الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أردوغان والنّظام السّوري... والتّوقيت الايراني!

أردوغان والنّظام السّوري... والتّوقيت الايراني!

09.09.2021
خيرالله خيرالله


النهار العربي
خيرالله خيرالله
الاربعاء 8/9/2021
يعطي النفي الرسمي الصادر عن النظام السوري لاحتمال عقد محادثات ذات طابع أمني على مستوى رفيع مع تركيا في بغداد، فكرة عن مدى الهيمنة الإيرانيّة على قرارات النظام. قد تجري مثل هذه المحادثات وقد لا تجري. إذا حصلت محادثات، فسيكون ذلك بما يخدم التوقيت الإيراني. طهران هي من يقرّر في دمشق. البقية تفاصيل.
يشكّل النفي السوري في الوقت ذاته تابعاً لمسلسل الأخطاء التركيّة في سوريا منذ عام 2011، وربّما قبل ذلك، في مرحلة لم يحسن فيها الرئيس رجب طيّب أردوغان تقييم طبيعة النظام السوري الذي يتعامل معه.
لم يقدّر أردوغان يوماً مدى ارتباط النظام السوري بالنظام الإيراني الذي كان، ولا يزال، تحت سيطرة "الحرس الثوري". زاد هذا الارتباط  مع مرور الوقت ومع زيادة سيطرة "الحرس الثوري" على إيران نفسها في ضوء انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهوريّة وتشكيل حكومته التي يشغل فيها أمير حسين عبد اللهيان موقع وزير الخارجيّة. 
كان مفترضاً بهذه المحادثات أن تجمع قريباً بين اللواء علي مملوك رئيس جهاز الأمن السوري وهاكان فيدان مدير الاستخبارات التركيّة في بغداد. كان ذلك سيؤكّد أنّ استعادة العراق دوره الإقليمي، بعيداً من العدائيّة للآخرين، أمر غير ميؤوس منه، وذلك على الرغم من كلّ الجهود التي تبذلها إيران من أجل القضاء على هذا الدور وطمسه. فالعراق، بالنسبة الى إيران، مجرّد "ساحة" تستخدمها "الجمهوريّة الإسلاميّة" على غرار استخدامها للوضع الذي استطاعت فرضه في لبنان.
لا شكّ بأن الفضل في عودة الأمل بدور عراقي مستقبلاً، يعود الى الجهود التي تبذلها حكومة مصطفى الكاظمي. يظهر الكاظمي كلّ يوم قدرة، وإن محدودة، على ممارسة الصبر والحفر في الصخر، بغية تأكيد أن العراق ما زال حيّاً يرزق، وأنّ في الإمكان جعله يستعيد وضعه كأحد أعمدة النظام الإقليمي وركائزه. هل هذا مسموح إيرانياً؟
الأكيد أنّ الاتصالات ذات الطابع الأمني بين النظام السوري وتركيا، على مستوى متدنّ، ليست جديدة. لم تنقطع هذه الاتصالات يوماً على الرغم من التوتر في العلاقات بين الجانبين منذ اندلعت الثورة السوريّة عام 2011 واتخاذ تركيا موقفاً مؤيداً للشعب السوري. أكثر من ذلك، كان على تركيا استضافة ما يمكن أن يصل الى مليوني سوري نزحوا اليها. كان على تركيا أن تأخذ في الاعتبار، خصوصاً منذ خريف عام 2015، دخول روسيا على خط حماية النظام الأقلّوي الذي يحكم سوريا منذ ما يزيد على نصف قرن.
ليس سرّاً أن أنقرة كانت وراء تسريب نبأ المحادثات الأمنية بين علي مملوك وهاكان فيدان. يعود ذلك الى سببين. الأوّل مرتبط بالسوريين اللاجئين الى الأراضي التركيّة، والآخر بأكراد سوريا الذين يثيرون مخاوف تركيّة. تزداد المخاوف التركيّة بسبب احتمال انسحاب أميركا عسكرياً من سوريا، من منطقة الجزيرة تحديداً، مع ما يعنيه ذلك من دخول أطراف أخرى على خطّ لعب ورقة الأكراد السوريين في غير مصلحة تركيا. هناك تضايق تركي من العلاقة القائمة بين أكراد سوريا والأميركيين. لكنّ هذه العلاقة يمكن أن تتخّذ شكلاً مختلفاً أكثر عدائية لتركيا إذا صار الأكراد ورقة في يد طرف ينوي استخدامهم في الضغط على تركيا التي تعاني مشكلات كثيرة وكبيرة مع أكرادها.
لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه أن مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا كبرت مع الوقت، وصارت عاملاً ضاغطاً على رجب طيب أردوغان وحزبه. بات على الرئيس التركي، إذا كان يريد فوز حزبه في الانتخابات النيابيّة المقبلة، البحث عن كيفية إعادة مئات آلاف اللاجئين السوريين الى بيوتهم في شمال سوريا.
يدفع أردوغان ثمن التذبذب التركي في سوريا. لو كان الرئيس التركي رجل دولة بالفعل، لكان سارع عام 2011 الى حسم الوضع في سوريا، لكنّه فضّل بدل ذلك استخدام الورقة السوريّة في مساومات ما لبثت أن ارتدّت عليه وعلى تركيا. استخدم سوريا واللاجئين في الضغط على أوروبا وفي السعي الى ابتزاز روسيا في مرحلة معيّنة. لجأ الى كل ما يمكن أن يغيظ الأميركيين، بما في ذلك الرضوخ للضغوط الروسيّة وشراء منظومة صواريخ "اس – 400" منها. في كلّ ما قام به أردوغان في سوريا، كان هناك خطأ ما، بما في ذلك دعمه المتطرّفين من كلّ نوع، على حساب المعارضة المعتدلة التي كان يمكن أن توفّر بديلاً من نظام لا مستقبل له.
ما العمل مع رئيس تركي ينتمي الى جماعة الإخوان المسلمين بكلّ ما أنتجته من تطرّف، بما في ذلك تنظيم "داعش" الذي لم يكن يوماً بعيداً من النظام السوري ومن "الحرس الثوري" والميليشيات التابعة له.
لم يعد لدى تركيا ما تقدّمه لسوريا، ولم يعد لدى النظام السوري ما يقدّمه لتركيا، وذلك لأسباب إيرانيّة أوّلاً. إذا جرت محادثات بين الجانبين، فهي بمثابة إضاعة للوقت. الوقت التركي قبل أيّ شيء آخر. لا لشيء سوى لأن رجب طيّب أردوغان فوّت كل فرصه السورية منذ زمن بعيد. لم يعد لديه ما يستطيع عمله أكثر من أن يكون أحد الاحتلالات الخمسة في سوريا... في انتظار الصيغة التي سيستقرّ عليها بلد يرفض رئيس النظام فيه أخذ العلم بما يجري على الأرض، بل يعتقد أن مصيره مرتبط بالتغييرات الديموغرافيّة التي يشهدها البلد في غير منطقة من مناطقه، آخرها منطقة حوران السنّية – الدرزية!