الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أربعة أطراف متنازعة في معارك الشمال السوري الأخيرة

أربعة أطراف متنازعة في معارك الشمال السوري الأخيرة

25.11.2018
وائل عصام


القدس العربي
السبت 24/11/2018
بات الشمال السوري، إن كان المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد ودرع الفرات، أو جيب إدلب، مسرحا لمعركتين قد تكونان الأخيرتين في سوريا، وتتنافس أربع قوى متنازعة على السيطرة النهائية على تلك المناطق التي ستختتم مرحلة الحرب الأهلية الدموية في سوريا وهي، النظام السوري وحليفاه الايرانيين والروس، الذين يسعون لاستعادة كامل الأراضي السورية، لكن امامهم طرفا أكثر صعوبة هذه المرة، وهو القوى الكردية المدعومة من الأمريكيين.
الاتراك يحاولون اقتناص ما يمكن اقتناصه بالتنسيق مع الطرفين، حسب اعتبارات أمنهم القومي المتوجس من الطموحات الكردية، فمرة يتوغلون بعملية "درع الفرات" بتنسيق مع الأمريكيين، ومرة يتوغلون بعملية "غصن الزيتون" في عفرين بتنسيق مع الروس، الأقرب لهم ضمن مجموعة أستانة حول سوريا، التي تضمهم مع حلفاء دمشق، طهران وموسكو.
بين تلك الاطراف المتنازعة، الأكراد والأمريكيون من جهة، والنظام وحلفاؤه من جهة، والأتراك الذين يدخلون سوريا بالتنسيق مع أحدهما، يأتي طرف رابع، أقل قوة ولكنه ما زال يفسد حفلة اقتسام الكيكة على الأطراف، وهم الجهاديون، الذين باتوا على مدى السنوات الأخيرة، التيار الأخير الباقي بفعالية من حالة التمرد السني المسلحة ضد الأسد، ففي إدلب يحتفظ مقاتلو "تحرير الشام" بنسبة كبيرة من السيطرة على المنافذ الحدودية ومراكز المحافظة وبعض القرى، بينما يشاركهم وتنازعم الأمر في إدلب ومن قربها عفرين، فصائل مقربة للأتراك تعمل ضمن المرجعية الخاصة بأنقرة، ولكنها لا تعتبر طرفا في هذا النزاع، لانها خرجت عمليا من كونها فصائل تستهدف قتال النظام، إلى كونها فصائل توالي أنقرة وتلتزم بأحد أهم شروط دخولها لشمال سوريا، عدم التصادم مع قوات النظام.
قد يبدو الجولاني، نجح للان في استثمار كل التقاطعات الممكنة لتأجيل معركته المقبلة بلا شك مع النظام، لكن لا يبدو أن الأمر سيطول كثيرا، حتى يقدم النظام في الأشهر القليلة المقبلة، على تصفية هذا الجيب الأخير الكبير المتبقي للمعارضة السورية.
ومن إدلب غربا، حتى دير الزور شرقا، يظهر الجهاديون كطرف مشاغب لا مرجعية له سوى إصراره على البقاء، حتى لو ضمن بضع قرى ريفية صغيرة في دير الزور، معظمهم من مقاتلي دير الزور والعناصر العراقية المنسحبة مع عائلاتها من الموصل والأنبار وصلاح الدين، بعد هزيمتها من قوات الحشد الشيعية المدعومة أمريكيا، وتعرضت هذه القرى في هجين وما حولها لمجازر رهيبة بحق المدنيين في الأيام الاخيرة، بسبب قصف الطائرات الامريكية الغاضب من خسارته، بعد عامين من الجهد العسكري مع حلفائه الأكراد، لمساحات واسعة في ريف الدير الممتد نحو الحدود العراقية شرقا، وهو الامر الذي رجح إمكانية تدخل قوات الحشد الشعبي العراقية أو على الاقل مشاركتها في الاسناد الجوي والقصف المدفعي. ولكن فرصة هذا الجيب الصغير لتنظيم "الدولة" في لعب دور أكبر، تبقى محدودة، وسيظل النزاع متمحورا بين طرفين رئيسيين في هذه المنطقة، القوى الكردية وداعميها الأمريكيين، والنظام وداعميه، مع طرف تركي يحاول استغلال هذا النزاع ليبعد الأكراد عن حدوده، ومن المرجح أن الأكراد إن شعروا بتزايد النوايا الامريكية بالانسحاب من مناطقهم، سيفضلون مجددا دخول النظام لمناطقهم على دخول الاتراك، وهو الأمر الذي يسعى إليه محور دمشق طهران موسكو، فدمشق لا تريد حالة كردية انفصالية تخرج عن سلطتها، وطهران وموسكو تشتركان في حذرهما من السيطرة الأمريكية في ساحات نفوذهما، وتأليب قوى كردية على مراكز سلطة حلفائهم في بغداد ودمشق، وقد نجحوا في تقليم أظافر الأكراد في كركوك، ويبدو أنهم مصرون على تكرار الأمر شمال سوريا، وإن استغرق الامر سنوات عدة، مستغلين انكماش الامريكيين في المنطقة مقابل التمدد المطرد لهيمنة طهران وموسكو في الشرق الأوسط.
 
*كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"