الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ألغاز تسوية الجنوب السوري..النبرة العالية لـ"اللواء الثامن" ضد "حزب الله" وإيران والانفصام الدرعاوي

ألغاز تسوية الجنوب السوري..النبرة العالية لـ"اللواء الثامن" ضد "حزب الله" وإيران والانفصام الدرعاوي

11.11.2020
أحمد العودة


النهار العربي 
الثلاثاء 10/11/2020 
يلخّص "اللواء الثامن" بقيادته وأدواره وموقعه ضمن "الفيلق الخامس" الوضع الهجين الذي أنتجته تسوية الجنوب السوري قبل عامين ونيف، ما جعل محافظة درعا تعيش في حالة من عدم اليقين انعكست توترات أمنية داخلية ومساعي خارجية لإعادة ترتيب أوراق المحافظة وفق ما يستجد على صعيد المعادلات الإقليمية والدولية. 
 فـ"اللواء الثامن" من الناحية التنظيمية، هو تشكيل عسكري من تشكيلات الجيش السوري الرسمية، ولكنه بقيادة أحمد العودة القائد السابق لفصيل "شباب السنّة" بعدما قرر إجراء تسوية بوساطة روسية عام 2018، وفيما يُفترض أن يخضع الفصيل لأوامر القيادة العامة للجيش السوري، وهو ما تجلى من خلال مشاركته في القتال في عدد من الجبهات في شمال سوريا وشرقها إلى جانب وحدات الجيش السوري المختلفة، إلا أنه يحافظ على وضع خاص يمنحه نوعاً من الاستقلالية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بشأن خاصّ بملف الجنوب السوري.  
انطلاقاً من هذه الوضعية المميزة يمكن فهم النبرة العالية التي يتحدث بها أحمد العودة ضد إيران و"حزب الله" (حليفي دمشق الرئيسيين) وبلغت ذروتها في أعقاب الاشتباكات الأخيرة التي وقعت بين "اللواء الثامن" ومسلحين من محافظة السويداء أواخر شهر أيلول (سبتمبر) الماضي. إذ ليس من الطبيعي أن تصدر اتهامات بإشعال نار الفتنة ضد إيران و"حزب الله" من قيادي يحمل رتبة في الجيش السوري.  
هذه الظاهرة لم يكن من الممكن أن تتشكل وتظهر للعلن لولا تسوية الجنوب السوري التي لا يزال الكثير من تفاصيلها غامضاً وغير معروف، لكن ما ظهر من منعكساتها وآثارها جعل من الممكن وصفها بأنها تسوية هجينة تحمل في طياتها إمكان التطور في اتجاهات مختلفة ومسارات متباينة. 
 ولا يختلف حال محافظة درعا عن حال اللواء الثامن، إذ من المفترض جراء اتفاق التسوية أنها عادت إلى حضن الوطن بكل ما يعنيه ذلك من تحولات ومستلزمات، لكن الواقع يقول غير ذلك، فلا تزال درعا تمتلك وضعية خاصة تمنحها جزءاً من الاستقلالية التي تتيح لها التفاعل مع التطورات بطريقة لا تقدر عليها محافظة أخرى. 
ويُعرف أحمد العودة بأنه رجل التقلبات في علاقاته بالفصائل المسلحة الأخرى قبل التسوية، فقد تحالف في السابق مع "جبهة النصرة" و "حركة المثنى" التي بايعت لاحقاً تنظيم "داعش"، ثم انقلب عليهما بعدما حقق التحالف أهدافه في السيطرة على مدينة بصرى الشام، وطردهما من معقله الجديد عام 2015. وكذلك انقلب عام 2017 على "جيش اليرموك" بقيادة بشار الزعبي ودخل في اشتباكات معه في إطار المنافسة بينهما على النفوذ في المنطقة الشرقية من درعا.  
 ويعتقد البعض أن أحمد العودة، بعد انضمامه إلى التسوية وتربعه على عرش اللواء الثامن، ما زال يحمل فيروس التقلب في جيناته، وأنه يتصرف بوحي خالص من دوافع حب السلطة والتنفّذ.  
كما يعتقد هؤلاء أن مواقف العودة قد تكون مؤشراً إلى طبيعة التدخلات الخارجية في ملف الجنوب السوري، لأنه يميل حيث يرى أن الكفة سوف ترجح. وبالتالي فإنه عندما يصعّد ضد إيران و"حزب الله" فهذا يعني أن هناك جواً إقليمياً ضاغطاً وأن ثمة دولاً بدأت تشعر بالقلق من تنامي نفوذهما وتوسعهما في المنطقة، وينبغي العمل على الوقوف في وجهه.  
 ولكن بما أن التقلب قد يكون في اتجاه والاتجاه المعاكس له، فإن العودة يواصل القتال إلى جانب وحدات "حزب الله" والميليشيات المحسوبة على إيران في مناطق مختلفة من سوريا كما في ديرالزور وإدلب على سبيل المثال. 
وكأنّ درعا أصيبت بالعدوى من أحمد العودة فانتقل فيروس التقلب إلى جيناتها وصارت تسير في مسارين مختلفين في الوقت ذاته. فهي من جهة وافقت على التسوية بما يعنيه ذلك من إنهاء عهد "الثورة" والدخول في عهد جديد من المصالحات والتسويات، لكنها في المقابل تواصل التمرد وفق أشكال مختلفة قد يصل بعضها أحياناً لدرجة إخراج تظاهرات شعبية تطالب بإسقاط النظام، وأحياناً تصل بعض أشكال التمرد إلى درجة الاشتباكات المسلحة واحتلال حواجز الجيش السوري وخطف الضباط والجنود، كما يحصل هذه الأيام في جلين عقب حملة مداهمة قام بها الجيش السوري في منطقتي الشياح والنخلة.  
 ويصل الانفصام الدرعاوي إلى أقصاه عندما يتعلق الأمر بالموقف من إيران و"حزب الله"، ففي الظاهر ثمة إجماع على رفض أي دور لهاتين الجهتين في درعا، ولكن للمفارقة تتواصل التقارير الإعلامية التي تتحدث عن قدرة إيران على حشد الآلاف من أبناء درعا ضمن ميليشياتها! 
وفي إطار تفسير هذه الظواهر المعقدة والشائكة التي طغت على مشهد الجنوب السوري عموماً ومشهد درعا خصوصاً، يستسهل البعض الحديث عن صراع خفيّ بين روسيا وإيران، بالقول إن أحمد العودة يمثل روسيا فيما تمثل الفرقة الرابعة من الحرس الجمهوري إيران.  
 وقد تجلى ذلك بوضوح قبل نحو أسبوعين عندما توجه العودة إلى الأردن بالتزامن مع زيارة وفد روسي، وقيل حينها إن الاجتماعات تضمنت مناقشة إبعاد ميليشيات إيران عن معبر جابر – نصيب الحدودي بين سوريا والأردن تمهيداً لإعادة افتتاحه، وأن العودة سيلعب الدور الأبرز في هذا السياق من دون إيضاح ما هي الأدوات التي يملكها لإنجاز هذه المهمة التي لا تزال محل تجاذب إقليمي ودولي كبير، واضطرت تل أبيب معه إلى تنفيذ مئات الغارات ضد الوجود الإيراني في سوريا من دون أن تتمكن من القضاء عليه. 
لذلك قد يكون الأرجح أن العودة بحكم موقعه الهجين، يعمل بمثابة صندوق بريد بين الأطراف الفاعلين في الجنوب السوري ومهمته هي إيصال الرسائل بين هؤلاء الأطراف ولا علاقة له بكتابة مضمونها.  
وكذلك الأمر بالنسبة الى محافظة درعا، فهي مجرد صندوق بريد تعكس إرادة الأطراف الإقليميين الفاعلين من دون أن تمتلك القدرة على الفعل والتغيير، وهي مستعدة، شأنها شأن العودة، لأن تظل على حالة الانفصام وتسير في مسارين مختلفين طالما أن التسوية فرضت عليها هذه الحالة الهجينة من الشيء ونقيضه.  
 ولعل أخطر ما في ذلك أن حامل فيروس التقلب لا يهتم بالاتجاهات وهو يتماهى في حركته مع بوصلته المتذبذبة ذات اليمين وذات الشمال، ولا يحتاج إلى تفكير طويل قبل أن ينقل بندقيته إلى الكتف الأخرى.