الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أكتوبر .. انتصار مسمّم بالهزيمة

أكتوبر .. انتصار مسمّم بالهزيمة

07.10.2020
محمد طلبة رضوان


 
العربي الجديد 
الثلاثاء 6/10/2020 
سفينة بقناة السويس تحمل مؤنًا للجيش المصري الثالث المحاصر في سيناء (10/11/1973/فرانس برس) 
تمكّن العدو الإسرائيلي من هزيمة الجيش المصري في 5 يونيو/حزيران 1967، وتمكّن من احتلال سيناء، ومن تدمير الأسلحة والمعدّات والطائرات، لكنه لم يتمكّن من تدمير "إرادة القتال". استمرت المعارك ثلاث سنوات، وحقق الجنود المصريون نجاحاتٍ معتبرةً في حرب الاستنزاف، وأظهروا بطولاتٍ وصمودا نادريْن، أولها بعد الهزيمة بأقل من شهر، في معركة رأس العش. وأقبل الشباب على الالتحاق بالكليات العسكرية، حتى وصل المعدل السنوي إلى 38 ألف طالب في العامين 1968 و1969. ووضع الرئيس جمال عبد الناصر خطة تحرير شامل لسيناء في العام 1970، وهي خطة "جرانيت"، تستهدف العبور وتدمير خط بارليف والسيطرة على المضايق والوصول إلى الحدود الدولية، ووضع لها سقفا زمنيا ربيع 1971، وهو التوقيت الذي جاء بعد دراسة معدّل الإمدادات الأميركية للكيان الصهيوني، والتأكد من أن تأخير المعركة عن ذلك الموعد لن يكون في صالح القوات المصرية المسلحة، إذ سوف يتصاعد ميزان القوى العسكرية لصالح العدو. 
جاء أنور السادات لينقلب على ذلك كله، وتبنّى الحل السلمي والتفاوض. تجاوز السقف الزمني الذي وضعه عبد الناصر، وهو يعلم يقينا خطورة ذلك. وحين أصبح قرار الحرب إجباريا، ولا مفرّ منه، لـ "تحريك" الوضع في المنطقة، خاض الحرب بنفسية من يخشى الانتصار والتحرير الشامل، ويأمل في أن تكون الحرب مجرّد "تأشيرةٍ" لزيارة إسرائيل. ألغى خطة التحرير الشامل، وتبنّى خطة جديدة، جرانيت 2 المعدّلة، تهدف إلى عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف فقط، ثم البدء بالتفاوض، من خلال الوسيط الأميركي، أو بتعبير كيسنجر: "التفاوض بعد تحقيق انتصار غير حقيقي". لم يكن السادات واثقا من قدرة القوات المصرية على تحقيق ما هو أكثر، وفي ظهيرة 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، حدثت المعجزة، وعَبَر الجندي المصري القناة، وحطم خط بارليف المنيع، وانتزع احترام العالم، واعترافه بتفوقه، وهو ما اعترف به رئيس أركان العصابات الصهيونية، ديفيد إليعازر، نفسه، ما دفع السادات إلى تغيير خطته المسبقة، وتدخّل بنفسه في إدارة العمليات الحربية، متجاوزا القائد العام ورئيس الأركان ومن دونهم، وقرّر استخدام الاحتياطي المدرع طمعا في مكاسب أكبر، ورفض نصائح القادة الميدانيين بالعدول عن هذا القرار المتسرّع والعشوائي، وغير المدروس، فأحدث خللا في توازن قوات الجيش، وتسبب في حدوث ثغرة الدفرسوار، وتحوّل الانتصار العظيم إلى هزيمة. 
فشلت محاولات السادات العشوائية في القضاء على الثغرة التي تسبب فيها وحده، وبرّرها فيما بعد بأنها كانت نتيجة الجسر الجوي للإمدادات الأميركية لإسرائيل، وهو تبرير "أكله" المصريون، في حينها، وانتهت الحرب في أكتوبر 1973، وقد حاصرت إسرائيل الجيش الثالث الميداني، ومدينة السويس، وفيها 60 ألف مواطن مصري، وخاض السادات مفاوضات فك حصار الجيش الثالث وفض الاشتباك، بالنفسية ذاتها، نفسية المهزوم، الخائف من انتصاره، المتطلّع إلى رضا خصومه، وأعلن أن "أكتوبر هي آخر الحروب"، وأنه "لا طاقة لنا بمحاربة أميركا"، ووافق على شروط إسرائيل كافة، ومن دون تفاوض، أو "فصال"، كما ذكر كسينجر، مندهشًا، في مذكّراته، وهي الشروط التي وصفها رئيس هيئة العمليات، الفريق محمد عبد الغني الجمسي، بأنها "مهينة"، وبأنها "تجعل القوات المسلحة المصرية في وضع أضعف ما كانت عليه قبل الحرب". 
ما سبق غيضٌ من فيض معلومات وتفاصيل مدهشة وموجعة يسوقها القائد العام للجيش المصري في حرب الاستنزاف، الفريق أول محمد فوزي، في كتابه الهام "حرب أكتوبر 1973.. دراسة ودروس"، والذي رأى فيه أن أكتوبر معارك تقليدية محدودة، حقق فيها الجندي المصري معجزة حقيقية، فيما تعامل معها القائد بانهزامية وعشوائية، ورضخ منفردا إلى اتفاقات إذعان مع العدو في قصر الطاهرة (نوفمبر/ تشرين الثاني 1973)، وأسوان عام 1974 و1975، والقدس عام 1977، وكامب ديفيد عام 1978، ومعاهدة الصلح المنفرد عام 1979، والتي أسفرت عن حصار القوات المسلحة المصرية، كلها، حيث قيّدت تمركزها وحركتها شرقا حتى خط المضايق الجبلية غرب سيناء، وتركت سيناء بحكم المعاهدة منزوعة السلاح والقوات ضمانا لأمن إسرائيل!