الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أطفال النزاعات وحياة السلاح

أطفال النزاعات وحياة السلاح

04.06.2018
جميل عودة


الحياة
الاحد 3/6/2018
يشكّل الأطفال نسبة كبيرة من المجتمع البشري، ويتعرضون، بحكم ظروفهم وحداثة سنهم، لخطر الاستغلال أكثر من غيرهم، (ويعد الاستغلال كـل استفادة مـن هـؤلاء الأطـفـال على حساب حقوقهم الأسـاسـيـة)، ومـن بين أهم مظاهر الاستغلال حمل السلاح وتجنيدهم في النزاعات المسلحة، في مقابل تلبية حاجاتهم الأساسية، من مأوى وملبس وغذاء.
وبحسب المنظمات الدولية الإنسانية "يكون الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات مع أسرهم أو وحدهم، لأنهم يأتون من أسر فقيرة ليس بوسعها الفرار أو لأنهم انفصلوا عن أقربائهم أو لكونهم من المهمشين- مرشحين محتملين للتجنيد. وإذ يعانون الحرمان من كل حماية عائلية أو تعليم أو كل شيء من شأنه أن يعدهم لحياة الكبار، فإن صغار المجندين هؤلاء لا يكادون يتصورون حياتهم خارج إطار النزاع. ويعد الانخراط في مجموعة مسلحة وسيلة لكفالة بقائهم على قيد الحياة."
وورد في تقرير للصليب الأحمر الدولي سنة ٢٠١٠ تحت عنوان "مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة" أنه يجري تجنيد عشرات الآلاف من الأطفال أو استخدامهم من قبل القوات المسلحة والميليشيات في ما لا يقل عن ١٨ بلداً في العالم، حيث يتم استغلالهم، كحمالين، ورسل، وعمال وجواسيس، وكشافين بشريين للألغام، كما يُستخدمون رقيقاً-عبيداً-جنسياً وعمالاً قسريين وحتى منفذين لعمليات انتحارية.
لقد أدى الانتشار الواسع للأسلحة الخفيفة السهلة الاستعمال إلى توسيع دائـرة تسليح الأطـفـال، خـصـوصاً الأطـفـال دون سـن الـثـامـنـة عـشـرة، ســواء فـي الـقـوات الحكومية أم الـقـوات شـبـه العسكرية والمليشيات الـمـدنـيـة، حيث تستخدم هـذه الأخيرة الأطفال كمعطى استراتيجي لخوض غمار الحرب، خصوصاً أن الأطفال يسهل التحكم فيهم من الراشدين، فالأطفال يقومون بالقتل دون خوف ويطيعون الأوامر من دون تفكير.
إن ظاهرة الأطفال المسلحين في مناطق النزاعات المسلحة ظاهرة مدعومة من أطراف النزاع لسد النقص الحاصل في كوادرها المسلحة، ومطلوبة-إلى حد ما- لدى السكان المحليين، لأسباب تتعلق بالاعتقادات والأيديولوجيات والاحتياجات السكانية والتعليم وضعف القوانين وغيرها، علاوة على وجود محفزات تعزز الاعتقاد لدى جميع السكان في تلك المناطق بأن حمل السلاح جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان وحمايته من الأخطار، وهو ما يفسر السعي المحموم لدى السكان المحليين للحصول على قطعة سلاح، لا سيما الأطفال منهم.
وللأسف أن أول ما يخسره هؤلاء الأطفال هو طفولتهم، سواء جندوا بالإكراه، أم انضموا إلى الجماعات المسلحة للهرب من الفقر والجوع، أم تطوعوا لدعم قضية ما بصورة نشطة، وكثيراً ما يتعرضون للتجنيد أو الاختطاف لضمهم إلى الجيوش، وكثيرون منهم لم يتعد عمره العاشرة، وهم يشهدون أو يشاركون في أعمال ذات مستوى مذهل من العنف، كثيراً ما تكون موجهة ضد عائلاتهم أو مجتمعاتهم المحلية.
ويتعرض مثل هؤلاء الأطفال لأشد أنواع الخطر وأفظع أشكال المعاناة، سواء النفسية أم البدنية. ويزيد على ذلك سهولة التأثير عليهم وتشجيعهم على ارتكاب أفعال تبعث في النفس أشد الألم، فهم يعجزون في كثير من الأحيان عن فهمها. ويُتوقع من كثير من الفتيات المجندات أن يكنّ متاعاً لإشباع الرغبات الجنسية للقادة إلى جانب المشاركة في القتال.
وفي الواقع، أن يحمل الأطفال السلاح أو يتم السماح لهم بالمشاركة في الحروب وتعريض حياتهم للخطر، بدلاً من حمايتهم من ويلات الحروب، يعد موضوعاً في غاية الخطورة، فليس هناك أمر مرعب مثل أن يحمل الأطفال سلاحاً، سواء كان برضاهم أم بالرغم عنهم، وأن يشاركوا في العمليات المسلحة كمقاتلين جزارين أو ضحايا، وأن يكونوا أداة للعنف وضحية له، فلا حمل السلاح ولا الاشتراك في النزاعات ولا ممارسة العنف هي الساحات الطبيعية للأطفال. والمجتمعات التي تنحو هذا المنحى هي مجتمعات غير مستقرة ومستقبلها يكون محكوماً بالقوة والعنف المفرط، لأن لغة السلاح هي اللغة التي تحكم قادتها المستقبليين.
وترجع المسؤولية عن حمل السلاح واستخدام الأطفال كجنود إلى جميع البالغين الذين يقبلون باشتراك الأطفال في النزاع المسلح أو يشجعونهم على ذلك. إنهم الآباء والأمهات أو غيرهم من البالغين من أفراد المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه الطفل، والقادة المحليون الذي يقبلون الأطفال داخل صفوفهم، والأقران الذين يزيّنون في أعين الأطفال "أسلوب الحياة الحرة" للجنود.
فمع أن الحماية العامة مكفولة للأطفال من خلال الصكوك العامة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من الاشتراك في النزاعات المسلحة يجب على أطراف النزاع اتخاذ كافة التدابير المستطاعة التي تكفل عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف، بوجه خاص، أن تمتنع عن تجـــنيد هؤلاء الأطفال الصغار في قواتها المسلحة. ويجب على أطراف النزاع في حال تجنيد هؤلاء ممن بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا بعد الثامنة عشرة أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً".
ومع ما شهده المجتمع الدولي من تطورات ملحوظة على مستوى تشريع القوانين والاتفاقات التي تعزز مكانة الأطفال في المجتمع، خصوصاً أحكام القانون الدولي الإنساني، يمكن القول إن القوانين الدولية والوطنية ما زالت لا تحمي الأطفال على النحو الكافي، ولهذا لا يقتضي الأمر التفكير في صكوك قانونية جديدة بقدر ما يتطلب وضع القواعد القائمة موضع التنفيذ.
فالحاجة قائمة إذاً لتنمية الوعي العام في شأن الآثار الطويلة المدى بالنسبة الى الأطفال أنفسهم والمجتمع الذي يعيشون فيه، كما تتعيّن الدعوة الى عدم استخدام الأطفال كجنود. وخلاصة ما تقدم نورد بعض المقترحات والتوصيات:
- الأطفال هم الأمل والمستقبل. لذلك، فإنهم جديرون بالحصول على أفضل حماية وفرص يمكن إتاحتها لهم حتى يستطيعوا النمو في جو من الأمن والأمان والسعادة، يسوده السلام الذي أصبح أمراً ضرورياً للكبار والصغار على حد سواء.
- يجب على البشرية إعطاء الأطفال أفضل ما يمكن، مع الأخذ في الاعتبار أن الحياة الكريمة للأطفال لا يمكن أن تنفصل بأي حال من الأحوال عن الحياة الكريمة للكبار، وكل هذا لا يتحقق إلا عندما يسود الأمن والأمان والسلام العالم.
- إن تنفيذ أحكام القانون الدولي الإنساني التي توفر حماية خاصة للأطفال هو بمثابة مسؤولية جماعية معنوية، وتقع هذه المسؤولية على عاتق الدول الأطراف في اتفاقات جنيف التي يتعين عليها احترام قواعد القانون الدولي الإنساني.
- نشر حقوق الطفل وزيادة الوعي بها لدى جميع أفراد المجتمع، وعدم اقتصار ذلك على الدارسين والهيئات المعنية فقط. وأن يكون هناك اهتمام بتدريس القانون الدولي الإنساني في المراحل الدراسية المختلفة التي تسبق التعليم الجامعي.
- تتعين كذلك مساعدة الأطفال المسلحين على الاندماج مجدداً في مجتمعاتهم الأصلية وأن يجدوا مرة أخرى بيئة عائلية واجتماعية مواتية لتطورهم ورفاههم في المستقبل.
- ونظراً الى ما تسببه الحروب من مآس ودمار بشري يتمثل في تزايد أعداد مشوهي الحرب والمعوقين، لاسيما الأطفال منهم، كما جرى ويجري في بلدان كثيرة مثل سورية والعراق وليبيا وفلسطين وغيرها، فإن الأمر يستدعي تقديم المساعدة للمجتمعات المحلية للتخلص من مخلفات الحروب، وتخفيف الآثار المترتبة عليها بوصفها أحد الأسباب الرئيسية للتعويق.
جميل عودة(مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات)