الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ألمانيا يا حبيبتي

ألمانيا يا حبيبتي

05.09.2015
فهد الخيطان



الغد الاردنية
الخميس 3/9/2015
لا يرف القلب إلا لراية الوطن، ولا تصبح التضحية بالنفس واجبة إلا من أجل الأوطان. لكن حين تتحول الأوطان إلى سجون ومقابر، الحياة فيها مذلة وهوان، فلا مجال للسؤال "لماذا تكفر الشعوب بأوطانها؟".
كل العرب كانوا يرددون خلف السوريين النشيد العظيم؛ "سورية يا حبيبتي أعدت لي كرامتي أعدت لي هويتي...". بالأمس، كان آلاف السوريين يهتفون في ميونيخ "نحبك يا ألمانيا"، ويستنجدون بـ"ماما ميركل"؛ المستشارة الألمانية التي أعلنت عن استعداد بلادها لاستقبال اللاجئين السوريين، حتى من كان منهم بلا وثائق.
يغامر عشرات الآلاف من السوريين بحياتهم يوميا من أجل الوصول إلى أوروبا، والجنة الموعودة؛ ألمانيا. صار الخلاص من الأوطان حلم الملايين؛ ليس في سورية فحسب، وإنما في عديد المجتمعات التي دمرتها الحروب الداخلية والفوضى.
في النصف الأول من العام الحالي، استقبلت دول أوروبا ما يزيد على 350 ألفا من اللاجئين، أكثر من نصفهم سوريون. وقبل أيام، طلبت ميركل من شعبها الاستعداد لاستقبال 800 ألف لاجئ هذا العام.
قاوم السوريون كثيرا قبل أن ينشدوا لألمانيا. تحملوا براميل الموت، وبشاعة الإرهاب، وجرائم "داعش" والنظام. في بداية الأمر لجأوا إلى الأشقاء والجيران. لكن بعد أن فاضت بهم الحدود، اتجهوا صوب أوروبا. الدول الغربية التي كانت حتى وقت قريب بمنأى عن تداعيات الأزمة السورية، ها هي اليوم تغرق مثل الأردن ولبنان وتركيا بفيضان اللاجئين.
ملايين السوريين يحلمون بالهروب إلى أوروبا. الألمان استقبلوهم باحترام لم يألفوه في بلادهم. المساعدات انهالت عليهم حال وصولهم محطة القطارات، الأمر الذي دفع بالشرطة الألمانية إلى الطلب من سكان ميونيخ التوقف عن تقديم المساعدات، "لأنها لم تعد قادرة على استقبالها وتوزيعها لكثرتها".
السوري الفار من حلب، كان لا يجد حليب أطفاله، يُستقبل بهذه الحفاوة في بلاد الغربة. ماذا نتوقع منه غير الهتاف بحياة ميركل؟
في خضم الصراع الدموي في سورية، واحتدام المنافسة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين على مستقبلها، ثمة مأساة إنسانية تتجاهلها الأطراف المتصارعة. لا أحد يقيم وزنا لحياة الناس العاديين؛ يموت من يموت، المهم أن يظفر هذا الفصيل بهذه البلدة أو القرية البائسة. وإن استمرت الحال على ما هي عليه، فقد لا يجد المتصارعون بعد حين شعبا يحكمونه في سورية.
هذا ليس بكلام خيالي؛ نحو أربعة ملايين سوري غادروا بلادهم، ومثلهم وأكثر مهجرون داخل سورية، ويتحينون الفرصة للنجاة بأرواحهم. وإذا ما أبقت دول أوروبية أبوابها مفتوحة للاجئين، فإن سورياً واحدا لن يتردد في ركوب البحر على ما في الرحلة من مخاطر، للوصول إلى الشاطئ الآخر من "المتوسط".
العرب هم أكثر الشعوب تعلقا بأوطانهم. الحنين للبلد لا يفارقهم أينما حلوا. ومهما طالت بهم الغربة، يبقى الأمل ولو بقبر في الوطن. لكن ماذا بوسع الشعوب أن تفعل عندما تضيق بها الأوطان؟
لقد ضحى الملايين من أجل "بلاد العرب أوطاني". لكن الشعوب لم تنل غير القمع والاستبداد والذل. ما قيمة العيش في الأوطان من دون كرامة وحرية وحياة كريمة؟
ليس صحيحا أن خطر التقسيم فقط هو الذي يداهم أوطاننا. الخطر الأكبر أن تتحول بعض دولنا إلى أقطار مهجورة، لا تسكنها شعوب.