الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أزمة المعارضة في جنيف

أزمة المعارضة في جنيف

30.03.2017
جهاد المنسي


الغد الاردنية
الاربعاء 29/3/2017
اعتقد معارضون سوريون أن استباق عقد مؤتمر "جنيف 5" بهجوم موسع على أطراف العاصمة السورية دمشق وقصف أحياء فيها بقذائف الهاون، والتسلل عبر أنفاق الصرف الصحي الى ساحة العباسيين، من شأنه تغيير معادلة طاولة المفاوضات. وظنوا أن الهجوم الذي قاموا به والمفاجأة التي ستحصل ستستمر لدرجة تمكنهم لاحقا من إطلاق أبواق قنواتهم الإعلامية، لإيهام العالم بأن دمشق تحت قبضة قذائف المعارضة المسلحة.
بيد أن سرعة الرد الذي حصل من قبل الجيش العربي السوري، والطريقة التي تم فيها امتصاص التمدد الإرهابي باتجاه العاصمة، ضيّعا الفرصة على الإرهابيين لتصوير أفلامهم المحروقة، وأضاعا فرصة كانوا يريدونها ويبحثون عنها لتغيير أجندة مفاوضات جنيف ومنح جماعاتهم في حلب وتدمر وغيرها من مناطق محررة دعما معنويا كانوا بحاجة إليه لرفع معنويات أقرانهم التي أنهارت جراء صمود الجيش والشعب السوريين.
وقبل أن يقفز أحدهم للقول إن المقاتلين الذين كانوا في جوبر والقلمون معارضون سوريون ضاق النظام بهم ذرعا ورفض الحوار معهم فاعتمدوا الطريق المسلح وسيلة حوار، فإنه يجدر التذكير أن أولئك هم بقايا القاعدة وجبهة النصرة، وهما تنظيمان إرهابيان بحسب تصنيف العالم أجمع، وبالتالي فإن الانتصار لهما إنما هو انتصار للإرهاب.
وهنا لا بد من التذكير أن هيئة تحرير الشام، أو جبهة فتح الشام المسلحة، وهي التنظيم الأكبر الذي هاجم ساحة العباسيين في دمشق، كان قبل ذلك قد أعلن في بيان مسؤوليته عن تفجيرات إرهابية حصلت في وسط دمشق، واستهدفت مدنيين أبرياء.
وجبهة فتح الشام المسلحة كانت تُعرف سابقا باسم جبهة النصرة الإرهابية، وهي التي قطعت صلاتها، نظريا، مع تنظيم القاعدة في تموز (يوليو) الماضي، وانضمت إليها أربعة فصائل سورية صغيرة، وأطلقت على نفسها اسم هيئة "تحرير الشام".
محصلة الاختراق الذي سعى إليه المسلحون كان انكفاؤهم السريع في اقل من يومين عن حي العباسيين ومعامل الغزل والنسيج، وشارع فارس الخوري، ومقتل المئات منهم، وتقدم القوات السورية باتجاه معاقل المسلحين في جوبر والغوطة الشرقية السورية، وفشل الخطط التي سعت لتغيير الواقع في جنيف 5.
ما حصل في ساحة المعارك في سورية أثّر بكل أشكاله على المتحاورين في جنيف، وهو الأمر الذي أدّى لتراجع أي تفاؤل بحصول اختراق سياسي يؤدي لانفراج الأزمة السورية، ويؤدي لوقف القتال على الأرض، وترك السوريين يتحاورون سلميا على طاولة المفاوضات لحل أمورهم  بدون تدخلات خارجية.
ما جرى على الأرض، وعدم قدرة المسلحين فرض واقع جديد يعوض خسائرهم المتراكمة أزّم موقف معارضين (ليس كلهم) في جنيف كانوا يتكئون على ما قد ينجزه المسلحون على الارض، وهي طريقة ثبت فشلها وعدم قدرتها على حل الأزمة السياسية، التي لا يمكن حلها إلا عبر الحوار السوري – السوري، دون أن يكون للمسلحين يد فيها، أو حضور، سواء في جنيف أو في أي مكان آخر.
الأزمة السورية لا تحل عبر البنادق، أو عبر استقدام مسلحين إلى الشام من كل أصقاع العالم، أو عبر القيام بأعمال أرهابية في دمشق أو غيرها، وإنما تحل عبر الحوار المنفتح القائم على حرية الفكر والمعتقد، وحرية القول والاختلاف، والتوافق للوصول إلى نقاط حوار مشتركة ينتج عنها نهوض الدولة من أزمتها وخروج المسلحين من أرجاء سورية والتوقف عن محاربة الجيش، وعدم العبث بالدولة ومؤسساتها.
في جنيف يتوجب على كل الأطراف الإيمان بالحوار كمخرج، والتوقف عن وضع العصي في دواليب الحوار عبر وضع شروط غير واقعية، والإيمان بأن ما يجري على أرض الواقع حاليا يؤشر على انكفاء المسلحين وقرب عودتهم إلى المناطق التي قدموا منها.