الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "أستانة".. كأن شيئاً لم يكن

"أستانة".. كأن شيئاً لم يكن

01.02.2017
عيسى الشعيبي


الغد الاردنية
الثلاثاء 31/1/2017
مرّ وقت كاف على انعقاد مؤتمر أستانة الخاص بالأزمة السورية، للحكم على مدى نجاح هذا المؤتمر الذي رتبت روسيا مكان انعقاده في إحدى الدول السوفياتية السابقة، ووقتت زمانه في فترة الفراغ المصاحبة لنقل السلطة في البيت الأبيض، كي تدلل على حقيقة أنها اللاعب الوحيد على مسرح هذه الأزمة التي دخلت منعرجاً جديداً بعد معركة حلب، بفعل التدخل العسكري الروسي المكثف.
أكثر من ذلك، فقد وضعت روسيا جدول أعمال مكوّنا من بند واحد لهذا المؤتمر، وهو تثبيت وقف إطلاق النار؛ كما حددت بنفسها هوية المشاركين، وهمّشت دور الراعيين الإقليميين –تركيا وإيران- إلى أبعد الحدود، وأبعدت العرب والأوروبيين، وتجاهلت القوى السياسية السورية، بما في ذلك الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات.
وبما أن الغاية المعلنة لهذه الجهود الروسية كانت وقف حمام الدم السوري، أو تخفيف حدة اللهب المضطرم تحت مرجل الأزمة المستفحلة، فلم يكن في وسع طرف أو عاصمة الاعتراض على هكذا مبادرة طيبة، أتت في خضم الإشارات الروسية المتتابعة عن إعادة التموضع، لدولة ترغب في الانتقال من موضع شريك في الأزمة إلى منزلة الوسيط، بعد أن انتزعت جلّ ما كانت تصبو إليه من وراء تدخلها العسكري قبل ستة عشر شهراً.
في المحصلة، صدر بيان ختامي –وليس بيانا مشتركا توقع عليه الأطراف المتحاربة- قالت فيه الدول الثلاث الراعية؛ إن مؤتمر أستانة نجح في تحقيق أهدافه. وصادق على هذا القول طرفا الأزمة اللذان دُفعا جبراً إلى عاصمة كازاخستان، وتبادلا في ختامه كل ما يمكن قذفه من اتهامات تنمّ عن استمرار العداء والكراهية، فيما بقي الرهان معلقاً على عمل اللجنة الثلاثية المكلفة بتثبيت وقف النار، هذه اللجنة التي لم تجتمع ولو لمرة واحدة.
غير أنه بالاستناد إلى المعيار الوحيد الذي حدده المؤتمر، لبيان مدى النجاح من الفشل، ونعني به وقف إطلاق النار، فإن المجريات الميدانية على الأرض السورية تؤكد أن وتيرة العنف والاشتباكات ظلت على حالها، إن لم تكن قد ازدادت حدة، فيما استمرت عملية تكاذب الأطراف المعنية تتحدث عن هدنة لا وجود لها، وتواصل الزعم أن ما يجري على الميدان مجرد خروقات محدودة يمكن تجاهلها، وذلك رغم اشتراك روسيا في بعض العمليات الجوية.
كل ما تقدم يمكن وضعه في كفة، ووضع الأداء الدبلوماسي الروسي في كفة أخرى، وذلك منذ اختتام أعمال مؤتمر أستانة الذي أضاعت نتائجه المتواضعة جملة من الأخطاء الناجمة عن الاستعجال في قطف ثمرة سياسية لم تنضج بعد، ونعني بها الاستفراد الكلي، والدور الحصري اللذين سعت موسكو إلى جعلهما حقيقة منتهية، قبل أن تهب عليها رياح المتغيرات الأميركية المحتملة في عهد دونالد ترامب سريع الاشتعال.
وأحسب أن هناك خطأين كبيرين وقعت فيهما روسيا في وقت واحد. أولهما، عقد مؤتمر مرتجل في موسكو، دعت إليه معارضة مدجنة، وقدمت فيه مشروع دستور سوري على عجل، ما أثار حفيظة كل المخاطبين بالأزمة، بمن فيهم أصدقاؤها، بل ونظام الأسد نفسه. وثانيهما، إرجاء موعد مؤتمر جنيف المقرر من جانب الأمم المتحدة في نهاية الاسبوع الأول من شباط (فبراير) المقبل، وهو ما نفاه مكتب المبعوث الدولي ستافان دي ميستورا بأرفع التحفظات الدبلوماسية كياسة.
فقد أعادت روسيا –في مسألة الدستور- إلى أذهان السوريين خطيئة الأميركيين المميتة في العراق، عندما قام الحاكم العسكري بول بريمر بوضع وثيقة المحاصصة الشائنة التي ما يزال العراقيون يدفعون ثمنها إلى اليوم. فيما بدت العاصمة الروسية في مسألة إرجاء موعد مؤتمر جنيف من جانب واحد، وكأنها ربّة البيت في الأمم المتحدة، تمضي على ذات السجية التي عملت بها منفردة في أستانة.
فإذا ما أضفنا هذين الخطأين المقوّضين لكل ادعاء بنجاح مؤتمر أستانة، وهو ادعاء روسي في الأساس، إلى الإخفاق في تثبيت وقف إطلاق النار، ناهيك عن عدم عقد اللجنة الثلاثية، ورأينا كل هذه المتغيرات المتلاحقة على المشهد السوري في إدلب ومحيط حلب، فإنه يمكن الحكم على "أستانة" بأنه مؤتمر كان مجرد رصاصة طائشة في الهواء، حتى لا نقول كأنه لم يكن البتّة.