاص لها في إطار هذا الحل المفترض.. أمريكا بايدن لن تختلف كثيرا عن أمريكا ترامب فيما يخص فلسطين إلا بأسلوب المعالجة الذي يسوق إلى الرأي العام الدولي والعربي والأمريكي؛ من ان امريكا بايدن ملتزمة بالقانون الدولي، بما يمهد الطريق لحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو. إنها سياسة تخدير، في انتظار إحداث اختراقات حاسمة لصالح (إسرائيل) وليس لجهة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة، كما وصفها بوش الاب والابن منذ عدة سنوات. أما في اليمن والعراق ولبنان، فالأمر لا يختلف كثيرا عن سوريا وفلسطين؛ الاختلاف الوحيد في طريقة إنضاج الحلول وأدواتها.. السؤال المهم هنا؛ هل يتم تمرير هذه الحلول على الشعوب العربية وأهمها الشعب العربي الفلسطيني؟ نعتقد وبكل تأكيد أن للشعوب العربية، القول الفصل، في كل هذا الذي يجري على أرضهم، ويتعلق بحاضرهم مستقبلهم، خصوصا أن هذه الطبخات سوف لن يتم إنضاجها قبل مرور، ربما وقت طويل..