الرئيسة \  واحة اللقاء  \  آفاق الصراع في شرق سوريا: توقف المعارك الكبرى وانتعاش تنظيم “الدولة الإسلامية” 

آفاق الصراع في شرق سوريا: توقف المعارك الكبرى وانتعاش تنظيم “الدولة الإسلامية” 

11.01.2021
منهل باريش



القدس العربي 
الاحد 10/1/2021 
نجحت قسد في تخفيف الضغط عليها في ملف عين عيسى من خلال نقل التوتر إلى مدينة القامشلي شرقا والتي تعتبر أهم المدن لعدد من أطراف الصراع، فهي مركز النشاط السياسي في سوريا، والعاصمة الأمنية لمحافظة الحسكة، رغم أن مركز المحافظة السياسي والإداري هو في مدينة الحسكة. إضافة إلى أنها تملك المطار المدني الوحيد في شرق سوريا، قبل أن يتحول مطار دير الزور العسكري إلى مطار لهبوط الطائرات المدنية للرحلات القادمة من دمشق واللاذقية. وكان قاسم سليماني أول المتنبهين إلى أهميته ففرض حزب الله اللبناني وجوده وسيطرته الأمنية على المطار، وتحول إلى قناة نقل سلاح له. وفي عام 2019 أخرجت روسيا حزب الله اللبناني منه بعد أن انتزعت عقد تشغيله من النظام لمدة 50 عاماً. 
وشهدت القامشلي حملة اعتقالات متبادلة بين الدفاع الوطني وقوى الأمن الداخلي “أسايش” التابعة لوحدات حماية الشعب الكردية، استمرت طوال الأسبوع الماضي، وانتهت بتدخل روسي لحل المشكلة وإطلاق سراح المعتقلين من الطرفين. وعقدت القيادة العسكرية الروسية في مطار القامشلي اجتماعا حضره الطرفان وانتهى باتفاق على إنهاء حالة التوتر في المدينة وإطلاق سراح المعتقلين من قبل الجانبين وإنهاء الانتشار الأمني وسحب الآليات الثقيلة والقناصات عن المباني والمقاتلين من شوارع مدينة القامشلي الحدودية مع تركيا. 
وتعتبر أحياء طي وحلكو ومحيط المربع الأمني للنظام السوري بؤرة التوتر ومركز الاشتباكات التي أوقعت عددا من المدنيين جرحى. وأدت الاشتباكات إلى نزوح المدنيين وإقفال شبه عام للمحال التجارية في المنطقة. 
ويعتبر الدفاع الوطني والأسايش مولدا شرر الاقتتال الذي عادة ما يجري في محافظة الحسكة دائما، وتعتبر عشائر طي وحرب والبو عاصي العمود الفقري لميليشيا الدفاع الوطني في محافظة الحسكة، وشكل الشيخ محمد فارس العساف شيخ قبيلة طي، الدفاع الوطني في مدينة القامشلي وتضم طي 12 عشيرة كلها منضوية بالدفاع الوطني. ويعتبر الشيخ محمد الفارس أحد أبرز المحرضين على قتال الأكراد السوريين في انتفاضة الأكراد السوريين عام 2004 حيث جند مئات الشباب للهجوم على القامشلي، فعل الأمر ذاته بعد قتل النظام الشيخ معشوق الخزنوي، حيث وصل موالوه المسلحون إلى أطراف مدينة القامشلي الجنوبية ونهبوا المحال التجارية ووصلوا إلى مشارف حي الهلالية، وكانت تلك رسالة قوية من النظام أن العشائر العربية جاهزة في أي وقت يتجرؤون على التظاهر والتحرك ضده، رغم أن النظام كان قد نشر عددا من أفواج القوات الخاصة التي ما زال بعضها موجودا في محيط الحسكة والقامشلي. إلا انه كان يدرك أن التهديد الأهلي والعشائري يجنبه انتقادات القمع أو زج الجيش في مواجهة الأكراد حينها. ويدرك أن الانتقام العشائري والاثني غير منطبط وغير مسؤول كحال سلطة الدولة، وخرج الدفاع الوطني في القامشلي مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي دورة جديدة تضم 200 مقاتل جديد من أبناء العشائر العربية. أشرف على تخرجها عضو مجلس الشعب وقائد مركز الدفاع الوطني في محافظة الحسكة، حسن السلومي. 
 
النظام يحاول الاستفادة من التواجد الروسي في مطار القامشلي لفرض واقع جديد 
 
وتعتبر العشائر العربية في الحسكة موالية لروسيا منذ العام 2019 حيث ترعاها وتقدم خدماتها الإنسانية لها، وخصوصا في منطقة القامشلي لعدة اعتبارات أولها امتداداتها إلى المناطق الشرقية التي تعتبر مداخل المناطقة النفطية، واعتمدت عليها بشكل أساسي في تجنيد المرتزقة السوريين الذين نقلتهم لصالح شركة فاغنر إلى بنغازي للقتال إلى جانب قوات حفتر. 
 
عين عيسى مقابل القامشلي 
 
حاولت قسد، من خلال التوتر في القامشلي، إيصال رسالة أن البديل عن تخليها عن عين عيسى سيكون مدينة القامشلي، وانه في حال إصرار الروس والنظام على تسليم عين عيسى للنظام ستكون سيطرة قسد على القامشلي هي الثمن عوضا عن عين عيسى. وتمكنت قسد من تشتيت الروس والنظام في نقل التفاوض من عين عيسى إلى إغراقهم بالتفاصيل حول آليات تحرك الأطراف وانتشار الحواجز والسيطرة على دورات وأزقة الأحياء المختلطة في القامشلي وحدود جبهات الفصل بين الأحياء الكردية والعربية. 
وفي السياق، أكد عضو قيادة قوات سوريا الديمقراطية، الملقب جيا فرات لوكالة أنباء “هاوار” المحلية انهم رفضوا “تسليم عين عيسى إلى حكومة دمشق”. وأعرب عن استعدادهم لأي هجوم من قبل تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري المعارض. وتشير التوقعات إلى انتهاء الضغط على قسد في تل أبيض. 
وتظاهرت عشيرة طي في القامشلي، بدعم وتحريض من الأفرع الأمنية احتجاجا على ما وصفته الحصار على حي طي أبرز معاقلها في المدينة، وأغلب المتظاهرين هم من البعثيين وقادة الدفاع الوطني وكتائب البعث، كما أظهرت الصور مشاركة مسلحين من الدفاع الوطني لتلك المظاهرات. ويسعى النظام بدوره إلى الاستفادة من التوتر في القامشلي، بسبب انتشاره في المدينة وخصوصاً مربعها الأمني وتمركز قطعه العسكرية في أعلى التلال والجبال المشرفة على مدينتي الحسكة والقامشلي، إضافة إلى وجود قوات كبيرة من الدفاع الوطني من أبناء العشائر العربية. ومن غير المستبعد أن يسعى إلى توتير الأوضاع في المدينة مستفيدا من تواجده الكبير فيها ومحاولة طرد قسد منها بشكل أو بآخر، رغم المخاطر الكبيرة لهذا التحرك. إلا أن النظام يحاول الاستفادة من التواجد الروسي في مطار القامشلي من أجل فرض واقع جديد. 
 
مكاسب جديدة 
 
روسيا من جهتها، تحاول تحصيل مكاسب جديدة في مكان من مناطق سيطرة قسد، سواء في عين عيسى أو منبج أو شمال وشرق دير الزور، تحديدا في مناطق الانتشار الأمريكي والمناطق النفطية، ولا تتردد بدعم النظام في حال قرر توتير الأجواء ومحاولة فرض سيطرته على القامشلي، أو على كامل طريق M4 الذي يخترق منطقة الانتشار الأمريكي شرقي محافظة الحسكة. وتنظر موسكو إلى أي مكسب في شرق سوريا على انه خسارة لأمريكا ومحاولة تضييق الخناق عليها ومحاصرتها، كخطوة لانتزاع أي من حقول النفط التي تسيطر عليها. 
تركيا، بدورها تنظر إلى أي توتر بين قسد والنظام السوري والروس والإيرانيين في شرق سوريا انه يصب في خدمة أمنها القومي واضعاف شوكة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري الممثل بوحدات حماية الشعب الكردية، التي تصنفه أنقرة إرهابيا كونه ذراعا سوريا لحزب العمال الكردستاني. ولا تترد أنقرة بالضغط على الوحدات في كل المناطق دون استثناء، وتضع قواتها في تركيا أو سوريا بكامل الجاهزية العسكرية لشن أي عملية عسكرية في أي مكان داخل الحدود السورية. وتطلب من فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لها الاستعداد دائما لاغتنام أي فرصة تحدث في اختلال العلاقات الدولية والإقليمية كما حصل في هجومها الأخير، عام 2019 على تل أبيض ريف الرقة الشمالي ورأس العين غرب محافظة الحسكة. 
 
التوتر بين قسد والنظام والروس شرق سوريا يصب في صالح تركيا 
 
على الصعيد الأمريكي، يتوقع ان تتعزز منطقة النفوذ الأمريكية في شرق سوريا، وان تعود العلاقة بين واشنطن وقسد إلى شهر عسل طويل يمتد أربع سنوات، فترة ولاية الرئيس بايدن على غرار طبيعتها قبل عام 2018 حين أعلن الرئيس ترامب انسحابه من سوريا. وفي حال عودة العلاقة الأمريكية مع قسد إلى سابق عهدها، سيودي ذلك لتراجع في العلاقة بين قسد ومحور حلفاء النظام بمن فيهم الروس. لكن ستبقى العلاقة محكومة بتوجه واشنطن في شرق سوريا. والأمر الأهم هنا محكوم برغبتها باستعادة كامل منطقة نفوذها شرقي الفرات حسب التفاهمات الروسية الأمريكية القديمة، أم انها ستقبل بالمنطقة التي تراجع إليها البنتاغون مؤخرا بعد إطلاق ترامب يد تركيا في منطقة “نبع السلام”. 
ومن المرجح أن تتجه منطقة شرق سوريا إلى فترة استقرار في زمن الرئيس بايدن، وان تتوقف العمليات العسكرية الكبرى هناك بشكل شبه نهائي، مع بقاء التوتر على خطوط التماس بين الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له. في حين سيعود شعار “القضاء على داعش” إلى واجهة الأحداث، ومعه يعود التحالف الدولي للقضاء على التنظيم إلى الواجهة مجدداً. 
ويدعم هذا التوجه تنامي نشاط تنظيم “الدولة” الإسلامية بشكل كبير للغاية خصوصا في محافظة دير الزور. كما بين التنظيم من خلال نشره إحصائية لهجماته خلال عام 2020 أشار فيها إلى انه شن نحو 600 هجوم في سوريا، أغلبها شرقي سوريا. موضحا انه استهدف 1327 عنصرا، 900 منهم من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وتبنى التنظيم 389 هجوما في دير الزور، أي بمعدل 59 في المئة من الهجمات.