الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أزمة سوريا في سياق الحرب على "داعش"

أزمة سوريا في سياق الحرب على "داعش"

19.03.2017
د. محمد عاكف جمال


البيان
السبت 18/3/2017
حين انطلقت الثورة السورية عام 2011 لم يدر بمخيلة أحد أن مصير هذه الثورة ومستقبل التوازنات في منطقة الشرق الأوسط ستقررهما حرب ضد تنظيم لم يكن قد ولد بعد، هو تنظيم داعش، الذي ظهر إلى الوجود عام 2014، واكتسبت الحرب ضده منذ ذلك الحين زخماً عسكرياً متزايداً، صاحبتها تراجعات سياسية تدريجية في الموقف من الثورة السورية.
وتعززت في سياقاتها الشكوك حول قدرة النظام الإقليمي على الإبقاء على توازناته.
دخل شعار الحرب على تنظيم داعش سباق انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016.
وقد تصدر أجندة الرئيس المنتخب ترامب تحت مسمى تسريع الحرب على تنظيم داعش ووضعها في أطر أوسع، فهذه الحرب، وفق الخطة التي وضعها البنتاغون، ستكون عسكرية واقتصادية وسياسية وأيديولوجية، ولعل البعد الرابع لها هو الأكثر إثارة للجدل وللقلق أيضاً لدى بعض الأوساط في العالم الإسلامي. الخطة في جوهرها تستند إلى المحاور التي اعتمدت من قبل إدارة الرئيس أوباما مع فارق هام وهو توظيف موارد لإنجاز هذه المهمة.
فعلى المستوى الإجرائي بدأ الرئيس ترامب عهده متخليا عن الحذر والتردد اللذين كانا من سمات سلفه بما يتعلق بإرسال قوات قتالية إلى خارج الولايات المتحدة، فها هو يرسل ألفي جندي إلى قاعدة عين الأسد في العراق وأربعمئة جندي إلى منبج في سوريا وألف جندي إلى إحدى القواعد الأميركية القريبة من مسارح الحرب مع «داعش».
صحيح أن خطة البنتاغون تشير إلى مواجهة تنظيم داعش وحواضنه في جميع أنحاء العالم، إلا أن الثقل الكبير لهذا التنظيم هو في منطقة الشرق الأوسط وبشكل أكثر دقة في دول العالم العربي.
والحقيقة أن لذلك أهمية كبيرة من ناحية عودة الولايات المتحدة للاهتمام بهذه المنطقة بعد أن كانت إدارة الرئيس أوباما تتبنى سياسة الابتعاد التدريجي عنها، كجزء من إستراتيجية الانكفاء نحو الداخل، فقد قضت تلك الإدارة أكثر من أربع سنوات دون أن ترسم موقفا واضحا من الأزمة السورية.
الحرب على داعش خلطت الكثير من الأوراق في المنطقة وعرضت التوازنات القائمة فيها إلى العديد من الاهتزازات، فعلى مستوى الأزمة السورية، وهي الأكثر أهمية في المنطقة، تراجع دور المعارضة السورية وتراجع كذلك دور النظام في تقرير مستقبلها بعد أن فشل جنيف 4 في تحقيق الحد الأدنى من التوافق بين النظام والمعارضة، وفشل لقاء الاستانة الثالث الأقل أهمية في إقناع المعارضة بالحضور.
عودة الاهتمام الأميركي بهذه المنطقة بالثقل الذي تتضمنه الخطة لمواجهة تنظيم داعش غير كاف لرسم مستقبل سوريا بعد هزيمة التنظيم، ما لم تكن هناك رؤية سياسية بالتنسيق مع روسيا ودول المنطقة لإعادة النظر بالتوازنات القائمة فيها، من أجل التخفيف من حدة أزماتها ونقلها إلى حالة استقرار أفضل، وهي عملية ليست بالسهلة وقد تستغرق وقتا ليس بالقصير، فبعض دولها ترى في ذلك إضرارا بمصالحها.
اللاعبون على الأرض، روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا، إضافة إلى عشرات الميليشيات تنضوي معظمها تحت راية إيران، لهم رؤاهم لهذه الحرب تحت شعار القضاء على تنظيم داعش تحقيقا لبعض المكاسب أو درءا لبعض المخاطر. أدوار هؤلاء خضعت لصعود وهبوط على مدى السنوات الست من عمر الأزمة.
فقد تراجع الدور الإيراني مع التدخل العسكري الروسي وبرز دور تركيا التي دخلت قواتها الأراضي السورية مع بعض فصائل الجيش السوري الحر بالتنسيق مع روسيا ومع الولايات المتحدة، إلا أنها سرعان ما بدأت تلقى بعض المتاعب لتضارب المصالح مع اللاعبين الآخرين خاصة الولايات المتحدة التي تدعم قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الكرد غالبيتها .
والذين تعتبرهم تركيا إرهابيين حلفاء لحزب العمال الكردي التركي، بي بي كي، التي يقف معها في مواجهة مسلحة منذ عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، فالدخول التركي للأراضي السورية كان هدفه منع التواصل الجغرافي بين المناطق الكردية على الحدود التركية لمنع تأسيس إقليم كردي.
وعلى الرغم من التنسيق الفائق الدقة بين كل من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، الذي تم على مستوى رؤساء أركان جيوشهم في السابع من مارس الجاري، لتلافي وقوع أي احتكاك بينهم إلا أنه لا يوجد موقف سياسي موحد لهم حول مستقبل الوضع في سوريا.
المتضرر الأول مما يدور في سوريا هو الشعب السوري، ولكنه لن يكون الوحيد فإن الخارطة الحالية من التوازنات تشير إلى أن الخاسر الأكبر الآخر سيكون إيران، وذلك لأن خروجها مع توابعها رغبة مشتركة لدى القوى الثلاث الأخرى وإن اختلفوا في توقيت ذلك، وقد اتخذت الولايات المتحدة موقفا من ذلك ورد على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة.
الملف السوري خلق لتركيا الكثير من المتاعب في الداخل ومع الولايات المتحدة، لتقاطع مواقفهما كما أشرنا، إلا أن الخروج التركي من سوريا مؤجل إلى حين لوجود بعض الملفات المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة، خاصة ما يتعلق منها بفرض المناطق الآمنة.