الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أسوأ ما في السيرك الانتخابي السوري 

أسوأ ما في السيرك الانتخابي السوري 

29.04.2021
عمر قدور



المدن 
الثلاثاء 27/4/2021 
تقول النكتة التي كان السوريون يتداولونها ذات يوم أنه عندما تولى الرئاسة راح يتجول في القصر، فرأى في حديقته دجاجة ونظر إليها مستنكراً: دجاجة في قصري؟ أجابت الدجاجة: لست دجاجة عادية سيدي الرئيس، أنا من أفخم السلالات لحماً وبيضاً، وموجودة هنا لأقدم نفسي وأولادي على مائدتك كي تتفرغ لمعالجة هموم الوطن. ربت على ريشها قائلاً: بارك الله بك. بعد خطوات: ما هذا! خروف في قصري؟! سيقول الخروف كلاماً مشابهاً لما قالته الدجاجة، وينال ما نالته من ثناء.... في ركن آخر من الحديقة سيعلو صوته ودهشته: وأنت أيضاً ما الذي أتى بك إلى هنا؟! يجيب الحمار: سيدي.. لا أدري، أنا مثلك، بالمصادفة وصلت إلى هنا. 
هذه النكتة سبّاقة بزمن طويل على سيرك "الانتخابات الرئاسية الأسدية الحالية" ومن الواضح أنه تصدر عن وجدان عام لا يكنّ تقديراً لمنصب الرئاسة ولشاغله، ولا تستبعد الوصول إلى المنصب لتوفر شرطين؛ المصادفة وانعدام الكفاءة. بحسب النكتة، لا ينبغي أن تكون السخريات المتداولة من المرشحين الحاليين عائقاً أمام وصولهم إلى قصر الرئاسة، والعائق كما نعلم هو في مكان آخر، وضمن حسابات ليست الكفاءة من ضمنها.
إذا كان لا بد من ملاحظة ذات مغزى تشمل المرشحين الحاليين، من السهل ملاحظة مدى التهافت والابتذال اللذين ظهروا به، وهي ليست مصادفة بالطبع. ولأن أياً منهم لا يجرؤ على "اقتراف" أدنى فعل من تلقاء نفسه، لا يصعب التكهن بوجود جهة تشرف على تقديمهم كمادة مغرقة في التفاهة والتناقضات، كأن يدعو البعض منهم إلى ممارسة الديموقراطية في "سوريا الأسد"! 
زيادة منسوب الإسفاف، ويُرجَّح أن نشهد جرعات إضافية منه، تنتمي إلى ما هو أصيل وثابت في الأسدية، وهو التنكيل بالديموقراطية مفهوماً وممارسة. لكنها تنتمي أيضاً إلى ما هو متحرك ومتغير، فمعيار القياس في هذه الحالة هو المرشح الفائز سلفاً، وكلٌّ من المرشحين ينبغي أن يظهر تافهاً ومثيراً للسخرية بالمقارنة معه، فوق أنه أصلاً تم اختياره والإشراف على خطواته من قبل المخابرات. وحدة القياس هذه تفرض شروطها على المرشحين، والحفاظ على مسافة واسعة لصالح بشار يقتضي تقديمهم بمظهر مثير للسخرية، ويقتضي أن تزداد المبالغة في ذلك كلما تدنت صورة المثال الذي يُقاسون عليه.
في عام 2014، وقت أول "انتخابات تعددية"، لم تكن صورة بشار قد انحدرت على النحو الذي سيحدث في السنوات التالية. كان الإتيان بمرشحيَن مغموريَن، وجعلهما مادة للتندر، لا يتطلب الإفراط في ذلك كما هو الحال اليوم. فخلال سبع سنوات تراجعت صورة بشار في أماكن سيطرته إلى نحو غير مسبوق، الحماية الإيرانية ثم الروسية أعادتا إليه مناطق خرجت عن السيطرة، وفي المقابل ظهر تابعاً ذليلاً، وصُوّر في مشاهد مخصصة من قبل الإيراني والروسي لإهانته. فوق الدماء التي سُفحت على مذبح بقائه، تبين للجميع الثمن المعيشي لحرب التدمير والإبادة، أو المعنى الفعلي لـ"الأسد أو نحرق البلد"، حيث لا يعني بقاؤه أيضاً سوى إحراق البلد.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يستطيع الموالي "ومن في حكمه بموجب مكان الإقامة" شتمَ بشار الأسد، وبخشيةٍ أقل مما مضى لأن المخابرات لن تقوم بملاحقة ملايين الغاضبين واعتقالهم، ولأنها تدرك استحالة ترجمة الغضب إلى انتفاضة أو ثورة حالياً. تدهورُ صورة بشار، صورته الشخصية المعطوفة على كفاءته، والتندر عليه يستتبعان تصنيع منافسين أدنى بمسافات من أدنى صورة له. لا ننسى في هذا السياق أن كفاءته كانت منذ البداية موضع شك، ولطالما نُظر إليه كرئيس بالمصادفة، وللولاء له كاستمرار للولاء لأبيه، ويعرف الموالون قبل غيرهم كيف لُفّقت له صورة وكفاءات على عجل بعد موت أخيه الذي كان معدّاً للوراثة بالطريقة ذاتها، إنما على نار أهدأ.
أسوأ ما في السيرك الانتخابي الأسدي أن فكرة تصنيع البديل المتهافت المثير للسخرية لا تقتصر عليه، فهي أيضاً موجودة ومطروحة منذ انطلقت الثورة من قبل القوى الدولية المعنية بالقضية السورية. حينها قدّم بشار نفسه للغرب بديلاً عن التطرف الإسلامي الذي سيحكم البلد في حال إسقاطه، ولن يمضي وقت طويل قبل أن تتبنى دوائر غربية شعار "الأسد أو داعش"، وهو شعار يجعل من نظيره الداخلي "الأسد أو نحرق البلد" قليل الكلفة أخلاقياً على الغرب. لم يتغير الكثير مع دحر داعش بوجود العديد من القوى التي بقيت مصرة على طرح بشار بديلاً للخطر الإسلامي، بينما يتسلى هو بتصنيع بدائل "أو مهازل" للجمهور المحلي لمناسبة السيرك الانتخابي. 
لا ينفرد بشار بإهانة السوريين، والحق أن الإهانة مضاعفة ببقائه رغم انكشافه على نحو مذل، ثم تصنيع "منافسين انتخابيين" لا ينافسونه سوى بتهافت الصورة التي يقدمونها عن أنفسهم. الإهانة الأوسع والأقوى هي بطرح هذا السؤال: ما البديل عن بشار؟ قوى الخارج التي تطرحه تعلم أنه سؤال ينطوي على الإجابة التي تنفي وجود بديل عنه، لأن السؤال مصمَّم من أجل هذه الإجابة الوحيدة.
لنتجاوز الانحدار الذي وصلته المعارضة بهياكلها وشخوصها، فالمفاضلة بينها وبين بشار، من أي طرف أتت، تعيد السؤال ذاته الذي يتجاوز إرادات السوريين، ويفترض وجود بديل ناجز لا ذاك البديل "المجهول" الذي ينبغي أن يقترعون له في انتخابات حقيقية. ما يهم القوى الدولية في هذه المفاضلة هي سيطرة بشار على الجيش والمخابرات، ومن البديهي أن المعارضة لا تملك نفوذاً عليهما، فضلاً عن أنها الكفاءة الوحيدة التي تُسجّل لبشار رغم فقدانه أجزاء منها لصالح طهران وأجزاء أخرى لصالح موسكو.
لا خلاف جوهرياً بين احتقار بشار الديموقراطية وأولئك الذين بذريعة أو أخرى يتساءلون عن البديل، في الحالتين نحن إزاء ازدراء السوريين بسلبهم حقهم في الاقتراع الحر. في انتخابات حرة، قد لا ينتخب السوريون الأفضل كل مرة، أسوة بشعوب سبّاقة ديموقراطياً كان لها كبوات، وقد يخطئون في الاختيار ويتندرون على أخطائهم. حينها ستكون لهم أيضاً نكاتهم الجديدة، وربما لا تقل إضحاكاً عن نكتة ذلك الحمار الناطق في قصر الرئاسة.