الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ألم يحن الوقت لتقوية العامل الداخلي؟

ألم يحن الوقت لتقوية العامل الداخلي؟

09.12.2018
زكي الدروبي


حرية برس
السبت 8/12/2018
مما لا شك فيه أن العامل الخارجي هو الأساس والمقرر في الشأن السوري حالياً، دون أي اعتبار أو مشاورة للسوريين، نظاماً ومعارضة، وهذا ينبع من الاستهانة والاستخفاف بنا جميعاً، ولا مجال حالياً لنقاش الأسباب التي أدت لتعاظم دور العامل الخارجي وليس من مهمة هذه المقالة مناقشة هذا الموضوع، لكن المتابع يرى أن العامل الخارجي في هذه الأيام يصب في بعض جزئياته لصالح الثورة السورية، فالتوكيل الأمريكي لروسيا بالحل في سوريا بدأ يتقلص، خصوصاً بعد التدخل الأمريكي الأوروبي والورقة التي أطلقوها بشأن سوريا، وما جرى بعدها من منع مليشيات الأسد وإيران ومن ورائها روسيا من القيام بعملية عسكرية شاملة في إدلب والتصريحات الأمريكية الأخيرة بإنهاء مساري سوتشي وآستانا والعودة إلى مسار جنيف، والضغط على إيران للخروج من المنطقة وحصارها عبر العقوبات الاقتصادية واستهداف قواتها والمليشيات المقاتلة معها في سوريا من قبل طيران العدو الصهيوني، وامتداد التوتر إلى لبنان وتهديد الكيان الصهيوني لحزب الله بعملية عسكرية، كلها تجري باتجاه إضعاف التحالف الداعم لنظام الأسد، فخروج قوات إيران والمليشيات العاملة معها من سوريا سيؤثر بالتأكيد على قوات نظام الأسد وعلى القوات الروسية التي لا تريد أن تشارك في عمليات عسكرية على الأرض مخافة دفع الكلف العالية، وبالتالي فالجميع في مأزق، ولهذا يلهث الأسد باتجاه تأمين قوات بديلة لقوات إيران وميلشياتها لسد الفراغ الذي سيحصل عبر تجنيد شباب مناطق المصالحات وسوقهم للخدمة الإجبارية وإيهام الشباب السوري في الخارج بالعفو من الخدمة العسكرية ليفاجأ من عاد منهم باعتقاله وتجنيده مع قوات الأسد، وعبر الضغط على اللاجئين السوريين في لبنان لدفعهم للعودة إلى سوريا وبالتالي تجنيدهم في قواته.
هذه العوامل الإيجابية التي تصب في صالح الثورة لا تجد لها صدى لدى قوى المعارضة والثورة السورية يستطيع استثمارها لتحقيق أهداف الثورة السورية في الانتقال من نظام الأسد الاستبدادي القاتل لشعبه الناهب لثروات بلاده العميل لقوى الخارج، إلى نظام مدني ديمقراطي تعددي، ففي ضفة الثورة لا يزال الإرهاب يتحكم بمساحة من سوريا ولا يزال يمارس نفس ممارسات النظام تحت ذرائع تطبيق شرع الله وكأننا من كفار قريش وننتظر هؤلاء الإمعات ليهدونا إلى الصراط المستقيم، ولا زالت هذه القوى الإرهابية تقتل نشطاء الثورة السورية وتختطفهم وتعتقل الأحرار وتمنع الصحافة الحرة وتكمم الأفواه وتمنع النشاط السياسي وحرية تشكيل الأحزاب بقوة السلاح في نسخة طبق الأصل عن ممارسات نظام الأسد المجرم.
أيضاً لا زالت قوى الثورة والمعارضة مبعثرة مفككة، فالتنسيقيات لازالت ضعيفة مفككة مبعثرة، ولم تستطع أن توحد عملها لأسباب متعددة، من أهمها الأنا المتضخمة والذاتية المفرطة، وقسم منها منكفئ على ذاته معتد بنفسه لا يرغب بالتواصل والعمل مع الآخرين، وكذلك القوى السياسية المبعثرة والضعيفة التي يملك كل واحد منها الحقيقة المطلقة ويرغب بإعادة إنتاج الهيمنة بعقلية الإقطاع السياسي، فهو يريد من القوى السياسية الأخرى أن تكون تابعة له مؤتمرة بأمره لا تعمل أي نشاط إلا من خلاله، ويسعى ليعيد إنتاج الهيمنة كما كانت تجربة المجلس الوطني السوري ويبعد الآخرين غير الموافقين على نهج التبعية.
هذا النهج وهذه العقلية المدمرة للثورة السورية لا زالت موجودة لدى عدد من القوى السياسية، ولم تستطع رغم كل ما جرى من كوارث نتيجة هذه العقلية من تجاوزها والاتجاه إلى عقلية التشارك والعمل المشترك بدلاً من عقلية الهيمنة والتبعية، وهذا الأمر خطير جداً على الثورة السورية بعد كل هذه السنوات وبعد كل ما حصل.
إن الحوار واستمرار الحوار ومحاولات الإقناع والعمل المشترك وصولاً لبناء الثقة بين الفرقاء أمر مهم جداً، وسيؤدي شيئاً فشيئاً إلى بناء عمل وطني مشترك بين القوى الوطنية الديمقراطية ينتج فيما بعد قيادته المشتركة للثورة السورية، وهذا لن يتم قبل الحوار والتشاور والبناء على عقلية الندية والشراكة وإبعاد عقلية الهيمنة والتبعية، هذا الحوار والعمل المشترك سينتج تفاهمات وثقة بين تلك القوى تؤدي بالنتيجة إلى وحدة عمل القوى الوطنية وتكوين جسم متماسك يستطيع قيادة العمل الثوري بمختلف أشكاله وتفرعاته والاستفادة من تناقضات مصالح الدول، وما يحصل حالياً من تدخل أمريكي واضح وسحب التوكيل المعطى للروس قد لا يدوم طويلاً.