الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ألمانيا.. رفع حظر الترحيل إلى سوريا انتهاك يربك اللاجئين

ألمانيا.. رفع حظر الترحيل إلى سوريا انتهاك يربك اللاجئين

17.12.2020
عديّ المعصراني



نون بوست 
الاربعاء 16/12/2020 
منذ أن انتهى اجتماع وزراء داخلية الولايات الألمانية يوم الجمعة المنصرم، عنوان القرار الذي اتفق عليه الوزراء: "لا حظر ترحيل إلى سوريا"، تتصدر الصحف الألمانية، وذلك رغم الجدل الواسع في الأوساط السياسية والأصوات المرتفعة من قبل المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني التي طالبت بتمديد حظر الترحيل. أما عن الشارع السوري في ألمانيا، فقد كان منقسمًا بين مؤيد للقرار لأنه لم يشمل إلا "المجرمين الخطيرين"، ومعارض له يقول إن القرار ليس إلا انتهاكًا لحقوق الإنسان وفخ سياسي سيعاني منه الكثير من اللاجئين السوريين مستقبلًا في ألمانيا. 
"المجرمين الخطيرين" فقط؟ 
نجح هورست زيهوفر، وزير الداخلية الألماني بتحقيق مسعاه برفع حظر الترحيل إلى سوريا وذلك بعد اتفاق وزراء داخلية الولايات التي يحكمها حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي على ذلك وفشل وزراء داخلية الولايات التي يحكمها الحزب الديمقراطي الاجتماعي بإيقاف الأمر. 
اتفق وزراء الداخلية فيما بينهم مخالفين ومتجاهلين التقرير الذي وضعته وزارة الخارجية الألمانية حول الوضع في سوريا، الذي وضحّ بدوره أنه لا يمكن إبعاد أي شخص إلى سوريا وذلك نظرًا لاستمرار قيام نظام الأسد بانتهاك حقوق الإنسان، كما ذكر أيضًا أن هنالك أكثر من 1400 معتقل قد قتلوا تحت التعذيب منذ بداية هذا العام، بالإضافة إلى تسجيل 1412 حالة اعتقال ما بين شهر يناير وشهر أكتوبر، مركّزًا على أن الاعتقال يهدد أيضًا من يريد العودة من اللاجئين إلى سوريا. 
رغم معرفة وزير داخلية مقاطعة بايرن والمتحدث باسم وزراء داخلية الاتحاد المسيحي الديمقراطي، هواخيم هيرمان، أن ضابطين سابقين من مخابرات نظام الأسد تجري محاكمتهم في المحاكم الألمانية لاتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كان قد أجاب في أول أيام اجتماع وزارات الداخلية، عند سؤاله في مقابلة مع قناة الـ Tagesschau الألمانية عما إذا كان مستعدًا للتعاون مع الأجهزة الأمنية والنظام في سوريا رغم كلّ الانتهاكات وجرائم الحرب المرتكبة من قبلهم، قائلًا "نعم، يجب علينا التفكير بكيفية فعل ذلك، ويوجد العديد من الدول التي تملك علاقات مع سوريا ومنها جمهورية التشيك التي لديها سفارة في دمشق"، وهو ما يعني أن ثمة نية مبيتة وإصرارًا من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي على المضي قدمًا بخطته. 
هناك بعض التفاصيل من مخرجات الاجتماع التي لم تكن واضحة للجميع، فقد تم الاتفاق مبدئيًا على دراسة ملف كل "مجرم خطير" على حدة، وذلك حسب ما صرّح به أيضًا هيرمان لصحيفة الفيلت الألمانية، ما جعل الأمر يبدو للكثيرين بريئًا ومحقًا ويهدف لحماية الأمن الألماني، ولكن في تصريح أتى في ذات اليوم ولذات الصحيفة قال هيرمان "هنالك العديد من مؤيدي النظام السوري الذين أتوا إلى ألمانيا وصرّحوا بأنهم قد هربوا من تنظيم الدولة الإسلامية، لا أعتقد أن هؤلاء إذا تم إرسالهم إلى مناطق النظام السوري، سيتعرضون للتهديد منه، أما المعارضين للنظام فيمكن إرسالهم إلى مناطق السيطرة التركية أو مناطق سيطرة القوات الكردية". 
خرجت هذه التصريحات لتضعنا أمام تساؤل خطير عما إذا كان هدف الحكومة الألمانية في المرحلة القادمة سيتوقف عند التركيز على إرسال "المجرمين الخطيرين" إلى سوريا أم أنه سيستمر ليشمل إيضًا دراسة إمكانية ترحيل لاجئين آخرين إلى مناطق "مستقرة، لا حرب فيها". 
إنهم ينتهكون حقوق الإنسان 
لم تهدأ الاحتجاجات منذ صدور القرار إلى يومنا هذا، حيث نُظِّمَت تظاهرات في عدة مدن ألمانية بدعم من منظمات حقوقية مثل "فرايديز فور فيوتشر" و"زيبروكيه" و"تبنّى ثورة" بالإضافة إلى نشاطات حملة "سوريا ليست آمنة"، حيث ألقت الحملة كلمة من أمام مركز الاجتماع في مدينة فايمر، تتضمن رسالة واضحة فحواها "أن السوريين أنفسهم هم محور موضوع الترحيل وهم الخبراء فيه أيضًا. ترحيل أي شخص إلى سوريا هو انتهاك واضح لحقوق الإنسان". 
يرى الناشطون في حملة "سوريا ليست آمنة" أن ترحيل حتى مرتكبي  الجرائم إلى سوريا هو انتهاك لحقوق الإنسان، "لأنهم سيواجهون الإذلال والتعذيب ربما حتى الموت في المعتقلات"، ولذلك تحديدًا يجب أن يحصل حتى المجرمون على "الحق في محاكمة عادلة تحت حكم القانون، حيث يتواجد نظام قضائي يحكم استنادًا لمبادئ حقوق الإنسان، وهذا الشيء غير موجود في سوريا". 
التقى "نون بوست" بسامر الحكيم، وهو ناشط في الحملة، وقال تعليقًا على قرار رفع حظر الترحيل: "لا يمكننا أن نتخيل أن يقوم شرطي من دولة ديمقراطية يحكمها القانون مثل ألمانيا، بتسليم أي شخص بعد إجباره على الترحيل، إلى يد عنصر من عناصر مخابرات الأسد الملطخة أيديهم في الدماء، هذا انتهاك واضح وممنهج لأبسط حقوق الإنسان!". 
يرى الحكيم أن وزراء الحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي لم يكونوا وحدهم في هذه المعركة، وإنما ساندتهم عدد من وسائل الإعلام المحلية التي كانت قد "ساهمت في حملاتها ضد السوريين في الفترة الأخيرة بتحضير مزاج الرأي العام لموضوع الترحيل إلى سوريا" حسب قوله، وذلك من خلال عدة مقالات كانت قد نشرتها صحف يقرأها الملايين في ألمانيا مثل التاغس شاو والفيلت وصحيفة نورد بايرن وفرانكفورتر ألغيماينه والعديد من الصحف الأخرى، التي ساندت من خلالها القرار بشكل أو آخر، وأيّدت ترحيل المجرمين إلى سوريا حتى تحت حكم الديكتاتور. فقد نشرت صحيفة الفيلت تعليقًا على القرار يقول "هل يحكم سوريا نظامًا ديكتاتوريًا؟ نعم. ولكن إن كان علينا ترحيل الإسلاميين الخطيرين والمجرمين فقط إلى الدول العربية التي تنعم بالديموقراطية، فعلينا في الـ 500 سنة القادمة أن نعيش مع هؤلاء الأشخاص في نفس البلاد". 
يعتقد سامر الحكيم أن ما تقوم به هذه الصحف هو "تمييع للجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، واعتداء كبير على المجتمع السوري". معللًا ذلك بأن "الصحف عادةً تكون غير مسيّسة وتعتبر سلطة رابعة، ويثق بها ملايين الأشخاص، فعندما يتكلم الإعلام بهذه اللهجة العدائية بشكل مستمر والتي يسمعها العديد من المواطنين العاديين في ألمانيا، فنتائج الأمر لن تكون إيجابية أبدًا". 
لا داعي للقلق 
يتساءل كثيرون الآن عن مصير اللاجئين السوريين في ألمانيا في المستقبل القريب، وإن كان حقًا ستبدأ عمليات الترحيل إلى سوريا، في هذا الخصوص نشرت منظمة "تبنّى ثورة" مقالًا توضيحيًا يتحدث عن التبعات القانونية للقرار، وضّحت فيه أن ما تم الاتفاق عليه حاليًا يشمل ما يقارب الـ 100 شخص كانوا قد ارتكبوا جرائم خطيرة، أو صنّفوا من قبل الأجهزة الأمنية الألمانية على أنهم "خطيرين". 
يركّز المقال التوضيحي على أن ترحيل أي شخص إلى بلد يمارس فيه الاعتقال والتعذيب غير ممكن، وذلك لأن تنفيذ الترحيل بحق أي شخص يجب أن يسبقه موافقة من قبل المحكمة الألمانية، وفي ظلّ التقارير التي لا تعد ولا تحصى عن ظروف الاعتقال السيئة في سوريا يستبعد أن تتم الموافقة على ترحيل أي شخص إلى سوريا، خصوصًا من يسموا بـ"الإسلاميين"، لأن تعرضهم للتعذيب تحت حكم النظام السوري هو أمر حتميّ.إضافة إلى ذلك، من المهم جدًا أن تمتلك ألمانيا علاقات ديبلوماسية رسمية مع النظام السوري لكي تحصل عمليات الترحيل، فألمانيا حتى الآن تحافظ على قطع علاقاتها معه، بل وتفرض عليه عقوبات اقتصادية على خلفية قمعه الشعب السوري وارتكاب انتهاكات وجرائم حرب، مما قد يجعل محاولات وزارة الداخلية الهادفة لترحيل البعض إلى سوريا مستحيلة، هذا ما صرح به بوريس بوستوريوس، وزير داخلية ولاية نيدرزاكسن والمتحدث باسم وزراء داخلية الحزب الديمقراطي الاجتماعي، قائلًا: "الحديث عن الترحيل حاليًا بعيد عن الواقع، تقنيًا وعمليًا لا يمكن الترحيل إلى بلد توجد فيه حرب أهلية، لأن ألمانيا لا تملك علاقات ديبلوماسية مع بشار الأسد". 
يبقى أمر إعادة العلاقات مع النظام السوري في يد وزارة الخارجية الألمانية، والتي أعلنت موقفها من الأمر بشكل واضح عن طريق تقريرها الدوري عن الوضع في سوريا، مما قد يدفع إلى وجود تجاذبات سياسية في الفترة المقبل بين وزارة الداخلية التي يمثلها هورست زيهوفر من حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي، ووزارة الخارجية التي يمثلها هايكو ماس من الحزب الديموقراطي الاجتماعي. 
وعلى رغم من أن القانون الألماني والدولي قد يحبطان جهود الحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي في تطبيق الترحيل إلى سوريا، إلا أن قرارًا كهذا سيبقى وصمة عارٍ في مسيرة الحزب. أما ما على السوريين فعله اليوم، هو إعلان التضامن مع بعضهم البعض، والاستفادة من النظم الديموقراطية في بلد كألمانيا، للاحتجاج والحشد والضغط على السياسيين وعلى الرأي العام، لعلّ القدر يكون رحيمًا بنا هذه المرة.